باحثون مغاربة يقاربون تأثير شبكات التواصل على صناعة الرأي والسلطة
حذروا من استغلال الجماعات المتطرفة للتكنولوجيا الحديثة
نادية عماري
أجمع باحثون مغاربة على أهمية الدور الكبير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الأفراد والمجتمعات بشكل عام، مما ينعكس بطرق مختلفة على صناعة الرأي العام والسلطة التي تشكلها الدولة، في عصر يشهد أحداث متسارعة ومتراكمة، تلقي بظلالها على المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية.
وأشار الباحث والأكاديمي المغربي، زكرياء الإبراهيمي، إلى الحيز الكبير الذي تشغله منصات التواصل الاجتماعي في المغرب، مما يؤثر سلبا على تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، التي افتقدت للتأمل والإبداع والحياة الحميمية مع الأهل والمجتمع عموما.
وقال الإبراهيمي، في لقاء بعنوان “شبكات التواصل الاجتماعي وأثرها على صناعة الرأي والسلطة والتغيرات الاجتماعية، نظمته مؤسسة مؤمنون بلا حدود، مساء السبت، بالرباط: “استطاعت التكنولوجيا الجديدة أن تزيح كل المؤسسات التي تساهم في تربية الأطفال، بما فيها دور الأسرة، لتصبح بذلك أول مؤسسة للتربية والتعليم، حيث قامت بسرقتنا من كل شيء وسرقت منا كل شيء في نفس الوقت، بما في ذلك قيم الحب والمودة التي تجمع بين الأفراد والتي أضحت رهنا لمجرد نقرة تمكن من إنهاء العلاقات في وقت وجيز في مجتمعات ما بعد الحداثة، في هدم صريح لقيم التسامح والحرية في مقابل بناء مشاعر الكراهية والظلم”.
وأوضح الباحث المغربي أن المجال الافتراضي انفلت من قبضة السلطة، في ظل تذكير الفاعل بالحدود التي تستعمل فيها منصات الانترنت في مناقشة القضايا السياسية في المغرب.
وقال الإبراهيمي: “لعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو مفاهيم كبرى تشتغل ضمن هذا المجال، في إشارة إلى خزان الموارد الرسمية، حيث تقدم الدولة نفسها دائما كأنها المالك الوحيد للحقائق الرسمية، وهو نفس الخطاب الذي تصدره عبر شبكة الانترنت”.
وحذر الإبراهيمي من الخطاب المتطرف الذي يجري تداوله من طرف الجماعات الإرهابية والمتطرفة، التي تستغل هذه الوسائل بشكل غير شرعي، باستثمارها في وسائل إنتاج المعرفة كالصور والفيديوهات، “العين الاجتماعية”، عن طريق عرض مشاهد القتل والتنكيل كنوع من البطولة.
من جهته، اعتبر أستاذ علم الاجتماع بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط، يونس الوكيلي، أن شبكات التواصل حملت فاعلا جديدا بتملكها لسلطة الاتصال في مواجهة وسائل الإعلام الجماهيرية كالتلفزيون والإذاعات.
وأشار الوكيلي إلى دورها الإيجابي في نشر عاطفة الغضب والأمل، بإنشاء مبادرات إنسانية، منها صندوق مكافحة السرطان بالمغرب، فضلا عن التحسيس بقضايا بيئية وأمنية تهم المجتمع، من أجل التأثير في السياسيات العمومية ولو بشكل مؤقت.
وقالت الباحثة في الثقافة والتواصل والتنمية، بشرى زكاغ، إن الحركات الاجتماعية في الانترنت تتسم بالنضج والشبابية والقوة، وهو ما وجب توظيفه من أجل محاربة خطابات الكراهية والتفرقة والسخرية.
وأوضحت زكاغ أن تعدد المدونين واستحواذهم على الفضاء العام ظاهرة صحية، بالرغم مما تطرحه من فوضى وتوتر، يقود مستقبلا إلى نوع من الوعي في التعامل معه.
واعتبرت الباحثة أن مجال الحرية مفتوح في المغرب على مستوى الواقع الافتراضي في فضاء مفتوح لا يمكن ضبطه أو تقييده.
وقالت زكاغ: “المؤسسات الدينية تحاول تدارك غيابها عن الفضاء الرقمي بعد وجود فضاء آخر يسحب منها الشرعية، مما دفع الكثير منها إلى سلوك نهج قريب من طريقة اشتغال الأفراد، بتسجيل غياب مواز للسياسيين والأحزاب السياسية”.