بين شتائين في المغرب.. خطوط التَّماس بين ألم سكان الجبال وزوارها في الفصل البارد

عبد الفتاح نعوم

“مصائب قوم عند قوم فوائد”، والعكس صحيح، مقولة تجد أوضح تجلياتها ربما في التناقض الصارخ بين شتاء يترقبه زوار الجبال، للاستمتاع بالثلوج والتزلج عليها، وبين معاناة السكان المحليين الذين يعيشون حصارا حقيقيا عند حلول هذا الفصل، فالثلوج التي تتساقط تضطر الكثيرين لكي يمكثوا لشهور في أكواخهم الجبلية، فيما كل الفصول السابقة هي فرصة فقط لتكديس ما يمكن من طعام وتدفئة.

عند الخامس والعشرين من ديسمبر من كل سنة يشتد البرد القارس، تزامنا مع حدوث الانقلاب الشتوي، حينئذ يداعب الشتاء خيال الشعراء، ويثير النزعات الرومانسية لدى الكثيرين، لكنه التوقيت الذي يعني الكثير من الألم لسكان الجبال في معظم مناطق العالم، حيث لا تني الأطراف في الأجساد تستقبل الصقيع رويدا رويدا. ويحدث هذا أيضا تزامنا مع تزايد الإقبال المطرد على السياحة الجبلية الشتوية، لتستطب قمم الجبال وسفوحها عشاق الثلوج، ما يحدث مناطق تماس بين متعة هؤلاء ومعاناة أولئك.

الحصار الأبيض

قد لا يعني بالنسبة للزائر مظهرُ الثلوج وهي تغطي ببياضها الناصع سفوح وقمم الجبال في أوكيمدن وتوبقال، أو مساحات مدينة إفران، سوى فسحة ينتظرها طوال السنة، لكنها في الآن نفسه تعني بالنسبة لسكان هذه المناطق المنتشرة في ثغور الأطلس تمثل استحقاقا طبيعيا عليهم اجتيازه سنويا.

مرارة الحياة هي تلك التي يعيشها سكان قرى وجبال الأطلس خلال فصل الشتاء، حيث تضرب عليهم الثلوج حصارا يمتد لأشهر، صقيع شديد يصيب الأجساد الخاوية النحيلة، فيلجأ الكثير من البسطاء رفقة صغارهم إلى أكواخهم الجبلية وكهوفهم الشبه بدائية، هربا من الموت المحقق.

العيش في بيئة كهذه يبدو صعبا للغاية، فمعظم ما يقتات عليه هؤلاء الناس يجمعونه طيلة أشهر قبل سقوط أول حبة ثلج، يركزون غالبا على الأطعمة الجافة التي لا تفسد مع مرور الوقت، إضافة إلى جمع ما يكفي من الأخشاب لإيقاظ النار بهدف الحصول على التدفئة وإعداد الحساءات الشتائية.

في جبال وقرى الأطلس المغربي لا يتمكن السكان المحليون من الذهاب إلى أي مكان خلال موسم الثلوج، يمكن تصور نظامي الاكتفاء والاستغناء السائدين هناك، فما لا يجدونه يزهدون فيه، لأن الخروج من الأكواخ وسط الثلوج قد يعني فقدان فرصة الحياة، المرضى بدورهم قد لا يجدون فرصة للتطبيب غير ما يتيحه التداوي الشعبي البسيط المعتمد على بعض الوصفات الطبيعية.

حمالات الحطب

تحملن على ظهروهن أطنانا، أحمال تنوء بها الآليات الحديدية، لكن البسمة لا تفارق محياهن متى ما قابلهن زائر، في منحدرات وسفوح جبال ضواحي مراكش تحمل النسوة الطاعنات في السن الآلام فوق ضهورهن في شكل حطب.

جمع بعض الأعواد الجافة يتطلب تقضية وقت غير يسير في الغابة، ومجابهة مخاطرها المختلفة، وذلك من أجل تكوين حزمة حطب يتضاعف حجمها رويدا رويدا إلى أن يتحول لكومة كبيرة تفوق أضعافا حجم الجسد الضئيل الذي جمعها وسيحملها.

تبدأ رحلة حمل الحطب من مكان التجميع إلى المكان الذي ستصله تلك الأعواد، إما لبيعها أو لتخزينها من أجل أيام الشتاء الطويلة، عملية غالبا ما تقوم بها سيدة بمفردها، ولا تحتاج مساعدا لا لحظة التجميع، ولا لحظة الحمل على الضهر.

سفيرات الحياة

يسافرن لمسافات طويلة من أجل إغاثة النسوة اللائي يستعدن من أجل وضع أبنائهن، إنهن المولدات في القرى والجبال المغربية، هنا حيث تكاد تنعدم المستوصفات والمراكز الطبية، في حين لا يزال السكان مواظبين على الاعتماد على “القابلة” لكي تضع السيدات مواليدهن في البيوت.
مياه دافئة وبضع حبال وبعض القطع المصنوعة من الأثواب وبعض الأعشاب، هي كل عدة سفيرات الحياة أولئك، يحملنها معهن حينما يطلبن من أجل إسعاف السيدات اللائي جاء وقت وضعهن، تسافرن أحيانا على الأقدام وأحيانا أخرى على ضهر دواب محلية.
إنهم يبيعون ألمهم للزوار!!!!

لا يكاد الزائر للمناطق الجبلية في الأطلس وتحديدا في ضواحي مراكش، يشعر بألم السكان المحليين ومعاناتهم، إنهم يواظبون على مقابلة الضيوف بكل بشاشة المحيا وطيب التعامل، يبيعون الورود أو بعض المنتجات التقليدية والأطعمة المحلية أو أدوات التزلج، معاناة الواحد من هؤلاء الباعة المتجولين تبدأ كل مساء وهو يقصد بيته القابع وسط الجبال وبردها القارس.

تقسيم فريد للوظائف يعتمده الناس في جبال الأطلس خلال فصل الشتاء واشتداد تساقط الثلوج، ربما التعويل الأكبر على ما يجنيه الأبناء من أنشطتهم مع السياح والزوار، نادرا ما يحكي هؤلاء عن معاناتهم اليومية خلال هذا الفصل للزوار، المطلوب هو بيع الخدمات لهم، ما لم يسأل أحدهم عن الظروف إياها فلا حاجة للحديث، اقتصاد لافت للانتباه في الحكي لدى هؤلاء الناس، بالنسبة للزوار يستحيل أن يمحي من أذهانهم طيبة سكان الأطلس، لاشك أن الثلوج على قساوة بردها قد صبغت الطباع هنا ببياضها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى