بعد اختفائها.. وزارة الاتصال على محك استحقاقات صادمة
في إحدى زيارات الممثل المصري يحيى الفخراني إلى المغرب، وهو يتجول في الرباط، رفقة وزير الداخلية الأسبق الراحل ادريس البصري، فوجئ بالجمع في وزارة واحدة بين قطاعي الداخلية والإعلام، ما دفعه إلى التعليق بتندر قائلا “إزاي؟..دول ما بيمشوش مع بعض”.
كان ذلك في الفترة ما بين عام 1985 و1995، حينما أسندت مهام وزارة الداخلية والإعلام إلى إدريس البصري في حكومة محمد كريم العمراني، قبل أن يتم الفصل بينهما سنة 1995، وإحداث وزارة الاتصال لأول مرة بهذا الاسم.
جدل استجد مع الاعتماد في هندسة حكومة سعد الدين العثماني، إثر التعديل الذي طرأ عليها، بإلغاء وزارة الاتصال من الحقائب الوزارية التي تتوفر عليها، ودفع المتتبعين إلى التساؤل عن مصير الشؤون العمومية التي كانت تشرف الوزارة على إدارتها، في حين أثيرت تساؤلات بخصوص آثار هذا التغيير على الجهاز الوظيفي الذي كان ينتمي إليها.
وذكرت مصادر حكومية أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، سيعمل على نقل اختصاصات هذا القطاع إلى وزارات أخرى، من خلال إصدار مرسوم حكومي يُلحق مديرية الاتصال بقطاع الثقافة، ويسند مهام الدعم العمومي للمقاولات الصحافية لوزير الاقتصاد والمالية، كما ستضطلع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بحسب المصادر ذاتها بمنح بطاقات الصحافة لمراسلي المؤسسات الأجنبية المعتمدة داخل المغرب، أما وزارة الداخلية فستتكلف بمراقبة المنشورات الأجنبية حول المغرب. في حين سيتم نقل موظفي القطاع إلى هذه القطاعات الوزارية تبعا لاختصاصاتهم.
ومن جهتها عبرت المنظمة الديمقراطية للصحافة والإعلام والاتصال عن استغرابها من حذف هذا القطاع الوزاري خلال اجتماع عقدته عقب الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة، مؤكدة على رفضها التام لهذه المقاربة، التي اعتبرتها في بلاغ صادر عنها “تبخيسية للقطاع وأهله”.
وفي حين أدانت المنظمة “غياب أي توضيح لمآل موظفي وأعوان هذا القطاع”، أكد مصدر مطلع من داخل الوزارة الملغاة لـ”صحراء ميديا المغرب” أن “موظفي القطاع هم الآن أشباح لقوة الواقع”، مشيرا إلى “استنكار الجسم الوظيفي للوزارة للطريقة التي تم اتباعها لاتخاذ القرار” ولافتا الانتباه إلى أنه “بالرغم من أن الامر لا يتعلق بطرد للموظفين من مناصبهم، حيث أن كل واحد منهم لديه رقم تأجير وستجد له الحكومة مهاما في أي قطاع وزاري آخر، لكن هذا الأمر ينطوي على تجاهل واستخاف حكومي بالجوانب النفسية للموظف، فكيف يعقل أن يتم إلحاقه بمهام جديدة لا يعرف عنها شيئا بعدما قضى سنوات من عمره في القيام بمهام اختارها بمحض إدراته، وتم قبوله لآدائها بناء على كفاءاته ومؤهلاته”.
وأضاف المصدر ذاته أن “القرار تم اتخاذه بشكل مرتجل، ولم يتم الانتباه حتى إلى المديريات الجهوية التابعة للوزارة، وكأن الأمر يتعلق فقط بتغيير اسم الوزارة المكتوب على واجهة مقرها المركزي” متسائلا عن “الصيغة التي سيتم اعتمادها لتغيير الأنظمة الأساسية للمؤسسات التابعة للوزارة مثل المعهد العالي للإعلام والاتصال، والمعهد العالي للمهن السمعية البصرية والسينما، ووكالة المغرب العربي للأنباء”، مضيفا أن “ثمة عدة قوانين قد وصلت داخل البرلمان لمرحلة القراءة الثانية وهي تحمل اسم وزارة الاتصال، وكان يجب التفكير في الصيغة التي ينبغي التعامل وفقا لها مع هذه القوانين قبل الإقدام على إلغاء الوزارة”.
وختم المصدر ذاته بالإشارة إلى أن “الكثير من الموظفين مرتبط بجميعة الأعمال الاجتماعية، وهي جمعية تتابع الشؤون الاجتماعية لهذه الفئة العاملة في هذا القطاع”، متسائلا عن “الكيفية التي ستتعامل بها هذه الجمعية بعد الآن مع جسم وظيفي مشتت على قطاعات وزارية مختلفة، وكثير منهم مدين بقروض للجمعية، وقسم آخر يطالبها بخدمات معينة”.
وفي حين تتعالى أصوات منذ مدة طويلة مطالبة بحدف هذا القطاع، معتبرة أن الحياة السياسية الديمقراطية تفترض رفع جميع أكال الوصاية الحكومية على الإعلام، تندد جهات حقوقية ونقابية مختلفة بالأثمان الاجتماعية والمؤسساتية الناجمة عن قرار الحذف هذا، خصوصا في ظل الارتجالية والتسرع الذين طبعا طريقة اتخاذه.
جدير بالذكر أن الوزارة الملغاة كان قد تم إحداثها في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال سنة 1955، حكومة البكاي بن مبارك، وحملت اسم “كتابة الدولة للأنباء”، وبقيت بهذا الاسم منذ أن أسندت مهامها في ظل هذه الحكومة لعبد الله إبراهيم، إلى أن تم تغييره إلى اسم “وزارة الإعلام”، غير أنها بقيت أحيانا تكون قطاعا ضمن وزارة السياحة في حكومة أحمد باحنيني، أو يتم دمجها مع الشباب والرياضة في حكومة المعطي بوعبيد. وبعد فصلها عن الداخلية عام تحمل مسؤوليتها إدريس العلوي المدغري، باسم “وزارة الاتصال” مضافا إليها مهام الناطق الرسمي باسم الحكومة، وبقيت على هذا الإسم تارة تدمج مع وزارة الثقافة وتارة تفصل عنها إلى أن تم إلغاؤها تماما.