فتاح نكادي: التلفزيون لم ينصفني في الظهور كفنان
قال إن المهرجانات هي الملاذ الوحيد والنافذة التي يطل منها المكفوفون
نادية عماري
ينطبق عليه وصف الفنان الشامل لاشتغاله في مجالات فنية عديدة، شملت التمثيل والتلحين والعزف والغناء، على مدى مسيرة فنية حافلة بالإنجازات والإبداعات امتدت لـ30 سنة، تمكن من خلالها من الدخول بشكل سلس لقلوب الجمهور المغربي من دون تأشيرة مرور.
يقول الفنان المغربي فتاح نكادي في لقاء مع “صحراء ميديا المغرب” إن انتشاره يتم بشكل تدريجي مع حرصه على الظهور في برنامج “مداولة” الذي تبثه القناة المغربية الأولى، حتى لا يغيب مطولا عن الجمهور، علما أن التلفزيون لم ينصفه في الظهور كفنان.
يعتبر نكادي نفسه راضيا عن مساره الفني الذي أمضاه في العمل بالمجال الموسيقي لسنوات، قام من خلالها بتكوين أجيال، خاصة أنه لا يبخل في إمداد أي شخص بمعلومات يمتلكها لتعم الفائدة على الجميع.
يعترف الفنان المغربي ببطء خطواته “السلحفاتية” التي يحرص على دراستها بشكل جيد وموثوق، لكنه في المقابل يعد معجبيه ومحبيه بانطلاقة أخرى قوية في المجال الفني قريبا.
وحول غيابه عن الساحة الفنية، يقول نكادي: “لا أعرف السببحقيقة، عملت مع القناتين التلفزيونيتين الأولى والثانية، وقمت بإنجاح مسلسلات عرضت على هاتين الشاشتين، من خلال إسهامي في الموسيقى التصويرية، لكن لم يسبق لهما أن بذلا مجهودا لاستضافتي في مناسبات عديدة، كان لي مرور واحد في القناة الثانية بمعية فرقة النورس، ومرة ثانية بمفردي، علما أنني شاركت في جميع المهرجانات الكبرى المغربية، مثل مهرجان الدار البيضاء وموازين ومهرجان الموسيقى الروحية”.
يضيف مبينا: “من الممكن أن يكون السبب راجعا لمن أسميهم بـ”الخشيبات”، المشرفين على البرامج، الذين لا أدري بأي حق يقومون بذلك، ربما بسبب مضامين الأغاني التي أقدمها والتي تتسم بحمولة اجتماعية وسياسية، على الرغم من وجودي الكبير على مستوى الموسيقى التصويرية الخاصة بالأفلام والمسلسلات”.
يشيد نكادي بتكريم الرواد المغاربة في أعمال فنية تتناول حياتهم ومسيرتهم الفنية من أجل اطلاع الجمهور بتفاصيلها، شرط أن تتم معالجتها بشكل جيد وجميل، إسوة بتجارب في الفن العالمي.
يقول نكادي: “أستحضر بالمناسبة فيلم المخرج كمال كمال عن الراحل محمد الحياني ،الذي كان ضعيفا جدا، بحيث أنه لم يتناول جوانب عديدة من حياته، بالرجوع لدوري في فيلم”القمر الأحمر”، عن الراحل عبد السلام عامر، أود أن أشير إلى أن الجمهور كان متشوقا لجانب الموسيقى والغناء، لكن المخرج حرص على التركيز على الحياة العادية للفنان، فلقطة الولادة على سبيل المثال استغرقت زهاء 15 دقيقة، كان من الممكن استغلالها في تقديم موسيقى وأغان”.
يفند نكادي الرأي القائل بتطور الأغنية المغربية عن طريقانتشارها عربيا، والدليل هو متابعة نصف هؤلاء الموسيقيين ممن يقدمون الأغاني الحالية في جرائم مخلة ، من فضائح واغتصاب وغيرها، والحال أن الفن يظل أولا وأخيرا تربية وأخلاقا، كما تعود عليه الجمهور من طرف جيل الرواد من المغاربة والعرب أمثال عبد الوهاب الدكالي والإخوان ميكري وعبد الحليم حافظ وغيرهم من الفنانين الحقيقيين الذين قدموا أعمالا فنية خالدة.
يضيف قائلا: “صحيح أننا قدمنا محاولات ناجحة وصلت لوجدان المغاربة لكنهم حالوا دون استمرارنا، والدليل على ذلك موسيقى مسلسل”وجع التراب” التي انتشرت بشكل كبير، مما يفرض علينا بذل المزيد من الجهد والعمل من أجل تقديم موسيقى مغربية خالصة تمثل جميع المغاربة على حد سواء، عوض مزجها بأنماط موسيقية دخيلة بدعوى نشرها على نطاق واسع، فالفنانة القديرة نعيمة سميح قدمت أغان خالدة استطاعت الوصول لبلدان عربية أخرى من دون الحاجة لتغيير هويتها الموسيقية. نحن لسنا مجبرين على إدخال موسيقى شرقية وخليجية ليفهمنا الآخر الذي عليه التعرف على ثقافتنا وحضارتنا القديمة والأصيلة والضاربة في جذور التاريخ”.
في سياق ذلك، يتساءل نكادي ما إذا تمكنت الأغنية المغربية من الوصول للبرازيل أو دول العالم الأخرى حتى يتم الجزم بكونها وصلت للعالميةبشكل فعلي.
يعبر الفنان عن رضاه بالمستوى الذي وصل إليه مهرجان ملامس للموسيقيين المكفوفين، الذي لاقى إقبالا وشعبية كبيرة من طرف الجمهور في دورتيه السابقتين، بوجود دعم وحيد من طرف جهة الدار البيضاء- سطات.
يقول نكادي: “أستغرب من تلقي تساؤلات حول السبب في استضافة فنانين مكفوفين، والحال أنهم يتعرضون للمنع من أجل الظهور في القنوات التلفزيونية، لتظل المهرجانات الملاذ الوحيد والنافذة التي يطلون من خلالها على المتلقي، وهو ما يتطلب من المغرب تبني هذه التجربة الفريدة من نوعها فضلا عن ضرورة توفير الدعم من طرف جهات أخرى، لمهرجان لا يوجد في دول أوروبية كفرنسا وإسبانيا”.
يسجل الفنان المغربي وجود عدد كبير من المبدعين من ذوي الاحتياجات الخاصة في مجالات فنية مختلفة، منها الفن الأمازيغي بمختلف تجلياته، مما يبين أن المشكل لا يكمن في المعاق، بل في الآخر الذي يشكل مصدر إعاقة بالنسبة له، مما يستوجب ضرورة الإيمان بقدراتهم ومواهبهم من طرف المجتمع والمسؤولين والاهتمام بهم ليس شفقة وإنما ثقة وتقديرا للمواهب التي يمتلكونها.
وحول اتخاذ فنانين وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للسب والقذف وتصفية الحسابات فيما بينهم، يقول نكادي: “من يقوم بأفعال مماثلة ليس بفنان، أتساءل كيف يجدون الوقت لذلك، فأي فنان مجبر على الإعداد لعمل جديد أو فكرة فنية جديدة”.
يعترف بتقصيره في مجال مواقع التواصل الاجتماعي، في غيابصفحة رسمية له بشكل احترافي، لكنه يعد الجمهور بالاهتمام قريبا بهذه النقطة، خاصة أنه مقبل على فيديو كليب جديد، أنجزه بإيعاز من أصدقاء، بأداء أغنية حول الصحراء كفضاء عام في شقها الإنساني، المتعلق بالطابع العام من خلال تناول التجارة والقوافل التي اندثرت تدريجيا بسبب ترسيم الحدود والحروب التي تشهدها بعض الدول.
وحول رأيه بشأن ملف “حمزة مون بيبي” المسيء لمشاهير وفنانين مغاربة، يقول نكادي: “أعرف فقط طريق الإبداع والفن ونشر الفرح والسهر بعيدا عن الهم والمنغصات اليومية الحياتية، هذا النوع لا يعنيني ولا يمثلني، من العيب والعار أن يتم الزج باسم المغرب والمغاربة في قضية مماثلة، فالمغرب معروف بالفن والإبداع وليس اختلاق الصراعات، المغاربة لا يستحقون مثل هذه البشاعة، هم ناس معروفون باللطف وحسن المعاملة والصبر، وهو ما نعاينه من خلال تعاملهم مع مختلف المشاكل التي تصادفهم من فقر وتردي خدمات أساسية في مجالات حيوية بالنسبة لهم، لكنهم يقابلون الأمر بسعة صدر وأمل في غد أفضل”.