صحافة السينما في المغرب بين الأمس واليوم
ليسوا سينمائيين وليسوا نقادا.. لكنهم عشقوا الفن السابع ولغته
عبد الفتاح نعوم
عشقوا السينما ولغتها، وشاهدوا أفلاما أكثر بكثير من غيرهم، لكنهم لم يمتهنوا العمل السينمائي، لا هم أصبحوا صناع أفلام، ولا اتجهوا ليكونوا نقادا سينمائيين، بل وقفوا في منزلة بين المنزلتين.الحديث هنا عن صحافيي السينما.
ففي غمرة ضباب الأعمال السينمائية التجارية يحاول الصحفيون المهتمون بالسينما أن ينيروا طريق المشاهد، ولفت انتباهه إلى التحف الفنية الجيدة والعميقة والمليئة بالتعابير السينمائية المبدعة، بدلا من منتجات التفاهة والرداءة والإسفاف الجالبة للإقبال الجم، بسبب دغدغتها للنوازع الجنسية أو العاملة على تغذية نزعات العنف، وتقديم المحاكاة للحاجيات النفسية المقابلة لحاجات فئات معينة إلى الرد على واقع التهميش أو الكبت.
حينما كان التلفزيون متنفسا سينمائيا
يتذكر قسم مهم من المغاربة بكل حسرة سنوات طوال من عمر التلفزيون المغربية، عاشوها مع كل يوم خميس من أيام كل أسبوع، كانت مساءات تلك الأيام تحمل بشارة مشاهدة أفلام من أجمل ما تنتجه السينما العالمية، كل ذلك بفضل مجهودات الصحفي المغربي المتألق علي حسن، حينئذ كان مساء الخميس شاشة عرض تتنقل بين البيوت.
حينئذ كانت دور العرض السينمائي قليلة، وأسعار التذاكر لا تشجع قطاعات واسعة من الجمهور كي تلجها، المهرجانات بدورها فرص محدودة في الزمان والمكان، واقع بذل في خضمه الصحفي علي حسن جهدا كبيرا كي يوفر فيلمين عالميين كل أسبوع لمشاهدي البث الأرضي للتلفزيون الوطني، هذه الأخرى لم يكن لديها ميزانيات كبرى لشراء أفلام كثيرة.
كان دور الصحافي المختص في تقديم المادة الإعلامية السينمائية، كما صاغها علي حسن، يتلخص في توفير فيلتر إعلامي يقدم للمشاهد أفضل الأعمال وأكثرها غنى من الناحية السينمائية، كان هذا يتطلب جهدا استثنائيا . لم يكن ابن ميدلت يبخل به، لهذا لا يزال حتى اليوم واحدا من اجل ذكريات التلفزيون المغربي.
صدمة “النميريك” والأنترنت
كغيرهم من المجتمعات استقبل المغاربة عصر التكنولوجيا ببالغ الاهتمام، عصر اتسم بهجوم كاسح لأجهزة الاستقبال الفضائي الرقمية “النميريك”، وأجهزة الـDVD وتوسع وتدفق الأنترنت، ومع كل هذا أصبح الوصول إلى الأفلام السينمائية ومشاهدتها أمرا يسيرا.
عشرات المحطات التلفزيونية العربية والأجنبية تبث أفلاما جديدة وعالية الجودة من الناحية البصرية والتقنية، وسيل من المواقع الإلكترونية تعطي الفرصة للمشاهد كي ينفذ إلى الأفلام التي لا تزال في قاعات العرض بالكاد، أي دور لصحافة السينما في واقع كهذا إذن؟، فالركام الجامع للغث والسمين قد لا يدع مجالا لأي فلترة أو تخليق للتلقي السينمائي.
بلال مرميد، الصحفي الشاب خريج المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط ، يخوض منذ سنوات تجربة صحافة السينما، لا سبيل إلى مواكبة الواقع الجديد سوى بفتح “جبهات” الحوار مع صناع السينما، كل القضايا الجمالية والأخلاقية تطرح على طاولة الصحفي المطلع بكثافة على الإنتاج السينمائي العالمي.
تمكن مرميد من حصد الاهتمام الكبير لجمهور السينما، فالفلترة لم تعد ممكنة، خصوصا وأن منصات المشاهدة باتت كثيرة، لكن تسليح المُشاهد بأدوات المحاسبة الجمالية لصناع السينما صار ضروريا، برامج مرميد في الإذاعة سابقا وعلى شاشة ميدي1 تي في حاليا صارت بدورها منصة لكي يدافع أولئك الصناع عن أعمالهم، ومنبعا للمشاهد ليضاعف حزمة أدوات التمحيص.
هل تغذي الصحافة الثقافة السينمائية؟
بالنظر إلى وظائفها الثلاث؛ الإخبار والتثقيف والترفيه، يمكن للصحافة أن تحدث نقلات كبرى في الوعي، والوعي الجمالي واحد من تلك الواجهات، هذا ما أكدته صحافة السينما من خلال تجارب مثل تجربتي علي حسن في الماضي، وبلال مرميد في الحاضر، فالمشاهد ليس في حاجة فقط إلى الاستمتاع بالإبداع السينمائي، هو أيضا في حاجة إلى معرفة كيف تصنع السينما وفي أي ظروف، وأي أفق ينبغي عليها بلوغه. صحافيو السينما بوسعهم ملامسة هذه الأسئلة.
بفضل الصحافة إذن لم تعد الثقافة السينمائية حكرا على المعاهد والجامعات، ولا حبيسة لغة النقاد والمتخصصين في البحث السينمائي، بل بات بإمكان المُشاهد أيضا أن يعرف أكثر عن الصناعة، وصار بمقدرته تقييم جودتها، وتمييز الغث من السمين فيها. فرصة لم يكن في السابق للمشاهد أن يحوزها لولا وجود صحفيين متخصصين على تلك الشاكلة.
لقد زاد تكيف الصحافة مع سمات عصر التواصل الاجتماعي من تلك الفرص، فالسينما وهواجسها وقضاياها وأسرار صناعتها لم تعد بعيدة عما يدور في شبكات الفيسبوك واليوتيوب، هناك يثار الجدل، وهناك يُعلي الناس من شأن هذا العمل أو يُسقطونه، وهناك يقابل الصحفي المحترف بين الآراء ووجهات النظر المتضاربة، إنها أفضل تغذية للثقافة السينمائية تقوم بها الصحافة لدى اهتمامها بها.