العاهل المغربي يدعو القوى الحية للانخراط في إنجاح المرحلة الجديدة بالبلاد

عبد الله التيجاني

الرباط : دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس القوى الحية في البلاد للانخراط في المرحلة الجديدة التي حدد مقوماتها في خطاب العرش الأخير. وقال في خطاب ألقاه اليوم الجمعة في البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة “إن المرحلة الجديدة تبدأ من الآن، وتتطلب انخراط الجميع، بالمزيد من الثقة والتعاون ، والوحدة والتعبئة واليقظة، بعيدا عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات”، مشيرا إلى أن تطبيق الإصلاحات، ومتابعة القرارات، وتنفيذ المشاريع، تأتي في صدارة أولويات هذه المرحلة الجديدة.
وحث العاهل المغربي البرلمانيين على إدراج السنة التشريعية الجديدة في هذا الإطار، وجعلها ” تتميز بروح المسؤولية والعمل الجاد”، مشيرا إلى أنها تأتي في منتصف ولاية البرلمان، وبذلك، فهي بعيدة عن فترة الخلافات، التي تطبع عادة الانتخابات.
وأضاف قائلا “لذا، ينبغي استثمارها في النهوض بالأمانة التي تتحملونها، بتكليف من المواطنين، والتنافس الإيجابي على خدمة مصالحهم، والدفاع عن قضايا الوطن”.
وبخصوص مقومات المرحلة الجديدة ، قال العاهل المغربي “اذا كنا قد ركزنا على أهم التحديات و الرهانات الاقتصادية والتنموية، لهذه المرحلة، فإن الطبقة السياسية، حكومة وبرلمانا و أحزابا سياسية، بصفة خاصة، مسؤولون، عن توفير شروط النجاح لها”.
وخص العاهل المغربي القطاع الخاص والمجتمع المدني بإشارة خاصة في خطابه، داعيا إياهم للانخراط في ديناميكية المرحلة الجديدة، موضحا أن متطلبات هذه المرحلة، وعلى رأسها تطبيق الإصلاحات ومتابعة القرارات وتنفيذ المشاريع، تعد “من اختصاص الجهازين التنفيذي والتشريعي، بالدرجة الأولى، ولكنها أيضا مسؤولية القطاع الخاص، لاسيما في ما يتعلق بالتمويل، فضلا عن الدور المهم لهيآت المجتمع المدني الجادة”.
وقال الملك محمد السادس ان الحكومة مطالبة بوضع مخططات مضبوطة، تضمن التحضير الجيد، والتنفيذ الدقيق، والتتبع المستمر، لمختلف القرارات و المشاريع، سواء على المستوى الوطني، أو الجهوي أو المحلي. وبما أن الإدارة موضوعة تحت تصرفها، فإن عليها أن توظف كل الوسائل، لا سيما المعطيات الإحصائية، والآليات المتعلقة بالتفتيش و المراقبة، بما يضمن النجاعة في تنفيذ القرارات، في إطار الشفافية والتعاون والانسجام، بين مختلف المتدخلين. ولا مجال هنا للتهرب من المسؤولية، في ظل التطبيق الصارم، لربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وبخصوص البرلمان، أشار العاهل المغربي إلى أن الدستور منحه صلاحيات واسعة، في مجال التشريع، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية. وقال موجها كلامه للبرلمانيين “انتم حضرات البرلمانيين والبرلمانيات، مسؤولون على جودة القوانين، التي تؤطر تنفيذ المشاريع والقرارات، على أرض الواقع، وجعلها تعكس نبض المجتمع، وتلبي تطلعات وانشغالات المواطنين . كما أنكم مسؤولون على متابعة ما تقوم به الحكومة، في كل ما يخص تدبير الشأن العام، في مختلف المجالات، و مراعاة مدى استجابته للانشغالات الحقيقية للمواطنين”.
وشدد العاهل المغربي على ضرورة توفير شروط تنفيذ المشاريع التنموية بنجاعة وفعالية وتفادي مصادر تعثرها وفشلها. وقال “مهما بلغ صواب القرارات المتخذة ، وجودة المشاريع المبرمجة ، فإن تنفيذها يبقى رهينا بتوفر الموارد الكافية لتمويلها. لذا، ما فتئت أشدد على ضرورة الإعداد الجيد، لمختلف البرامج والمشاريع، وخاصة التمويل وتصفية وضعية العقار”.
ووجه العاهل المغربي انتقادات للقطاع البنكي والمالي المغربي ، مبرزا نقاط ضعفه وقوته، ودعاه للعب دوره كاملا في المرحلة الجديدة التي دخلها المغرب.
في سياق ذلك ، فال العاهل المغربي “من المعروف أن جهود الدولة وحدها لا تكفي في هذا المجال. و هو ما يقتضي انخراط القطاع الخاص في عملية التنمية. وأخص بالذكر هنا القطاع البنكي والمالي، الذي نعتبره حجر الزاوية، في كل عمل تنموي”، مشيرا إلى أن تطبيق ومواكبة المشاريع والقرارات “لا يقتصر فقط على توقيع العقود والاتفاقيات على الأوراق؛ وإنما هو عقد أخلاقي، قبل كل شيء، مصدره العقل والضمير ، والمسؤولية المشتركة بين جميع الفاعلين المعنيين، وعلى كل طرف الوفاء بالتزاماته، والقيام بواجباته”.
وأضاف “هذا العقد لا يهم مؤسسات الدولة والمنتخبين فقط، وإنما يشمل أيضا القطاع الخاص، لاسيما مؤسسات التمويل، والقطاع البنكي”.
وأشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب يتوفر على قطاع بنكي “يتميز بالقوة و الدينامية والمهنية، ويساهم في دعم صمود وتطور الاقتصاد الوطني. ويخضع النظام المالي المغربي لمراقبة مضبوطة، تختص بها هيآت وطنية مستقلة، ذات كفاءة عالية. وهو ما يعزز الثقة والمصداقية، التي يحظى بها القطاع البنكي، وطنيا وخارجيا”. وأضاف أن القطاع البنكي المغربي ” بلغ درجة من التقدم، مكنته من الاستثمار في عدد من الدول الأجنبية، وخاصة بإفريقيا. ورغم ذلك، فإنه لايزال يعطي أحيانا، انطباعا سلبيا، لعدد من الفئات، و كأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون. وهو ما يتجلى مثلا، في صعوبة ولوج المقاولين الشباب للقروض، وضعف مواكبة الخريجين، وإنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة”.
وتابع العاهل المغربي قائلا “أعرف جيدا أنه من الصعب تغيير بعض العقليات البنكية؛ كما سبق أن أكدت على ضرورة تغيير العقليات الإدارية، ووضع حد لبعض التصرفات، التي تعيق التنمية والاستثمار. لذا، نحث القطاع البنكي الوطني على المزيد من الالتزام ، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية، التي تعيشها بلادنا، لاسيما تمويل الاستثمار، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل و الدخل” .
ودعا البنوك ، إضافة إلى الدعم والتمويل الذي توفره للمقاولات الكبرى، الى تعزيز دورها التنموي، وخاصة من خلال تبسيط وتسهيل عملية الولوج للقروض، والانفتاح أكثر على أصحاب المقاولات الذاتية، وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة.
ولهذه الغاية، يقول ملك المغرب، نوجه الحكومة وبنك المغرب، للتنسيق مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب، قصد العمل على وضع برنامج خاص بدعم الخريجين الشباب، وتمويل المشاريع الصغرى للتشغيل الذاتي. وذلك على غرار التجارب الناجحة، التي قامت بها عدة مؤسسات، في مجال تمويل المشاريع، التي يحملها الشباب، وتسهيل إدماجهم المهني والاجتماعي. وهو ما كانت له نتائج إيجابية عليهم، وعلى أسرهم، وعلى المجتمع”.
وأضاف العاهل المغربي قائلا “وإننا نتطلع أن يقوم هذا المخطط، الذي سأتابع مع الحكومة وكل المنخرطين فيه، مختلف مراحله، على التوجهات التالية:
• أولا: تمكين أكبر عدد من الشباب المؤهل، حاملي المشاريع، المنتمين لمختلف الفئات الاجتماعية، من الحصول على قروض بنكية، لإطلاق مشاريعهم، وتقديم الدعم لهم، لضمان أكبر نسبة من النجاح؛
• ثانيا: دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، العاملة في مجال التصدير، وخاصة نحو إفريقيا، والاستفادة من القيمة المضافة، للاقتصاد الوطني.
• ثالثا : تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية، والاستفادة من فرص الاندماج المهني والاقتصادي، خاصة بالنسبة للعاملين في القطاع غير المنظم”.
وأشار إلى أنه “لا داعي للتذكير بأن الرواج الاقتصادي، يمر بالخصوص عبر تطوير العمليات البنكية. وأود أن أشيد هنا، بالنتائج التي تحققت في هذا المجال، خلال العقدين الأخيرين، حيث ارتفع عدد المواطنين، الذين فتحوا حسابا بنكيا، ثلاث مرات. وهو ما يتطلب من البنوك مواصلة الجهود، باستثمار التكنولوجيات الحديثة، والابتكارات المالية، من أجل توسيع قاعدة المغاربة، الذين يلجون للخدمات المصرفية والتمويلية، بما يخدم مصالح الطرفين، بشكل متوازن ومنصف، ويساهم في عملية التنمية”.
وقال العاهل المغربي “غير أن هذا المخطط لن يحقق أهدافه، إلا بالانخراط الإيجابي للمواطنين، وتحمل مسؤولياتهم، والوفاء بالتزاماتهم، بخصوص القروض التي استفادوا منها. كما أن مؤسسات وآليات الضبط والمراقبة المالية، مطالبة بتتبع مختلف العمليات، والسهر على إقامة علاقة متوازنة تطبعها الثقة، بين هيآت التمويل، وأصحاب القروض. ولا يفوتني هنا، أن أذكر بالمسؤولية الاجتماعية للمقاولة المالية، وبضرورة مساهمتها في المبادرات الإيجابية، سواء على الصعيد الاجتماعي والإنساني، أو في مجال الحفاظ على البيئة، والنهوض بالتنمية المستدامة”.
وأشار الملك محمد السادس إلى أن “بناء مغرب التقدم والتنمية، والتجاوب مع انشغالات وتطلعات المواطنين، يتطلب تضافر وتكامل جهود الجميع. ومن هذا المنبر، أدعو المؤسسة التشريعية، التي تمثلونها، والجهاز التنفيذي، وكذا القطاع الخاص، ولاسيما القطاع البنكي، للانخراط في هذا المجهود الوطني التنموي، والمساهمة في إنجاح المرحلة الجديدة، التي ندخلها. فكونوا رعاكم الله، في مستوى ما تقتضيه هذه المرحلة من مسؤولية والتزام، وتغليب للمصلحة العليا، لما فيه خير البلاد والعباد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى