معرض الكتاب…باحثون يستعرضون إكراهات توثيق ثقافة الرحل في المغرب والإمارات
الحيسن: حان الوقت للانخراط في الوسائط العصرية وتجاوز التدوين

تناول باحثون وشعراء القواسم الثقافية والتراثية المشتركة التي تميز رحل الصحراء في كل من المغرب والإمارات، من حيث العادات اليومية ونمط العيش إلى جانب الموسيقى والمشغولات اليدوية والإبداعات الأدبية، وغيرها من المكونات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية التي تعتمد على الذاكرة الشفهية باعتبارها آلية إنسانية لحفظ هاته الموروثات، مع المراهنة على الرقمنة والتوثيق الإلكتروني، وذلك خلال ندوة بعنوان:”ثقافة الرحل: إكراهات التوثيق ورهانات الرقمنة (تجربة المغرب والإمارات)”، مساء الثلاثاء، على هامش المعرض الدولي للكتاب والنشر الذي تحتضنه العاصمة الرباط.
قواسم مشتركة
وقالت الباحثة والأكاديمية المغربية، العالية ماء العينين، إن علاقة الإنسان بالهوية ترتبط بطبيعة المكان الذي ينتمي إليه، بوجود قواسم مشتركة تجعل لهم هوية خاصة، مسجلة أن ثقافة البدو الرحل ارتبطت بلامحدودية الفضاء الصحراوي، مما يجعلهم يتوقون للعودة إلى الصحراء، وهو ما يحمل مخاوف من ضياع ما هو فكري من موروث وفكر خاصة في ظل عصر العولمة الحالي والخوف من الذوبان ونسيان الأصل والهوية، مع تحديات العصرنة والمدينة.
في غضون ذلك، ثمنت ماء العينين تنظيم جائزة الحسن الثاني للمخطوطات والتفاعل معها، خاصة أنها تقوم بنسخ الأعمال المقدمة ورقنتها وترجمتها وإعادة لأصحابها، مطالبة بضرورة البحث عن وسائل ناجعة لتوثيق التراث المتعلق بثقافة الرحل للحفاظ عليه للأجيال اللاحقة.
التراث الشفهي
من جهته، أبرز الباحث والأكاديمي الموريتاني، مني بونعامة، سعي ثقافة الرحل بالمجتمعات العربية عن البحث عن السهوب والوديان والتلال من أجل الانتجاع، علما أن الأمر يهم طابعا حياتيا، فثقافة الرحل كانت ميسما للمجتمعات العربية قبل وبعد الإسلام، وإن خف الترحال في بعض المناطق.
وأضاف بونعامة:”ثقافة الرحل تقودنا إلى التراث الشفهي، بوجود مجتمعات اعتادت على التنقل الشفهي، بتسجيل ممارسات حياتية يرويها الرواة عبر الأجيال، لافتا إلى أن طابع البيئة الأساسي في المجتمع الإماراتي مرتبط بالترحال، والخطاب الشفوي المرهون عموما بالراوي، لكن الأمر غير فعال، فالراوي قد ينسى أو يغفل أشياء معينة، وقد يزيد أو ينتقص منها، كما أن من يختزنون هاته المعلومات قد يبدون بعدد أقل، والبحث عنهم يتطلب مجهودا كبيرا”، مسجلا قيام معهد الشارقة للتراث بالاشتغال على جمع العناصر التراثية والفنون بهدف حماية الكنوز البشرية والعادات والتقاليد الخاصة بالرحل.
رحلة المقيض
بدورها، أشارت الأكاديمية والناقدة والشاعرة الإماراتية، عائشة الشامسي، إلى كون الإمارات تمثل مكانا رئيسيا للرحلات، وهو ما يبدو بشكل جلي من خلال “رحلة المقيض”، المشتقة من القيظ، أي الحرارة، حيث كان المواطنون يقصدون الواحات بحثا عن الاستجمام بعيدا عن الحر، وهي الرحلة التي أنتجت معها الموسيقى والشعر والحكايات ومختلف الفنون، إذ كانت بمثابة موسم ثقافي، يتم التحضير له في شهر ماي، بتنظيم رحلات طويلة عبر الجمال، وهو ما منح الفرصة والوقت لنظم الشعر، و”الونة” التي تشبه الموال.
وزادت مبينة:”ما زلنا نفتقد للتوثيق فيما يخص رحلة القيظ”، بوجود دارسين نقلوا بعض المغالطات في توثيق الشعر الشعبي وربطه بنشوء دولة الإمارات سنة 1971، والحال أنه ظهر قبل هذا التاريخ”، مؤكدة اهتمام الإمارات بثقافة الرحل لأنها تمثل جزءا مهما من التراث، و من هنا بدأ التوثيق بالنموذج، عن طريق”الخراريف”، وهي الحكايات الشعبية، ثم الترجمة، كناقل مهم للمعارف، ثم تظافر المؤسسات في الدولة.
إكراهات ورهانات
أما الناقد والفنان التشكيلي، ابراهيم الحيسن، فاعتبر أن الرحل يمثلان إشكاليتين، تشملان الإكراهات مقابل الرهانات، مشددا على تقاطع في الجانب التراثي والإبداعي في المغرب والإمارات، خاصة على مستوى إمارة الشارقة، التي تولي اهتماما بالغا في النهوض بالتراث على مستوى الإنجازات الفردية والمؤسساتية.
في سياق متصل، ذكر الحيسن أن رقمنة التراث تعد أمرا أساسيا جدا، مبينا:”حان الوقت لتجاوز سنوات التدوين لمواكبة العصر، وبالتالي الانخراط في الوسائط التكنولوجية العصرية بالصوت والصورة، علما أن الإمارات سباقة عربيا من خلال مؤسسة الشارقة للتراث فيما يتعلق بإرث الإبل، وهو ما يجعلها حاضرة بشكل سنوي في موسم طانطان الثقافي في المغرب.
ودعا الحيسن إلى الاقتداء بتجارب المتاحف الإثنوغرافية التي تركز على عدد من الأدوات منها الأسلحة والأواني والألعاب الشعبية وغيرها، مع تعزيز البلدان العربية بمتاحف أثرية لحماية وصيانة جانب من ثقافة البدو الرحل، في إطار استراتيجية متكاملة تتضافر فيها كل الجهود للمرور من التوثيق البسيط إلى الأعمق بالصوت والصورة، مع التركيز على المصاحبة خاصة بالنسبة للحرف.