مثقفون: المغاربة فلسطينيون بالفطرة..والسياسات العربية خانت القضية
بلقزيز: عروبة فلسطين أساس وجودها قبل ظهور المتطاولين

أجمع مثقفون مغاربة على أهمية دور الإبداع في التعريف بالقضية الفلسطينية ومناصرتها، لاسيما أنها تظل حاضرة دوما في المخيال الأدبي والإنتاج الثقافي العربي، وبالتالي وقوفها في وجه سياسات المحو التي تتعرض لها من طرف إسرائيل ومن يدعمها من القوى الغربية، وذلك في ندوة جرى تنظيمها، مساء أمس الثلاثاء، على هامش المعرض الدولي للكتاب في دورته ال30، بالرباط، بعنوان:”الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسات المحو”.
تعتيم ممنهج
وتساءل الشاعر والإعلامي، ياسين عدنان، عن إمكانية ممارسة الإبداع لتأثير في ظل الهجوم الشرس والكبير ليس فقط للآلة العسكرية الإسرائيلية، ولكن للسردية الصهيونية المسنودة بإعلام غربي متوحش وبرمجة دولية تحرص على عدم ترسيب الصوت الفلسطيني للشقوق الصغيرة.
وأشار عدنان لتعدد المقاومات بتعدد مجالاتها، مسجلا ضرورة الاستثمار في الإنتاج الأدبي للوقوف ضد قتل الإنسان والشجر والحجر، متسائلا أيضا عن كيفية إعادة الثقة فيما يقدمه الإبداع للقضية الفلسطينية، خاصة أن الإبداع الفلسفي يبقى حاضرا في قلب التحولات بالعالم العربي، حيث لم يعد الأدب محصورا في الهوية الفلسطينية الطبيعية، ففلسطين ليست حكرا على المنطقة لوحدها، إذ صار الاشتغال بها إبداعيا كجزء من تبني المغرب والعرب للقضية الفلسطينية.
وقال عدنان:”المغاربة فلسطينيون بالفطرة والبداهة، نحن في المغرب مصدومون ممن يقول”كلنا إسرائيليون”، أو”تازة قبل غزة”، لم نعد في سياق خطاب منسجم، مقابل غرب توحد على أن يقتل أفق فلسطين ويساهم في التعتيم الممنهج على القضية الفلسطينية التي تمثل اختبارا للضمير الإنساني اليوم”.
“الصبر المقاوم”
من جهته، أبرز الشاعر محمد بنيس، الاختراق الذي قام به الفلسطينيون عالميا بالمقاومة، تحديدا في 7 أكتوبر، حيث أصبح اسم فلسطين حاضرا في العالم بعد أن تم التآمر على اسمها عقب حذفه نهائيا من محرك”غوغل” للبحث، جراء السياسات الإسرائيلية والمتحالفين والمتواطئين.
وأضاف بنيس:”هي لحظة بروز مقاومة نوعية في تاريخ النظام الفلسطيني، الإبداع الفلسفي يطرح علينا أسئلة، تحيلنا على الجانب التاريخي، علما أن أكبر مكسب حققه الأدب الفلسطيني هو الهوية الفلسطينية، كما أن أكبر مشكل كان يعيشه الفلسطينيون بعد ظهور الفكرة الصهيونية هو أنها أي (فلسطين) كانت جزءا من الدولة العثمانية، وأن النخب الفلسطينية آنذاك كانت تعتبر الدولة العثمانية المصدر الأول للدفاع ومواجهة الصهيونية حينها.
وسجل بنيس ظهور جيل جديد من الرواد قبل النكسة مباشرة، منهم محمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وغسان كنفاني، مما شكلوا دفعة قوية مع صوت إدوارد سعيد الذي رفع اسم فلسطين إلى أعالي العالم رفقة درويش، متسائلا:”إلى أي حد يمكن للإبداعية الفلسطينية أن تستمر ولو بشكل مغاير؟ وكيف يمكن عربيا وخارجيا الانتباه إلى أهمية هاته الإبداعية في ارتباط بالقضية لفهمها والتعاطف معها والقدرة على التفاعل لتكون كلمتنا أبعد مما نتخيل، وهو ما يفرض صبرا كبيرا، وهو”الصبر المقاوم”.
واعتبر بنيس أن الأمر يحتاج لمرحلة أخرى وفكر جديد، مبينا:”قبل 7 أكتوبر، كنا نخاف أن تغيب القضية من الخطاب العالمي، لتعود في مركزه، بما لا يترافق مع الحركة الإبداعية كما كانت في السبعينات والثمانينات.
سؤال سياسي وجودي
من جانبه، شدد المفكر عبد الإله بلقزيز، على أن القضية الفلسطينية ظلت وستبقى سؤالا سياسيا وجوديا وثقافيا، خاصة أن الغالب الأعم من التحولات السياسية الكبرى في القرن العشرين اقترنت بفلسطين، فكانت رافعة تاريخية للنهوض السياسي العربي، كما أن السياسة الثقافية العربية خرجت من مجهر فلسطيني، فالقضية كانت درجة لقياس الاقتدار في الخطاب السياسي العربي، لتكون وتستمر منوالا ثقافيا وحاضرة للتفكير في قضايا المجتمع الإنساني، فالثقافة الفلسطينية اليوم هي مرجعية للثقافة العربية، واللحظات الثقافية العربية بدأت فلسطينيا، من خلال كوكبة من المبدعين والمثقفين والموسيقيين وصناع الكاريكاتير.
وزاد مبينا:”الثقافة الفلسطينية لم تكن مرجعا لأنها ثقافة مقاومة فقط، هي اشتبكت مع واقع الصهيونية وسياسة المحو وتبديد الشخصية والهوية الوطنية الفلسطينية، إذ استطاعت أن تقترح على القريحة العربية المعاصرة مستويات استثنائية من الجمالية، لتقاوم سياسة المحو الصهيوني وتقدم أرفع خطاب إبداعي للثقافة العربية برمتها”.
وأكد بلقزيز وجود تمييز بين غرب سياسي وآخر ثقافي، لكنها قسمة لم تعد صالحة للاستخدام، فعروبة فلسطين تعد الرد الأمثل على المشروع الصهيوني الذي يهدف لاقتلاع إمبريالي، في سياق عروبة قدست لعقود في العالم العربي إلى أن ظهر المتطاولون عليها، لافتا إلى أن السياسات العربية خانت عروبة فلسطين، لكن الثقافة العربية ما زالت متمسكة بها، فهي حاضرة في الرواية والنقد والشعر، وهو دليل على انتمائها للمرجعية العربية والوطن العربي.