مئات المثقفين يطلقون مبادرة لإعارة الكتب الإلكترونية عبر تطبيق واتساب

أسسوا أكبر مجموعة مغربية لتبادل الكتب والدراسات


“الغبي من يُعير كتابا، والأغبى منه من يعيده إليه”. عبارة لطالما رددها عشاق الكتب، في إشارة إلى ندرة الكتب المطبوعة على حامل ورقي، وصعوبة الحصول عليها أحيانا، وهو ما كان يجعل إعارة الكتب تضعها في وجه احتمالات الضياع، إذ كثيرا ما كان يشتكي القراء من تسبب الإعارة في ضياع كتب كانت في ملكيتهم.

وبالمقابل، ساهمت إعارة الكتب في الماضي على نحو ساعد الكثيرين من أجل تكوبن رصيدهم الثقافي والمعرفي، خصوصا منهم طلاب الجامعات، والأشخاص الذين لا يملكون ثمن اقتناء الكتب أو السفر من أجل البحث عنها والحصول عليها. واقع ساهمت التكنولوجيا الرقمية العصري في القضاء عليه تماما، حيث تزايد الإقبال منذ منتصف العقد الماضي على الصيغة الرقمية للكتب، ومعه أصبحت أشكال تبادل الكتب وإعارتها أكثر سهولة.

وفي هذا الصدد جاءت مبادرة “الكتب والمعرفة للجميع”، وهي مجموعة على تطبيق واتساب، أسسها منذ نحو ستة أشهر، الباحثان والكاتبان نوفل البوعمري وعلي الغنبوري، ليلتحق بها سريعا عدد كبير من المثقفين والباحثين والكتاب المغاربة، بلغ عددهم 253 عضوا، وهو الحد الأقصى الذي يسمح به تطبيق واتساب.

رقمنة إعارة الكتب

قال نوفل البوعمري في تصريح خص به “صحراء ميديا المغرب” إن “إطلاق هذه المجموعة جاء بدافع رقمنة عملية إعارة الكتب التي كنا نُقبِل عليها في الماضي”، مشيرا إلى كون “التأسيس جاء أنكلاقا من مباردة فردية، سرعان ما دعمها سيل من المثقفين المغاربة، وذلك من منطلق محاربة الرداءة التي باتت هي السائدة في مواقع التواصل الاجتماعي”.

وإذ يطرح تبادل الكتب على حامل رقمي بصيغة pdf بعض المشاكل القانونية والأخلاقية أحيانا، مثل تمكين أشخاص غير محدودين من نسخة معينة لكتاب ما، وهو ما يضر بالمصالح التجاربة للناشر، فإن البوعمري أكد في ذات التصريح بأنه “لا يوجد أي مشكل قانوني مادام التبادل يتم في إطار الخصوصية”، مشيرا إلى أن “إعضاء المجموعة ووعيا منهم بذلك قرروا عدم التفكير مطلقا في تحويل هذا النشاط إلى موقع إلكتروني أو صفحة فيسبوكية، وذلك لتفادي الاصطدام بقانون حماية حقوق الملكية الفكرية”.

وأردف المتحدث ذاته أن “المجموعة انتهجت الجدية في تعاملها مع المواد المنشورة، وتمنع الدردشات بجميع أنواعها” منوها بالدور الذي باتت تلعبه المجموعة على مستوى “دعم الطلبة الباحثين، نظرا لأن بعضهم يتواجد داخل المجموعة، ويطلب أحيانا بعض الكتب التي يجتهد أعضاء المجموعة من أجل توفيرها وتقديمها”.

مساحة للتوافق واحترام الاختلاف الفكري

تضم مجموعة “الكتب والمعرفة للجميع” طيفا واسعا من الباحثين المنتمين إلى تيارات سياسية مختلفة، والقادمين من مشارب فكرية متباينة، لكن ذلك لم يؤثر على المجموعة وعلى الدور المرجو منها القيام به، خصوصا وأن التجاذبات السياسية لم تجد طريقها إلى المنشورات التي يعكف أعضاء المجموعة على تقاسمها مع بعضهم البعض، في ظل منع القائمين على إدارة هذا النشاط لأي دردشة من أي نوع.

وفي هذا الإطار قال علي الغنبوري، أحد مؤسسي المجموعة في تصريح لـ”صحراء ميديا المغرب”، إن “الغاية من تأسيس هذه المجمعة كانت بالأساس هي الخروج من النطاق الضيق للتواصل الاجتماعي، والخروج نحو نشر المعرفة والمحتويات المفيدة”، مشيرا إلى أن هذا ما جعل “المجموعة تتوفر على خليط من جميع الحساسيات الثقافية والسياسية الاجتماعية الموجودة في المغرب، ومع ذلك لم يتسلل أي شيء منها إلى المجموعة بسبب الصرامة التي ننتهجها في مراقبة النشر ليبقى الكتاب والمعرفة العلمية هما الأساسيان”.

وأشار الغنبوري إلى أنه “لا مجال لظهور او تصريف أي خطاب سياسي، بالرغم من أن هناك باحثين من مختلف الأحزاب السياسية”، مشددا على أن “المجموعة تتيح لجميع منتسبيها نشر الكتب فقط، وهو ما يحدث بالرغم من تواجد شخصيات تسود العلاقات بينها عدة صراعات سياسية، لكن الجميع ملتزم بالهدف من المجموعة، والتي شهدت نشر عدد من الكتب ذات الخلفية الدينية والعلمانية ولم يعترض أي عضو من الأعضاء على أي منشور بسبب عدم اتفاقه مع مضمونه”.

والمجموعة التي جاء تأسيسها في ظل واقع سياسي مليء بالمناكفات والمشادات، توفر أيضا فرصة للتشبيك الثقافي في أفق توفير مناخ ملائم للتواصل الثقافي الهادئ، وهو ما يعتبره الغنبوري “نتيجة محمودة إن تحققت في شكل نشاط مدني متنوع المشارب الثقافية والسياسية، ويؤمن أفراده بالحوار والاختلاف”.

نشاط ثقافي بمنطق التواصل الاجتماعي

لم يتوقف نشاط الأعضاء المؤسسين لمجموعة “الكتاب والمعرفة للجميع” عند هذا الحد، فقد عمدوا قبل أشهر إلى تأسيس مجموعة شبيهة خاصة بالروايات والمؤلفات الأدبية، وهي المجموعة التي استقطبت بدورها المئات من المهتمين والشغوفين بهذا النوع من الكتب.

غير أن علي الغنبوري قد أكد في ذات حديثه لـ”صحراء ميديا المغرب” أن “الفكرة التي تأسست عليها هذه الدينامية تدور حول “نشاط عنقودي”، بحيث أن عدم سماح تطبيق الواتساب بضم أكثر من 256 شخص إلى مجموعة واحدة، وتواجد الكثير من الأفراد الراغبين في الإنضمام إلينا، جعلنا نهتدي إلى أن يقوم كل فرد من مجموعتنا بتأسيس مجموعات أخرى موازية تنشر بدورها كل ما ينشر في المجموعة الأم”.

ولدى إشارته إلى الاهتمام بمواكبة “الإصدارات الجديدة ونشرها على وجه السرعة في المجموعة”، كشف الغنبوري لـ”صحراء ميديا المغرب” عن “مواكبة المدراء المؤسسين للمجموعة لمنطق التواصل الاجتماعي” موضحا أن “ذلك يكمن في كون الجانب المهم في هذا النشاط يتمثل أساسا في إتاحة الكتب أمام مستعملي تطبيق الواتساب، من خلال اقحامها في حيز اهتمامهم، وهو ما يختلف تماما عن تركها فقط في المواقع الالكترونية التي تعتبر هي مصدرنا الأساسي في تحميل تلك الكتب”.

استحسان غير مسبوق 

اهتمام غير مسبوق حضيت به مجموعة “الكتاب والمعرفة للجميع” من طرف عدد كبير من الفاعلين الثقافيين، والبعض اعتبرها “شعلة ضوء” وسط أكوام المجموعات التي باتت مخصصة بالكامل للتلصص على الحياة الخاصة للناس، أو لنشر الرداءة.

الباحث والكاتب منتصر حمادة، قال في تصريح لـ”صحراء ميديا المغرب” بهذا الخصوص إن “هذه المجموعة مكسب علمي يستحق التنويه على الفكرة وتفعيلها في زمن طغيان المجموعات التي تنتصر لقضايا واهتمامات بعيدة عن الفكر والمعرفة”، مشيرا إلى أنه من أهم مزاياها “أنها تعج بإصدارات أجنبية حديثة الإصدار ويصعب الظفر بها عند أغلب الباحثين لاعتبارات زمنية ومادية في آن”.

منتصر حمادة، الذي يعد واحدا من أكثر أعضاء المجموعة نشرا للكتب من خلالها، لفت الانتباه إلى أننا “نحتاج إلى المزيد من هذه المجموعات حتى نقاوم الرداءة الرقمية التي تميز المنتوج الرقمي العربي بشكل عام، بالصيغة التي نعاينها في مواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال لا الحصر”، في إشارة إلى الموجات التي باتت تحضى في الآونة الأخيرة بالكثير من المتابعين، وباستهجان بالقدر نفسه، في مفارقة غريبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى