انقسام بين إسلاميي المغرب حول شرعية قروض “انطلاقة” الموجهة للشباب

بعدما عدها الريسوني "شرعية"

وجد إسلاميو المغرب لأول مرة أنفسهم في حالة انقسام حول موضوع القروض البنكية التي يجمعون على تحريم التعامل بها باعتبرها “ربا حرام”، بعدما عبر فقيه المقاصد ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، عن موقفه من برنامج قروض “انطلاقة” الموجهة للمقاولين الشباب المغاربة، الذي اعتبر فيه القروض “شرعية وليست ربوية”، مشعلا بذلك موجه من الردود المتباينة وسط التيار الإسلامي في البلاد.

ونوه الريسوني وهو الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة الحالية، بمبادرة الدولة في تخفيف وتيسير القروض لحاملي المشاريع، وقال: “من الواضح أنها ليست مبادرة تجارية وربحية على ما تعمل عليه البنوك عادة، لأن هذه النسبة المخفضة الظاهر منها أن لا تعطي ربحا يذكر للبنوك ولا لأية مؤسسة أخرى، وهذا التوجه في حذ ذاته يجب الإشادة به واستحسانه لأنه يتجه وجهة شرعية ومحمودة وهي تقديم القرض الحسن سواء من الدولة أو من الأغنياء الذي لهم فائض في حاجاتهم وقدراتهم، وهذا القرض إن لم يكن قرضا حسنا خالصا فهو يقترب ويتجه إلى مبدإ القرض الحسن”.

وأضاف الريسوني مبينا موقفه من نسبة الفائدة التي حددتها الدولة في 2 بالمائة في المدن و1.75 بالمائة في البوادي، وقال: “هذه النسبة الضئيلة هي فقط لتغطية هذه التكاليف والمصاريف والخسائر سواء بشكل مساو أو أقل أو حتى أكثر بقليل، ربما في هذه الحالة يكون القرض حسنا خالصا اجتماعيا إنسانيا إحسانيا وليس قرضا ربويا أصلا إذا كانت النسبة التي ستؤخذ على القرض في النهاية ممن سيسددون ويوفقون في التسديد على المدة التي سيتعاقد عليها، فهذا القرض بهذه الكيفية والتكاليف والنسبة المخفضة يصبح قرضا حسنا لا شبهة ولا ربا فيه لأن الربا هو التربح بالقرض”.

وزاد الريسوني موضحا موقفه من المسألة التي وردت عليه مجموعة من التساؤلات بشأنها”يشترط ألا يكون القرض ربحيا لكي يكون القرض إحسانيا، وحتى لو كان هناك ربح قليل فهو أقرب إلى الحل وأقل إثما من الزيادات الربوية المعهودة 7 بالمائة و10 بالمائة، وهو أقرب أن يرخص فيه لذوي الأعذار والضرورات والحاجات الشديدة عملا بقاعدة الحاجات تنزل منزلة الضرورات”.

ومضى الريسوني مبرزا أن القرض إذا كان ليس فيه “تربح ربوي للمقرضين فهو قرض حسن مستحسن ومحمود شرعا وهو القرض الذي أمر به الشرع، وإذا كان فيه ربح قليل لهذه المؤسسات المقرضة فهذا يرخص فيه لذوي الأعذار من ضرورة وضائقة وليس عنده حل آخر، والشباب وكل الناس بحاجة إلى زواج وأسرة وضمانات واحتياجات عديدة، وإذا كان ليس لديهم مصدر وملجإ آخر، فيستطيع أن يأخذ بهذا القرض حتى لو افترضنا فيه نسبة للربح من البنوك فيكون على سبيل الترخيص لا على سبيل أنه حلال ومستحسن كما هو في الحالة الأولى”.

ولاقت فتوى الريسوني التجديدية ترحيبا واسعا في صفوف أتباعه بسبب الآفاق الواسعة التي فتحتها أمام الشباب المغاربة المتحفظين في التعامل مع القروض البنكية، رغم حاجتهم الماسة لها، في الوقت الذي خرج شيوخ ووجوه محسوبة على التيار السلفي تعارض الفتوى وتنتقد صاحبها.

وقال محمد عبد الوهاب رفيقي الملقب “أبي حفص”، إن رأي الريسوني بخصوص مشروع تيسير المقاولات لحاملي المشاريع “خطوة متقدمة وصوت عاقل في سياق مكانة الرجل الاعتبارية عند تيارات وفئات داخل المجتمع”.

وأضاف رفيقي وهو باحث في الفكر الإسلامي “كان أملي أن يكون هذا الرأي بابا لفتح نقاش مقاصدي وموضوعي حول المعاملات البنكية الحديثة وعلاقتها بالمفهوم التقليدي للربا، وليس فقط اعتبار هذه القروض من باب الإحسان والقرض الحسن”.

وزاد رفيقي موضحا “كما كنت أتمنى أن تكون هناك مبادرة لهذه الآراء والأطروحات، وليس فقط التحاقا بقضية تطرحها الدولة، كما كنت أتمنى أن تكون هذه الرؤية المقاصدية عامة وكلية، وليس قصرها على موضوع جزئي، وتغييبها في قضايا مجتمعية أخرى، بل اتخاذ مواقف متشددة تتناقض كلية مع شعارات المقاصدية والتيسير ومراعاة المتغيرات والواقع المتحرك”، وذلك في دعوة منه للريسوني إلى توسيع مجال اجتهاداته.

من جهته، قال عادل رفوش، الوجه السلفي المعروف بمدينة مراكش ورئيس مؤسسة يوسف ابن تاشفين للدراسات والأبحاث، إن الريسوني كان “مسددا في فتواه، وفتح بها للمسلمين والشباب والمحتاجين خاصة، بابا من أبواب التيسير، وهذا لا ينافي كونه يرى ما يراه العلماء قاطبة، مما هو قطعي في الشريعة من تحريم الربا بكل صوره”.

وأضاف رفوش في فيديو نشره بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قائلا “حينما تسمع الفقيه يقول إن هذه رخصة، فهذا دليل على أنه يقول بتحريم الأصل، وأن هذه الرخصة جاءت لدافع معين، وفي حيز ضيق، لسبب من الأسباب، كما يقال في عموم الرخص، كأكل الميتة ودفع الغصة بجرعة خمر وغيرها من الرخص”.

واعتبر رفوش أن “العلماء نصوا على أن التافه عرفا لا تتعلق به الأحكام”، ومن رأى في هذه المعاملة أنها شرعية، هو كون “النفع فيها إما أنه صوري أو أنه يسير تافه بالنظر إلى لعموم المعاملة أو أنه دفع ضرا”، وذلك في دفاع واضح منه على ما ذهب إليه الريسوني من شرعية هذه القروض.

وسجل رئيس مؤسسة يوسف ابن تاشفين للدراسات والأبحاث، أن هذه المبادرة التي أشرف عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس “من شأنها أن تدفع البطالة وتيسر عمل الشباب في مقاولاتهم، وأن الربح الذي تطلبه الجهات المقرضة يسير جدا ولا يقارن مع المبالغ المرصودة لأجل هذه المعاملة، وما يكتنفها من نفقات وطوارئ احترازات، ومن تضخم العملة مع الآجال، وعليه تصير المعاملة غير ربحية بل احسانية تنموية، الغرض منها إجراء حركة اجتماعية في الناس لدفع الركود الاقتصادي ومشاكل الشباب مع العمل والبطالة”.

في مقابل هذا الطرح المؤيد لفتوى الريسوني، عبر عدد من رموز التيار السلفي بالمغرب عن معارضتهم لما جاء به، إذ عبر الشيخ حماد القباج عن استغرابه من الفتوى التي أصدرها الفقيه المقاصدي.

وقال القباج: “لا أتصور في حدود علمي كيف يمكن أن نفرق بين النسبة المتدنية والنسبة المرتفعة، سواء من جهة التأصيلات الشرعية، ولا من جهة الدراسات الإقتصادية التي لا تمنع البنك من الربح حتى يكون هذا مناط للإنتقال من التحريم إلى التحليل”.

وأضاف القباج في فيديو نشره بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، موضحا أن “تدني نسبة الفائدة لا يخرج بالمعاملة عن كونها من الظلم البين”، مستدلا بكتاب ابن تيمية “إقامة الدليل على بطلان التحليل”، والذي نص فيه على أنه “لم يرد في ذنب من الذنوب من الوعيد ما ورد في الربا إلا الشرك بالله، وبيّن أن الربا من أعظم الظلم الذي يمكن أن يمارسه الإنسان”.

وزاد مؤكدا أن الربا “تبقى ربا ولو بـ0,5 بالمائة، والفائدة محرمة، ولا مجال للكلام من الناحية التأصيلية والإجتهادية، إلا في إطار فتح باب الضرورة من عدمه”، وذلك في رفض قاطع منه لما جاء به الريسوني حول شرعية هذه القروض.

وأفاد القباج وهو الوجه السلفي الذي رفضت وزارة الداخلية السماح لحزب العدالة والتنمية بترشيحه في الانتخابات التشريعية السابقة، بأن “الظلم الناتج عن الربا، والذي يجعل ثروة القلة تتضخم على حساب الكثرة، ويفرز لنا عالما ومجتمعات بصنفين، صنف يتنافس على الأكثر ثروة في العالم، وصنف يُزج به في أوحال الفقر والهشاشة بشكل يصل فيه الظلم إلى درجات مهولة”.

وعبر المتحدث ذاته عن استغرابه من “حصول تداخل بين أمرين يصعب على عالم من حجم أستاذي أحمد الريسوني، أن يحصل عنده هذا التداخل، وهما مسألة اللجوء إلى القرض الربوي للضرورة والتي قيلت وطرحت، بغض النظر عن الصواب والخطأ فيها”، وأضاف “انتقال حكم الفائدة من التحريم إلى التحليل بسبب انخفاض نسبتها، والحال أن هذه الفائدة تأتي في إطار نظام مالي عالمي رأسمالي متوحش يمارس أنواع خطيرة من الظلم على الناس ويفرض نفسه على الدول والحكومات”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى