حينما كان المغاربة يخلدون ذكرى المولد النبوي في أسماء أبنائهم

قصة اسم "ميلود" بين مغرب الأمس واليوم

مع حلول ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي من كل سنة، تعود الكثير من مظاهر الفرح التي اعتاد المغاربة إتيانها منذ قرون، إحتفالا بهذه المناسبة، ومعها تعود الكثير من الأسئلة ووجهات النظر المتباينة حول الحكم الشرعي الفقهي بخصوص هذا الاحتفال تارة، أو حول السياق التاريخي لاختيار المغاربة الاحتفال بهذه الذكرى، إلى حد اعتبارها عيدا بالرغم من إصرار وجهات نظر سلفية على رفض ذلك.

غير أن المغاربة ما يزالون محتفظين بمظاهر الاحتفال بهذه المناسبة، سواء من حيث تبادل الزيارات في هذا اليوم، أو من خلال بعض الأنشطة مثل موكب الشموع في سلا، فضلا عن احتفاليات “الميلودية” التي تحرص الزوايا من كل سنة على إقامتها، لقراءة القرآن والذكر وإنشاد قصائد المدح النبي مثل البردة الهمزية.

“صحراء ميديا المغرب” سعت إلى البحث عن بعض مظاهر الاحتفال التي اختفت، ولم يعد المغاربة يقومون بها، سواء للأسباب الدينية التي تمنع البعض من الاحتفال بمناسبة لا يعتبرونها عيدا، بالرغم من أنها ذكرى مولد النبي محمد عليه السلام، أو لأن نمط الحياة العصري لم يعد يسمح بها، وفي مقدمتها تسمية الأطفال الذين يولدون في هذه الفترة باسم “ميلود” أو “مولود” في بعض مناطق المغرب وكذلك في الصحراء المغربية.

تسميات “مبروكة”

“ميلود” يستعيد كل عام في مثل هذه الأيام ذكريات طفولته الأولى، سماه والداه هكذا تيمُّنا بمولده في ذكرى المولد النبوي، فقد كان المغاربة من أبناء جيله يسمَّوْن غالبا بأسماء مستوحاة من الفترة أو اليوم الذي يرون فيه نور العالم، خصوصا إذا كان ذلك المولد في يوم مثل يوم المولد النبوي.

يفتح “ميلود” الذي قارب الثمانين من العمر، قلبه لـ”صحراء ميديا المغرب” متحدثا عن أخته الكبرى التي توفيت قبل سنوات، كانت تسمى “كبُّورة” لأنها بدورها ولدت في عيد الأضحى أو “لْعيد لْكبير” بالعامية المغربية، مستدركا بالقول “كان أباؤنا يقدرون كثيرا بركة مثل هذه الأيام، ويصرون على استحضارها فينا من خلال تسميتنا بهذه الأسماء”.

“باروك” الآباء بعد الرحيل

سعيد رجل تعليم يبلغ من العمر خمسين عاما، بالرغم منذ رحيل والده “الحاج ميلود” قبل ما يزيد عن العشر سنوات، ما يزال حريصا هو وأخواه عزيز وعلي على إقامة احتفالات الميلودية كل سنة في بيت والدهم القديم، كان والدهم شيخا في الزاوية التيجانية، ومايزال أقرانه “السي العربي” و”با عبدالسلام” وغيرهم يهرعون كل سنة إلى بيته من أجل هذه الاحتفالات.

يحكي سعيد لـ”صحراء ميديا المغرب” عن والده الذي سمي باسم “ميلود” لأنه بدوره وُلد في أيام ذكرى المولد النبوي، وكان الناس حينئد يُسمُّون أبناءهم بهذا الاسم إذا وُلدوا في ذلك اليوم أو قُبيْله أو بُعيده، مضيفا أنه وحتى بعد موته أراد الأبناء الحفاظ على عاداته، حيث كان يواضب على استقبال الناس في احتفالات “الميلودية” ويُقيم الولائم وتُتلى الآيات القرآنية وتُقرأ الأذكار وقصائد البردة والهمزية.

سعيد وأمثاله من الأبناء الذين يصرون على حفظ “باروك” الآباء من الضياع، دون أن يخفينا أنه لا يمكنه بالرغم من ذلك أن يسمي أحد أبنائه باسم “ميلود” إو “مولود” أو “عبد الكبير” أو “كبور” حتى لو ولدوا في مناسبات ذات صلة، صامتا لبرهة من الزمن، ومردفا القول أن “تلك الأسماء من بركات الأجداد والآباء، نحن نتبرك بها، لكن أبناءنا لن يكونوا راضين عنها حيال أقرانهم، فالآباء أصبحوا أكثر ميلا نحو أسماء لم تكن معهودة من قبل، أو تم تجديدها بطريقة أخرى”.

عصر لم يعد يسمح

“أنا أحب إحياء ذكرى عيد المولد النبوي، لكن لا يمكنني أن أسمي ابنتي باسم “الميلودية” بالرغم من أنها ولدت قبل سنتين في مثل هذا الأيام”. هكذا قالت “نادية” السيدة ذات الربيع الثالث من العمر لـ”صحراء ميديا المغرب”، منبهة إلى أن الكثير من الأسماء القديمة يتم تجديدها بطرق أخرى. “أختي اسمها “كبيرة” وهو تطوير لاسم “كبورة”، فضلا عن أنها لم تولد في أيام “لْعيد لْكبير”، تضيف السيدة نادية.

عن الأسباب والخلفيات

يقف الكثير من المغاربة على مفترق الطرق اتجاه الاحتفال بذكرى المولد النبوي أو عدم الاحتفال، أو الاحتفال دون المضي قدما في اتجاه تخليد ذكراه في أسماء أبنائهم، كما كان الشأن في الماضي، فيما يستحب الكثيرون تجديد أسماء قديمة أو استعمالها على صورتها الأصلية، وسط جدل حول إحياء أسماء أمازيغية قديمة بدأت السلطات تسمح ببعضها ضمن قوائمها الرسمية للأسماء الموجهة لضباط الحالة المدنية.

ويرى باحثون ومتتبعون للتحولات السوسيولوجية في المجتمع المغربي أن مفهوم “البركة” قد أخذ صيغا وقوالب جديدة، بحيث باتت الأضداد تتساكن وتتجاور، كأن يعتبر قسم من الناس المولد النبوي ذكرى وليس عيدا، ويحتفلون به في نطاق محدود، وفي الآن نفسه لا يخلدونه في واقع اجتماعي ذا صلة بأسماء أبنائهم، وكل هذا تزامنا مع التبرك بكل ما دأب الأجداد والآباء على فعله.

محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الفكر الإسلامي، قال في تصريح لـ”صحراء ميديا المغرب” حول الموضوع، إن  “جميع مظاهر الاحتفال بعيد المولد النبوي  أثارت جدلا كبيرا وواسعا في العقود الأخيرة، وذلك بسبب دخول السلفية الوهابية على الخط، وقبل هذا كانت المجتمعات الإسلامية سواء في المشرق أو في المغرب تحتفل بهذه المناسبة بسلاسة وبدون أي إشكالات تذكر”، في إشارة إلى إصرار المنتمين إلى هذه التيارات على تسمية أبنائهم بأسماء الصحابة والتابعين، مع رفضهم تسميتهم بأسماء ذات بعد ثقافي مثل تسمية “ميلود” لأنهم يرفضون التبرك بالمناسبة أصلا.

الباحث المعروف باسم “أبي حفص” أكد بأن “المغاربة يحتفلون بذكرى المولد النبوي لعمق الارتباط بين المجتمع وبين النبي عليه الصلاة والسلام، منذ أن دخل الإسلام إلى هذه المنطقة، وطبعا اتخاذ المغاربة للمذهب المالكي كاختيار، هو أيضا مما ساعد على هذا الأمر، لأن المذهب المالكي من أوسع المذاهب في هذا الباب؛ باب البدع الحسنة”، مشيرا إلى أن الكثير من الأشياء التي يقوم بها المغاربة والتي تدخل ضمن مفهوم “البركة” “لم تكن مما فعله النبي، لكنها أمر محمود مادام لا يسبب ضررا، بل بالعكس يجب الفرح والسعادة للناس من خلال استعادة ذكرى مولد النبي وما يليق به من بهجة وسرور”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى