أصيلة تحتفي بالتشكيلية المغربية مليكة أكزناي والياباني أكيمي نوغوشي

عميروش: أعمالهما تتماهى مع قيم الجمال والتسامح

عدد باحثون وفنانون مغاربة وأجانب مناقب وخصال الفنانين التشكيليين، المغربية مليكة أكزناي والياباني أكيمي نوغوشي، في ندوة تكريمية، مساء الأحد، بعنوان:”45 سنة من فن الحفر في أصيلة”، احتضنها مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، والمنظمة ضمن فعاليات الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال45، مثمنين تفرد مسار المكرمين اللذين لعبا دورا جوهريا في تطور الفنون على الصعيد الوطني والدولي.

تحية رمزية

واعتبر الناقد والأكاديمي، شرف الدين ماجدولين، أنها لحظة احتفائية مخصصة لأول مرة في تاريخ موسم أصيلة وربما لتاريخ الفن في المغرب، وتحديدا الفن التشكيلي، بتنظيم تخصص جلسة قائمة بذاتها لعمل رائدين والدور الذي نهضا به داخل المشهد في المغرب وخارجه.

وسجل ماجدولين أن الأمر يهم تقديم تحية رمزية لأستاذين جليلين وفنانين قديرين كان لهما دائما قدرهما داخل موسم أصيلة، مضيفا:” إذا أردنا أن نختصر بمفردة واحدة اسمي كل من مليكة أكزناي وأكيمي نوغوشي فلن تكون إلا كلمة الوفاء، الوفاء للمشغل والفضاء الذي هو أصيلة وللأسلوب والشكل تعبيري الذي هو فن الحفر كفن صعب مقاربته نادرة داخل وطننا”.

وقال ماجدولين:”أكزناي قادمة من مجرات الحداثة الفنية في المغرب، هي اسم رائد لأنها امرأة تمثل الوحيدة داخل جيل سابق لتأتي بعدها أخريات وكان لدورها قسط وافر في تنويع أساليب الحداثة، هي فرصة لنكرم ونحيي بشكل رمزي هاذين العلمين”.

وأبرز ماجدولين أن الفنان يخرج من مشغله إنتاجا متفردا يمثل ذاكرة وإضافة لرصيد الفن في المغرب، لكنه أيضا ذلك التاريخ التخميني الذي يكون مقروءا في كتابات من تناولوه.

ماجدولين يتناول مسار أكزناي الفني والإبداعي

حياة إنسانية وإبداعية

من جانبه، ذكر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، أن كل ما يستطيع قوله حول أكزناي هو كلام وشهادة مجروحة لأن قصتها هي قصة أصيلة، قصة الحفر في هاته المدينة، هي أيضا قصة حياة إنسانية وإبداعية، علما أنها بدأت الحفر في أصيلة وأعجبت بهذا الفن وتابعته خارج المغرب وبالتحديد في ليون الفرنسية، لتقوم بعدها بتطوير مختلف الأساليب والتقنيات الخاصة به، من خلال تواصلها مع الفنانين القادمين إلى أصيلة باستمرار، مثل البولوني أكيموسي والذي يعتبر من رواد الفنون الحفرية في أوروبا وغيرها من بقاع العالم.

وزاد مبينا:”أعتبرها عنوانا لكل مرحلة من مراحل تطور موسم أصيلة، إذ أصبحت كالحصة، كالحجرة، كالنبات كالسحب، كالأرض، والبحر في أصيلة، يعرفها الجميع، فبالإضافة لقدراتها الإبداعية، لها شخصية متواضعة وبسيطة تكاد تكون جزءا من عالم زراعي وليس مدني، وهي التي حكت لي منذ أيام عن والدها الذي كان يشتغل في الأرض وكيف كان يحبها وكان سليما في عقله وذاته”، مؤكدا أن حضورها يتميز بشيئين مهمين، يجعل من شخصية الفنان متميزة، وهما الثبات، حيث يأخذ الإنسان طريقا ويحاول الوصول بكد، فيضمن الاستمرارية والنجاح، ثم الصبر، فهي فنانة ثابتة ومن ينظر لأعمالها يرى أن هناك خطا ثابتا يتطور وصبرا كامنا يتواصل.

وأشار بن عيسى إلى تطور عمل أكزناي في الشكل واللون والتناوب عرفت بأعمالها بتسخير الطحالب البحرية والأشكال الدقيقة المتناهية الصغر، حيث أبدعت وكانت تتطور إلى توظيفها في بعض الحكم والأحاديث والآيات قرآنية، كما طورت أيضا الأشكال والألوان، لتمثل علامة الشباب المتأخر والربيع الذي يأتي بعد صيف طويل، واستطاعت أن تبقي على خطها ورسالتها لكن بتغيير أساليب التعبير والتواصل.

ولفت بن عيسى إلى أن أعمال أكزناي تدافع عن الأنثى وتستخدم دائما كلمات الحب والرضا والعلاقات البشرية وكلها تيمات في لوحاتها، مضيفا:”حينما نحتفي اليوم بها، فنحن نحتفي ونكرم جيلا من الفنانين في هذا البلد ليس فقط في أعمال الحفر ولكن في الفن عموما، لأن مليكة ما تزال فنانة زيتية ولها أعمال متميزة جدا، وأعتبرها في صدارة الفنانين الذين يعيشون إلى اليوم”.

بن عيسى يثمن مسيرة أكزناي الفنية

وشدد بن عيسى على أن أصيلة لم تعد تجربة بل أصبحت ممارسة بعد 45 سنة، مستحضرا ذكرى التشكيلي الراحل محمد المليحي الذي ساهم معه في تطوير شروط نجاح هاته الممارسة، والذي كان له أثر على أكزناي، بحيث كان قاسيا معها في بعض الأحيان، هي قسوة الأستاذ الفنان مع التلميذة التي كانت طالبته في مدرسة الفنون بالدار البيضاء، وكان يريدها أن تكون فنانة كبيرة تخرج عن المعتاد، وهو ما أصبحت عليه فعليا الآن، كونها فنانة كبيرة تعيش بالفن ومع الفن، تتسم بالوفاء له والإخلاص في عملها.

وقال الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة:”انضم إليها فنان عظيم وكبير وصامت صمت الموت، لا يتحدث أبدا هو أكيمي نوغوشي، كان بلكاهية يراقب أعماله ولا يفهم كيف يمكن للإنسان أن يبقى في مساحة صغيرة ليومين و3 أيام يشتغل على أعماله بإتقان وتفان لا يخفى على اليابانيين، باعتبارهم متفوقين في العالم في عدد من المجالات ويحملون  مميزات إنسانية يتميزون بها، صحيح أن اليابان ليست دولة غنية بالموارد، لكنها غنية بالرؤى والإبداع والصناعات والإلكترونيات، وحينما تشاهد نوغوشي يعمل تدرك أن العمل الجيد يتطلب الالتصاق به وعدم الانفكاك منه، عمله أيضا يلتقي لحد ما مع أعمال مليكة، فهو يستلهم أعماله من السحب، نوغوشي يعد ببساطة رائدا من رواد فنون الحفر في العالم”.

التزام ومسؤولية

من جانبه، قال الفنان التشكيلي، مولاي يوسف الكهفعي:”حظيت بشرف العمل مع أكزناي ونوغوشي في دورات ومحترفات أصيلة، فقد ساهما في إثراء فنون الحفر في المدينة، ولا يفوتني أن أغتنم الفرصة لأحيي أكزناي على عملها والتزامها كفنانة ومسؤولة على مشغل الحفر لسنوات متتالية”.

وأضاف الكهفعي:”هي أول فنانة مغربية تسافر لأميركا لتلقي تكوينها في مجال الحفر، أكزناي تمثل نموذجا للمرأة المغربية العصرية التي كرست حياتها للإبداع واستطاعت أن تثبت نفسها في عدة تجارب فنية إلى جانب أخرى في مجال الصباغة والنحت”.

جانب من حضور الندوة التكريمية

أما الباحث والناقد الفني الفرنسي، جون فرونسوا كليمون، فأشار إلى تعدد قراءات أعمال أكزناي التي تحمل عددا كبيرا ولا متناهيا من العناصر الفنية المتفردة والتي تميز مسارها الممتد لسنوات طويلة من الاشتغال.

وشدد كليمون على تطور تلك الأعمال تدريجيا خاصة أنها لا تقدم أشكالا معينة، بل كائنات بشرية وأخرى حيوانية تتحرك، ليعاين المتلقي المرأة والرجل، والحيوانات والأسماك، مسجلا بحثها في ثنايا الموروث الحضاري والهوياتي المغربي عبر أشكال تجريدية جميلة، متسائلا:”من أين أتى هذا التطور؟ هل هو نتاج ممارسة فن الحفر أم بفضل غنى موهبتها الفذة التي تعكس حرية الإبداع والابتكار الفني.

كاريزما خاصة

من جهته، نوه الفنان التشكيلي والباحث والناقد، عزيز أزغاي، بتاريخ الفنانة الطويل وما تملكه من كاريزما خاصة، دفعته لأن يتعقب خطاها لأنه يشتغل في نفس الميدان، مبينا:”إسهامها له وقعه وله مكانته الاعتبارية لأنها جاءت في وقت صعب، كان يصعب معه بالنسبة لسيدة أن تفرض نفسها في مجال لم يجد لنفسه مكانا داخل الحقل الثقافي المغربي، وبالتالي كان لها فضل إلى جانب زملائها في التأسيس لمشهدنا البصري الحديث، رغم أن تخصصها الأول في علم الاجتماع ومنه استطاعت أن تجد لها منفذا في العودة للأشياء التي تعشقها في الفن، فكان لها الفضل في إشاعة الثقافة بين مواطني البلد الواحد من الجنسين”.

باحثون ونقاد يعددون مناقب أكزناي في ندوة خاصة على هامش فعاليات الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال45

وأكد التشكيلي والناقد الفني، بنيونس عميروش، أن أكزناي تظل من الأسماء الرائدة في فن الطباعة في المغرب، حيث راهنت مؤسسة منتدى أصيلة منذ دوراتها الأولى على أنماط الطباعة الفنية وفن الحفر خاصة وجعلها في متناول الجمهور العريض بكثير من الجد والمثابرة، كما كان لها الأثر والبالغ والمحوري في ديمومة الإنتاجية عبر الإدارة والتنسيق والإشراف على تكوين فنانين من مختلف الأجيال، فهي لم تدخر جهدا في تطوير أدائها التقني والتعبيري.

وقال عميروش:”هي فنانة حفر محترفة، سجلت حضورها منذ سبعينات القرن الماضي، تنتمي للأجيال الأولى من الفنانين الذين واكبوا تطوير المغرب الحديث فنيا تماشيا مع توجهات مدرسة الدار البيضاء التي تخرجت منها، تملك حساسية تؤطر إبداعاتها في أعمالها النحتية التي شكلت ممارسات تستهويها باعتبارها فنانة تشكيلية شاملة طبعت بصمتها في المشهد الفني الحديث في المغرب”.

ولفت عميروش إلى أن نوغوشي دأب على مشاركة منتظمة في مشغل الحفر في أصيلة على امتداد عقد ونصف من الزمن، فهو معلم الصيغة السوداء بناء على تجارب واختبارات لمسيرته، خبر تقنيات الحفر على النحاس إلى أن اشتغل أستاذا للفنون التشكيلية في اليابان ليستقر بعدها في فرنسا.

جانب من الحضور

وحول خصائص إنتاجاته، قال عميروش:”أعماله تميل لاشتقاقات حول الطبيعة وعناصرها بهيمنة السواد واضعا أيقونات داخل وضعيات لتيسير هوامش التأمل لدى المتلقي، تنضم أعماله لمجموعات خاصة في اليابان وأوروبا والمغرب، ما قدماه كلاهما في حقل الفنون التشكيلية يكشف لنا كيف يمكن للفن أن يتسامى و يتماهى مع قيم الجمال والتسامح ليتحول موسم أصيلة لبؤرة للتلاقح والتلاقي بين القارات”.

الأصالة والجرأة

وثمنت الفنانة التشكيلية والباحثة، ريم اللعبي، مسار أكزناي الفني الاستثنائي بكل المقاييس، قائلة:” فخورة بكوني تلميذتها المحبة لأصالتها، فهي بالنسبة لي مرجع كبير ومهم في الفن، تتميز بالجرأة والحرية الإبداعية ومحاربة الكليشيهات، هي المغامرة والشغوفة بنقل مهاراتها لطلبتها ومحبيها بكل كرم والانفتاح على التقنيات الجديدة”.

واعتبرت اللعبي أن الاحتفاء بأكزناي وونوكوشي لحظة مهمة تعكس الاعتراف بجودة حوارهما ومغامراتهما الفنية النادرة والمبنية على الاعتراف بالهويات والاختلاف الثقافي، فهما يقترحان إغناء وخلق نماذج جديدة للحياة، ويواصلان مسيرتهما الفنية بقوة وثبات.

حضور نسائي بارز في ندوة أكزناي ونوغوشي

بدورها، رحبت أكزناي بوجودها المتواصل بموسم أصيلة الذي يشكل فرصة ثمينة تمكنها من الالتقاء بممارسي الفن من كل أنحاء العالم، مسجلة تأثرها للغاية بالشهادات التي أدلاها الحاضرون في حقها.

وأعربت أكزناي عن شكرها لسكان أصيلة لاستقبالهم لهؤلاء الفنانين ولمدى لطفهم معهم.

الفنانة التشكيلية المقتدرة مليكة أكزناي

وقالت أكزناي:”بعد كل هاته السنوات من الممارسة الإبداعية والثقافية والفنية، أقول إن موسم أصيلة الثقافي الدولي أصبح أكبر متحف للفنون الحية في المغرب، وأتمنى له الاستمرار كومضة مضيئة في مجال الإبداع”.

وتميزت الندوة التكريمية بعرض شريط قصير عن تجربة المحتفى بهما، بعنوان تكريم مسارات متقاطعة، فضلا عن حضور معرض خاص بهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى