دعوات عربية في”منتدى أصيلة” لتملك الشجاعة والإرادة من أجل إنصاف القضية الفلسطينية
الحسيني: القانون الدولي لا وجود له بعد 7 أكتوبر

أجمع مشاركون في الجلستين الثانية والثالثة من ندوة:”قيم العدالة والنظم الديمقراطية”، على ضرورة تضافر جهود الدول العربية لتشكيل قوى ضغط للتأثير على القرار الدولي، بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة، وهي التي سقطت”ضحية” الترويج لمفاهيم العدالة الكونية التي لم تنصفها في شيء، بل خدمت بالدرجة الأولى مصالح القوى الكبرى المهيمنة، وذلك أمس السبت، ضمن فعاليات الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال45.
استكانة وتواطؤ
قال رئيس الجلسة، تاج الدين الحسيني، الخبير السياسي وأستاذ العلاقات الدولية، إن العالم يشهد مهازل، مما يفيد بوجودنا في عالم يستحق لفظ “القرية الشمولية”، حيث كل شيء على الواجهة ومعروض للجميع، في ظل استكانة في أوساط العالم العربي والإسلامي وردود فعل متواطئة في العالم الغربي، آخرها تصريح وزيرة الخارجية الألمانية التي بررت قتل إسرائيل للمدنيين العزل في غزة.
تفاعل الحضور مع مداخلات المشاركين في الندوة
وذكر الحسيني أن منظمة الأمم المتحدة جهاز مكون من خمس مؤسسات مؤسسة وحيدة ومنفردة، أبرزها مجلس الأمن الدولي الذي يتوفر على إمكانية الإصلاح، لكن باقي الهيئات الأخرى تظل ذات طبيعة استشارية للتوصيات فقط، منددا وجود مؤسسات وضعت لمعالجة القضايا الأساسية وحفظ السلام والأمن الدولي انطلقت منذ البداية فاقدة لقدرتها على التأثير، وحتى مجلس الأمن الفاقد بدوره للقدرة بسبب العضوية الدائمة للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية.
واعتبر الحسيني أن الدول النامية التي ننتمي إليها كانت حينما حصلت على استقلالياتها السياسية ضحية نزوة فطرية للعيش تحت السلام والاستقرار وحماية سيادتها أيا كان الثمن، مضيفا:”فانخراطها في الأمم المتحدة يمثل هذا الدور المشبوه علما أنها لا تستفيد منه، في مقابل العدالة الكونية التي تعني الاعتراف بالحقوق والحريات في المجتمع الدولي الذي يشهد تداخل المصالح وبالتالي الحقوق والحريات ينبغي أن تكون متبادلة، في سياق قانون دولي مبني على التهيئات عوض أن يكون مبنيا على الواقع”.
جانب من الحضور
ونفى الحسيني وجود قانون دولي خارج الإطار الأخلاقي خاصة بعد 7 أكتوبر، تاريخ انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة، متسائلا:”هل يمكن أن نتصور اليوم في هاته اللحظة الحرجة إمكانية تطور الوضع لما هو أفضل؟ ألم يعلمنا التاريخ أن أي نظام لا يمكن أن يتغير إلا بعد حرب قوية كالحرب العالمية الأولى والثانية؟ وهل من يتمتعون بمركز القوة مستعدون للتنازل عن مواقعهم لصالح آخرين؟ المسألة غير قابلة للتطبيق إلا بالحرب العالمية الثالثة والتي لا يمكن أن تحدث لأنها تفيد بنهاية البشرية على الإطلاق.
أداة ابتزاز
من جهته، تساءل نبيل الحمر، مستشار ملك البحرين في شؤون الإعلام، :”هل توجد في عالمنا عدالة مطلقة وهل النظم التي تقدم نفسها على أنها ديمقراطية تطبق بالشكل الصحيح المبادئ التي تضمنها دساتيرها ونظمها؟ أم أنها كلها نظم ومبادئ فصلت لتصير أداة ابتزاز تستغلها بعض الدول لتشكل بها ضغوط هدفها الهيمنة السياسية على الدول والشعوب؟”.
وأشار الحمر إلى أن هناك أنظمة ونظريات تبحث عن العدالة والإنسانية، ولكنها فشلت وانهارت وسقطت، وأنظمة ادعت الديمقراطية تنهب بالقوة ثروات الآخرين، وقادة يشعلون الثورات هنا وهناك تحت شعار العدالة والإنسانية ولكنهم سرعان ما تحولوا إلى طغاة، مؤكدا أن قيم العدالة ومبادئ الحرية وحقوق الإنسان كلها عناوين جذابة تغري مختلف الشعوب في كل العالم.
نبيل الحمر، مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام
وأوضح الحمر أن العدالة مفهوم واسع يشمل العدالة الاجتماعية، الاقتصادية، والقانونية، ولذا فإنه بطبيعة الحال، يفترض انه في المجتمعات العادلة، تحترم حقوق الإنسان، ويتمتع الأفراد بحقوقهم الأساسية دون تمييز، وأيضا المساواة أمام القانون، حيث يعامل الجميع بشكل متساوٍ دون تحيز أو تمييز.
وقال الحمر: “إننا في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، نواجه معضلة نعيشها في التعامل مع الأنظمة ذات النفوذ السياسي والعسكري، إنها الازدواجية في تطبيق قيم العدالة ومبادئ الديمقراطية والتي التي تنتهجها النظم الديمقراطية الغربية وتكشف عن التناقض بين المبادئ النظرية للعدالة والممارسات العملية التي قد تفتقر إلى هذه المبادئ في تطبيقاتها”، مؤكدا أن الازدواجية في تطبيق قيم العدالة الغربية تجاه القضايا العربية، هي ظاهرة تتجلى في كيفية تعامل الأنظمة الغربية مع الأزمات والصراعات في العالم العربي، إذ تتبنى الأنظمة الغربية معايير مختلفة عندما يتعلق الأمر بقضايا الشعوب، وبالأخص القضايا العربية مقارنة بالقضايا الأخرى، فغالباً ما يتم تجاهل مبادئ حقوق الإنسان في بعض المناطق في الوقت الذي يتم فيه توجيه الانتقادات الحادة الي الدول العربية.
وتناول الحمر دور الإعلام والتغطية الإعلامية والصحفية، حيث تلعب وسائل الإعلام الغربية دوراً في تشكيل الرأي العام حول القضايا العربية وقضايا الشعوب الأخرى، فيتم تسليط الضوء على بعض الصراعات بينما تُهمل أخرى، مما يؤثر على كيفية فهم الرأي العام الغربي لتلك القضايا، مسجلا أن هناك أمثلة ملموسة في التعامل الإعلامي في الصراع العربي – الإسرائيلي، وأيضا في الصراعات الأخرى في العالم كالصراع بين روسيا وأوكرانيا والصراعات الأخرى في الشرق الأقصي. فالرقابة والحجب مسألة ظاهرة في تعامل الغرب حتى مع وسائل الإعلام الغربية نفسها حين يتعلق الأمر بمصالح الغرب في ذلك، ولا مكان هنا ولا اعتبار لقيم العدالة والحرية والديمقراطية.
جانب من المحاضرين في الجلسة الثانية من ندوة العدالة ونظم الديمقراطية
جيل متطرف
بدوره، ذكر الكاتب الصحفي والسفير اليمني السابق، مصطفى نعمان، أن القوة صارت المكون الوحيد للبنية القانونية، إذ لم يعد هناك شيء اسمه عدالة دولية، في ظل تبرير العدوان الإسرائيلي على غزة، مبينا:”كيف يمكن لعاقل أن يقبل حديث الغرب حول العدالة الكونية بعد ما فضحت حرب الإبادة زيف العواصم الكبرى، من العبث أن يستمر الغرب في إعطائنا دروسا حول حقوق الإنسان والعدالة والحريات، والحال أنها كلها مفاهيم سقطت”.
وشجب نعمان انحياز وسائل الإعلام في الغرب لدولة واحدة، تحت شعار العدالة الدولية، معتبرا أن الخطر القادم يهم ولادة جيل متطرف يريد الانتقام من القتلة، وهو ما سيشكل انفلاتا في استخدام القوة والقوة المضادة، منددا بخداع الغرب للعرب وإيهامهم بشعارات وقيم ودروس في العدالة والديمقراطية أضحت أوهاما وضحكا على الذقون.
أما عبد الله سليمان الشيخ سيديا، وزير المالية السابق في موريتانيا، فقال:”الأوروبيون كانوا دائما تراتبيين فيما يسمى بالعدالة ففي العهد الروماني مثلا، كان هناك مواطنون وغير مواطنين، حيث جرى تطبيق العدالة الدولية على الأقوياء واستثناء الغرباء”، مضيفا:” نحن نحتاج للعدالة الكونية لأننا اضعف من غيرنا من الشعوب، على الأقل كنوع من تخويف الظالم المستمر في فرض القوة وتدمير الآخر، و الوصول لعدالة دولية يستوي فيها القوي والضعيف والغني والفقير وهو أمر ليس سهلا، إذ لابد من قوة ضغط دولية قوية من الرأي العام والمجتمع المدني، على الأقل إفريقيا وعربيا ليكون لها طريق للتأثير على القرار الدولي.
وقال سيديا:”المجتمع الدولي في إطار تشكل جديد. وكل المعطيات الاقتصادية تظهر أن دول “بريكس” صار لها نصيب من الإنتاج العالمي الذي يصل إلى 40 في المائة، لكن السؤال ماذا سيكون دورنا نحن كعرب ومسلمين في ظل التحول الجديد الذي يتشكل أمام أعيننا؟ علما أنه لو كان الوضع العربي والإسلامي جيدا لما كان بمقدور أحد أن يظلمنا وهو ما علينا أن نتنبه له”.
جانب من الحضور
قلب الموازين
في غضون ذلك، اعتبر رئيس الجلسة الثالثة، أحمد علي عتيقة، عضو منتدى الفكر العربي في الأردن، أن كل عناصر الدبلوماسية من حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي انتفت لدرجة كبيرة خلال العام الذي انقضى، متسائلا:”المشكلة معروفة لكن ما هو الحل؟ و كيف يمكن للمنطقة العربية التعامل مع التحديات الجديدة التي قلبت كل الموازين رأسا على عقب؟”.
وقال عتيقة:”حينما توفر للعرب توظيف أوراق قوة استعملت بنجاعة في وقت سابق، وشكلت صدمة للقانون الدولي، حينما قرروا مجتمعين إجراءات الحظر النفطي، نجحت هاته الورقة ويمكن الحكم عليها تاريخيا بأشكال أخرى لكنها لحظة حصل فيها استخدام لإجراء كان في صالح العرب، وهناك أوراق قوة يمكن للعرب استخدامها حاليا إن هم أرادوا لقلب الموازين القوى مجددا”.
قوة اقتراحية
من جهته، تساءل محمد زيدوح، عضو مجلس المستشارين،:”ما الذي نستفيد من الدبلوماسية الدولية؟ وهل تشكل قيمة مضافة للدول أم تبقى اجتماعات دون فائدة؟”، مشيرا إلى الارتباك الحاصل في توحيد صفوف دول المغرب العربي رغم تقاسمهم للتاريخ واللغة والدين، مما يتيح إمكانية رفع النمو الاقتصادي وأن تكون قوة اقتراحية لو كان هناك مغرب عربي حقيقي يرتكز على المحبة ووحدة الفكر والاقتصاد، وهو أمر غير قابل للحدوث.
محمد زيدوح ،عضو مجلس المستشارين
وشدد زيدوح على عدم إمكانية التأسيس لدبلوماسية دولية جديدة دون إقرار عدالة كونية واحترام حقوق الإنسان والدفاع عن المستضعفين، لكون نجاحها يرتكز على المستوى الثقافي للشعوب المكونة للعالم، لإصلاح جميع الدول سواء القوية أو التي تعاني من مشاكل.
سكتة دماغية
من جانبه، سجل الأستاذ والباحث، محمد معزوز، أربع ملاحظات أساسية، تهم أولها وجود سكتة دماغية للقوانين الدولية مما جعل العالم في حيرة بخصوص جدوى حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وأدوار الدبلوماسية الجديدة، مبينا:”أصبحنا أمام مشكلة ذهنية ومعرفية، هل نناقش الأمور بمنطق ما قبل 7 أكتوبر أم بأبعاد فكرية تحدث قطيعة مع السابق، ما حدث اليوم وما ارتبط به كحصيلة للنظام العالمي وهي حصيلة ثقيلة تتصل بالأزمات والاضطرابات والحروب والأوبئة وتحولات المناخ، فالقانون الدولي لم يعد بناء قانونيا تنظيميا وإنما بناء فكري ينتصر لليبرالية الجديدة، إننا على مستوى الفكر لم ننتقل من مرحلة الوصف لمرحلة القراءة والتأويل، بل في سياق وقفة فكرية حائرة لقراءة ما يقع، وهي قراءة لا ينبغي أن تكون قانونية وإلا سنرتكب خطأ قاتلا، بل بقراءة تاريخية”.
وأضاف معزوز:”ثانيا، وفي سياق الحرب على غزة، نجد أن مفهوم العدالة وصل لأول مرة في التاريخ للحضيض، لم يعد مرتبطا بالفكر السياسي والأخلاقي بل بدلالات التحيز والتموقع المسبق. وثالثا، زعزعة الثقة في الحوار، ومعناه انهيار بديهية الحوار التي على أساسها تحدث التوافقات ويقع السلم، ثم رابعا، تسيد الحقيقة العارية التي تمثلها وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الإعلام، التي تنقل الأحداث بدون أي قيمة للإنسان وبسلب لآدميته، لتظل الخلاصة هي تشكل وعي جيلي باللاعالم الذي أصبح غير حقيقي والحقيقي فيه هو العنف، وبالتالي لا مرجع للجيل الحالي إلا بالهروب للتكنولوجيا والانفصال عن العالم الحقيقي والأخذ بالثأر والعنف أو الانبعاث الجديد نحو المقاومة”.
معزوز يطالب بالاهتمام بالتعليم إسوة بالدول الكبرى
واعتبر معزوز أن ما يحصل اليوم هو سقوط العقل وسيادة الفطرة في السيطرة على الآخر ببعد القتل والإبادة، علما أن العدالة ينبغي أن تكون مرجع الحرية لأنها إرادة إنسانية، مسجلا أنه من الصعب الحديث عن أدوار دبلوماسية اليوم لأنها انعكاس لذهنية الدولة المرتبطة بالأمن القومي، ومطالبا بإعادة النظر في أدوارها وإلا ستبقى رهينة ذهنية تقليدية مرتبطة بدبلوماسيتها.
وطالب معزوز بحتمية انتقال العالم العربي من التضخم الإيديولوجي والديني للعقل والعلم، وإلا سيدور في الحلقة المفرغة، فقوة أميركا وإسرائيل والغرب مرتبطة بالعلم والمنظومة التعليمية.
انقلاب معياري
ولفت الكاتب والإستاد الجامعي الموريتاني، عبد الله السيد ولد اباه، إلى حدوث انقلاب داخل منظومة القيم والقوى والشرعية اللتان ترسمان الإطار الأوسع للجدل حول العدالة والديمقراطية.
وقال ولد اباه:”الانقلاب الأول، يهم ما يجري الآن من مفارقة غريبة، فقبل عقود كانت الدول القوية تصدر لنا قيم التنوير، وحقوق الإنسان والحداثة واليوم أصبح الجنوب المصدر والحاضن لهاته القيم، هو انقلاب معياري داخل منظومة القيم وهو تحول كبير لا يمكن اختزاله في اللعبة السياسية الدولية بل له جوانب تتعلق بالتركيبة السياسية داخل هاته البلدان، هو انقلاب مهم وسيكون له مستقبل كبير خاصة في ظل موقف الغرب المساند للعدوان الإسرائيلي، فيما يشمل الانقلاب الثاني، علاقة الشرعية بالقوة، كإشكالية انطلقت منها الحداثة السياسية.
الكاتب الموريتاني عبد الله ولد اباه
وخلص متسائلا:” هل العالم اليوم يمتلك أدوات قانونية ومعيارية تكفل السلم العالمي؟ بسقوط الدول العظمى في ورطة كبرى، من خلال إعطائها الضوء الأخضر للعدوان على حقوق الإنسان والسكوت عن انتهاكها باسم الحرب المشروعة للدفاع عن النفس؟”.