“البال”.. تجارة توحد الميسورين والفقراء في المغرب

نادية عماري

“فرصة ومناسبة.. بيجامة ديال حمامة”.. بكلمات متقطعة ونبرة لا تخل من إيقاعات كوميدية، يحرص أحد الشباب على الهتاف بين الفينة والأخرى، في حي سيدي موسى بالمدينة القديمة لسلا، من أجل جلب المزيد من الزبائن لاقتناء قطع من الملابس الأوروبية المستعملة المعروفة في المغرب باسم “البال”.

بعد مرور وقت وجيز، تتجمع فتيات ونساء من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، على البائع الذي يبدو منتشيا وهو يقوم بفتح “الكوليات”(أكياس الملابس المستعملة)، الواحدة تلو الآخر، بحركات متباطئة، من أجل اختبار صبر الحاضرات، يأخذها بشكل تدريجي ليستعرضها رافعا إحدى يديه للأعلى، قبل وضعها أمامه أو إلقائها باتجاه إحداهن، ممن تطالب بهذه القطعة أو غيرها.

تقف ثلاث طالبات يرتدين الوزرة المدرسية على مقربة من بعضهن وهن يحاولن التقاط قطعة أنيقة، بمواصفات معينة، تواكب الموضة، من أجل تجديد نمط لباسهن بارتداء ماركات عالمية بأثمنة زهيدة في المتناول.

تقول إحداهن بامتعاض شديد موجهة كلامها للبائع: “نريد إمدادنا بتلك القطعة رجاء، اقذفها بهذا الاتجاه، لقد بحت حناجرنا، لماذا تركز على جهة واحدة فقط”، قبل أن تتدخل إحدى السيدات مازحة لثنيه عن رمي الملابس بطريقة “تمييزية”، محاولة منعه من إخراج بقية الملابس من الكيس الأخير المتبقي.

تقول بنبرة حازمة: “ما هذا الهراء، نحرص دائما على اقتناء ملابس مستعملة ولم يسبق لي قط أن شاهدت موقفا مماثلا، للأسف فلهفة النساء على التقاطها تشجعك على طريقة البيع المستفزة هذه”.

لكن يبدو أن طريقة البائع الغريبة نوعا ما أفلحت في بيع العديد من الملابس من فساتين و بناطيل ومعاطف وقمصان وغيرها، فيما فضلت أخريات الانصراف بهدوء بعدما فقدن الأمل في إيجاد ضالتهن من المنتوجات المعروضة.

تقول أسماء (اسم مستعار)، موظفة، وهي تقوم بالبحث في الأكوام الهائلة من الملابس، محاولة استفسار إحداهن حول ماهية قميص شد انتباهها، إن كان رجاليا أو نسائيا، قبل أن تجيبها بنبرة ساخرة، أن الأمر أصبح عاديا، فكلا الجنسين يرتديان لباس بعضهما البعض، في غياب أي فرق يذكر بينهما.

تؤكد أسماء حرصها الأسبوعي على التوجه لأسواق “البال” في المدينة، بهدف العثور على”هميزات” (فرص جيدة) كما تصفها، مما يمكنها من الظهور خارجا بمظهر لائق وجذاب بمبلغ مالي معقول نسبيا، في ظل راتب محدود لا يسعفها في سداد المتطلبات المعيشية الكثيرة.

تقول بلهجة واثقة: “نصادف أشهر وأرقى الماركات العالمية هنا وهو ما يجعلني زبونة وفية لهذا النوع من الملابس، التي أقتنيها وأقوم بتنظيفها لاحقا في المنزل قبل ارتدائها، هي قطع ذات جودة عالية تظل محافظة على رونقها، بخلاف الملابس الجديدة التي ننفق عليها الكثير لكن جودتها تكون سيئة في كثير من الأحيان، وهو ما يفسر إقبال المواطنين عليها ليس فقط من الطبقات المعوزة والمتوسطة بل حتى الغنية”.

في ساحة باب الخميس بالمدينة، يبدو الوضع أكثر هدوءا وصخبا، حيث يتجمع العنصر النسوي بكثافة للبحث في الملابس المعروضة، ومحاولة اختيار الأفضل منها، بوجود قطع تبدو جديدة وأخرى متقادمة أو ممزقة.

يجلس البائع على كرسيه وهو يعاين بضاعته، ليجيب في كل مرة عن أسئلة البعض بشأن ثمن السلعة التي تزاوج بين الملابس العصرية والأحذية والحقائب النسائية اليدوية.

يشبه العربي الذي يعمل في المجال لسنين تجارة “البال” بلعبة الحظ، خاصة أن البائعين يقتنون أكياس الملابس من دون علم بمحتواها والنوعية المعروضة فيها، مما قد يساهم في خسارتهم ماديا إن لم يتم العثور على ملابس جيدة تلقى الإقبال من طرف المواطنين، فضلا عن مصادرة السلطات المحلية لبضاعتهم التي يتم عرضها في الشارع في غياب تملكهم لمحلات خاصة بهم.

حول أثمنة الملابس المعروضة، يقول العربي: “يتم تحديدها وفق جودة السلعة أساسا، فبمجرد فتح رزم الملابس وإيجاد قطع مميزة، يبدأ الثمن من 100 درهم للقطعة، لينخفض تدريجيا من أجل بيع كل الملابس الموجودة وجلب أخرى، تبعا للفصول، سواء كانت شتوية أو صيفية”.

وحول طريقة توصلهم برزم الملابس المستعملة القادمة في الغالب من دول أوروبية، يشير البائع إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، قبل وصولها للأسواق الشعبية في العديد من المدن المغربية، رغم الصعوبات والمشاكل التي يطرحها هذا النوع من التجارة الذي يظل عملا خارج إطار القانون، مما يفرض تجريمه.

يستجيب العربي لنداء إحدى السيدات من أجل عد الملابس المنتقاة قبل محاولتها إقناعه بتخفيض سعرها في عملية تفاوضية مثيرة، تنتهي لصالحه، ليقوم في الأخير بمراوغة لإرضائها حتى تعود للتبضع مجددا، بالثناء على ذوقها في اختيار نوعية الملابس التي لن تجد مثلها في المحلات.

يقول بابتسامة عريضة:” هدفنا إرضاء جميع الزبائن بتوفير ملابس جيدة بأسعار زهيدة تبدو أحيانا رمزية مقارنة مع ما يعرضه آخرون، فالحياة أضحت قاسية وظروف العيش صعبة للغاية، في ظل المصاريف المتزايدة، ليبقى”البال” المتنفس الوحيد ليس فقط لأصحاب الدخل المحدود وإنما للأغنياء كذلك، خاصة أن الملابس لا تكون دائما مستعملة، حيث يصادفون قطعا جديدة لا تزال تحمل علامتها التجارية، إضافة إلى اكسيسوارات وملابس داخلية وكذا ألعاب الأطفال تدخل البهجة والسرور على قلوبهم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى