قلب الجنرال قايد صالح يتوقف بعد أيام من تنصيب رئيس جديد للجزائر

أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية صباح اليوم عن وفاة رئيس أركان الجيش الجزائري، الجنرال أحمد قايد صالح، صباح اليوم الإثنين، إثر سكتة قلبية، عن سن ناهز 80 سنة.

وجاءت وفاة الجنرال قايد صالح بعد أيام قليلة من تنصيب الرئيس الجديد عبد المجيد تبون.

وأعلن رئيس الجمهورية ووزير الدفاع حدادا وطنيا لثلاثة أيام في البلاد، ولسبعة أيام في المؤسسة العسكرية.

وكلف الرئيس تبون اللواء سعيد شنقريحة قائد القوات البرية قيادة أركان الجيش بالنيابة خلفا للفريق قايد صالح.

ويعد قايد صالح أحد أقوى رموز النظام الجزائري، حيث رأى النور في 13 يناير عام 1940 في عين ياقوت بولاية باتنة في الجزائر، والتحق بجيش التحرير الوطني وعمره 17 عاما خلال سنة 1957.

وبعد الاستقلال تلقى دورات تدريبية في الاتحاد السوفييتي السابق وتخرج منها بشهادة عسكرية من أكاديمية فيستريل،وشارك في حرب الاستنزاف في مصر عام 1968، وتدرج في السلك العسكري حتى وصل لرتبة لواء عام 1993 حيث تولى قيادة منطقة عسكرية.

وفي عام 2004 تولى قيادة القوات البرية ثم رقي عام 2006 لرتبة فريق وتولى رئاسة أركان الجيش الجزائري.

ويشكل الجنرال قايد صالح مع الجنرال علي بن علي قائد الحرس الرئاسي آخر ثنائي لقدماء جيش التحرير الوطني المزاولين لمهامهم حتى الآن.

ويعد الجنرال قايد صالح من أبرز قيادات الجيش الجزائري خلال فترة العشرية السوداء التي شهدت تمرد الإسلاميين في التسعينات حين قتل أكثر من مائتي ألف شخص في حرب أهلية.

وفي 26 نوفمبر 2005، تعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لوعكة صحية نُقل على إثرها إلى المستشفى العسكري الفرنسي “فال دوغراس”، حيث مكث شهرا وخمسة أيام، أجرى خلالها عملية جراحية تتعلق بقرحة في المعدة حسب السلطات الرسمية الجزائرية.

وفي 27 من أبريل 2013، أصيب الرئيس الجزائري بجلطة دماغية، نُقل على إثرها إلى المستشفى الفرنسي نفسه.

وبقي بوتفليقة في المستشفيات الفرنسية إلى يوم عودته إلى الجزائر في 16 يوليو 2013 على كرسي متحرك.

وفي سبتمبر 2013 رقي قايد صالح نائبا لوزير الدفاع خلفا للجنرال عبدالملك قنايزية، مع احتفاظه برئاسة أركان الجيش الجزائري.

وفي السنة ذاتها ، عندما تعرَّض بوتفليقة لأكبر أزمة صحية له، احتدم النقاش بين صناع القرار في أعلى هرم الدولة، حينها كان رجل قوي يدعى الجنرال توفيق واسمه الحقيقي محمد مدين، شغل منصب مدير المخابرات الجزائرية مدة 25 عاماً، جعل من نفسه أسطورة حية من خلال تواريه عن الأنظار والغموض الذي تركه من حوله.

كان توفيق مسيطراً على مفاصل الدولة بمؤسساتها المدنية والعسكرية، لكنه اصطدم يومها بالفريق قايد صالح قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، والسبب هو «العهدة الرابعة».

فقد رأى الجنرال توفيق أنه ليس من اللائق استمرار بوتفليقة إلى عهدة رابعة في الحكم وهو مريض لتلك الدرجة، لكن الجنرال قايد صالح تمسك ببوتفليقة ورفض السير في فلك المخابرات»، وفق ما ذكرته مصادر أمنية آنذاك.

ومع أفول نجم الجنرال توفيق، بتمرير مشروع العهدة الرابعة، وإقالته في 15 سبتمبر 2015، من طرف بوتفليقة، أصبح الجنرال قايد صالح صاحبَ الكلمة الأولى والأخيرة في المؤسسة العسكرية.

واستكمل قايد صالح قوته بإقالة اللواء جبار مهنا، الذي كان مديراً للمديرية المركزية لأمن الجيش والذي كان أحد أذرع الجنرال توفيق.

وفي ربيع 2016، بعد زيارة رئيس الوزراء الفرنسي السابق للجزائر مانويل فالس، تسربت صورة لاجتماعه ببوتفليقة تُظهر الأخير وهو في حالة صحية حرجة للغاية، نشرت الصحافة الفرنسية عدداً من التقارير التي تطرقت فيها إلى الوضع الصحي الصعب لبوتفليقة وإمكانية إجراء انتخابات مسبقة.

ودفعت عدة أطراف جزائرية يومها في الاتجاه ذاته، لكن تبعا لما تردد من معلومات، فإن قايد صالح وقف سداً منيعاً أمام كل تلك الطروحات، وذهب لأبعد من ذلك عندما قال في أحد الاجتماعات المغلقة: “إذا كانت هناك انتخابات مسبقة فلم لا أكون أنا؟!”، وأصدرت بعض الصحف الجزائرية تقارير تصف قايد صالح بانه “سيسي الجزائر”.

وأثبتت التغييرات الأخيرة في صفوف الجيش والدرك الوطني وجهاز الأمن الوطني (الشرطة)، قوة قايد صالح، بعدما أظهر بطريقة غير مباشرةٍ قدرته على الضرب بقوة بعد قضية استيراد اكثر من 700 كيلوغراما من مادة الكوكايين في 30 مايو 2018، بميناء وهران.

وتمت العملية بفرقة تابعة للقوات البحرية وجهاز الأمن العسكري، كما أشرف جهاز الدرك الوطني، التابع لوزارة الدفاع، على عملية التحقيق المعمق وكشف كل المتورطين في القضية. ودفع المدير العام السابق للأمن الوطني، اللواء عبد الغاني هامل، ثمن تصريحه بأن «من يحارب الفساد يجب أن يكون نظيفاً»، وهو ما فُهم على أنه اتهام لمؤسسة الجيش، وأُقيل بعد ساعات قليلة فقط.

يذكر أن الجنرال قايد صالح، ومؤسسة الجيش بصفة عامة، كانت لهما الكلمة القوية في الانتخابات الرئاسية لعام 2019. من خلال دعم بوتفليقة لعهدة خامسة أو انتقاء مشرح توافقي بديل.

ورغم إصرار قايد صالح على الابتعاد عن السياسة، بدا أن التزامه قد لا يستمر، بالنظر إلى بروز دعوات جديدة لإقحام الجيش في مسار انتقال ديمقراطي، مثلما دعا إلى ذلك زعيم حركة حمس (حزب إسلامي) عبد الرزاق مقري، في الأيام القليلة الماضية.وهي دعوة أغضبت الأمين العام للحزب الحاكم ( جبهة التحرير الوطني ) جمال ولد عباس، الذي رد عليه في مؤتمرصحافي في 2018 «إن الجيش ملتزم بمهامه الدستورية ولا يجب إقحامه في السياسة».

ويبدو أن قضية الكوكايين المحجوز بوهران، مهدت للجنرال قايد صالح إحكام قبضته على عدد أكبر من الخيوط، خاصة بعدما تردد من أخبار عن عزم الجيش، من خلال جهازي الأمن العسكري والدرك، محاربة الفساد وإسقاط أسماء كبيرة، وسيظهر دور الفريق بشكل أكبر في الأشهر القليلة المقبلة.

في 25 مارس 2019، دعا نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الجزائري ، إلى اللجوء إلى المادة 102 من الدستور المتعلقة بشغور منصب رئيس الجمهورية، التي تنص على أنه: “إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع”. وكان الجنرال قايد صالح قد قال إن الجيش والشعب لديهما رؤية واحدة للمستقبل، فيما يعد إشارة إلى أن الجيش يدعم المتظاهرين.

وفي يوم الأحد، 31 مارس 2019، شكل بوتفليقة مع رئيس الوزراء نور الدين بدوي الذي تولى المنصب قبل 20 يوم، وزارة من 27 عضو مع الاحتفاظ بستة وزراء فقط من المعينين في ادارة الرئيس المنتيهة ولايته. احتفظ فيها رئيس الأركان بمنصبه. في اليوم التالي، أعلن بوتفليقة عزمه الاستقالة بحلول 28 أبريل 2019.في النهاية أعلن استقالته في 2 أبريل.وتولى عبد القادر بنصالح رئيس مجلس الأمة الجزائري الرئاسة مؤقتاً.

وفي 16 أبريل 2019، اتهم الجنرال قايد صالح ، رئيس المخابرات الأسبق الجنرال توفيق بمحاولة عرقلة مساعي حل الأزمة، وحذره من اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضده، كما توعده بأن هذا آخر إنذار له.

وقال صالح: “لقد تطرقت في مداخلتي يوم 30 مارس إلى الاجتماعات المشبوهة التي تعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب ومن أجل عرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته لحل الأزمة”. واستدرك قائلا : “إلا أن بعض هذه الأطراف وفي مقدمتها رئيس دائرة الاستعلام والأمن السابق (في إشارة لرئيس المخابرات الأسبق الجنرال توفيق)، خرجت تحاول عبثا نفي وجودها في هذه الاجتماعات ومغالطة الرأي العام، رغم وجود أدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة”.

ودعا الجنرال قايد صالح القضاء بتسريع التحقيقات في ملفات فساد شهدتها البلاد في العقدين الأخيرين من حكم بوتفليقة.وأضاف: “ننتظر من الجهات القضائية المعنية أن تسرع في وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بآلاف المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب”.

وفي 30 مارس 2019، اتهم صالح، أطرافا وصفهم ب” اصحاب النوايا السيئة” بإعداد مخطط لضرب مصداقية الجيش ومحاولة الالتفاف على مطالب الشعب، مؤكدا في الوقت ذاته أنه سيتصدى لهم بكل الطرق القانونية.

ومطلع أبريل الماضي، نفى قائد المخابرات الأسبق الجنرال توفيق، مشاركته في اجتماع مع الرئيس السابق للجهاز الجنرال بشير طرطاق، ورئيس البلاد الأسبق اليامين زروال، وبحضور عناصر من مخابرات أجنبية، للتآمر ضد الجيش.

وفي إشارة إلى هذه الاتهامات، تابع قائد أركان الجيش الجزائري: “أكدنا يومها أننا سنكشف عن الحقيقة، وهاهم لا يزالون ينشطون ضد إرادة الشعب ويعملون على تأجيج الوضع، والاتصال بجهات مشبوهة والتحريض على عرقلة مساعي الخروج من الأزمة”. وأضاف: “وعليه أوجه لهذا الشخص آخر إنذار، وفي حالة استمراره في هذه التصرفات، ستتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة”.

تجدر الإشارة إلى أن الفريق قايد صالح حاصل على العديد من الأوسمة العسكرية، وهو متزوج وله سبعة أبناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى