“منتدى أصيلة” يقارب الآفاق الاقتصادية والأمنية للشراكة بين إفريقيا والغرب

أجيد: العالم انتقل من المجال العسكري لسلاح"القوة الناعمة"

تناول المحور الثاني من ندوة”إفريقيا والغرب: الموروث والمأمول”، بموسم أصيلة الثقافي الدولي ال44، والذي هم موضوع:”الآفاق الاقتصادية والتجارية والأمنية للشراكة في المستقبل بين إفريقيا والغرب”، الثلاثاء، ضرورة الاستثمار في العنصر البشري خاصة الشباب الإفريقي إلى جانب تطوير منظومة التربية والتكوين، باعتبارهما اللبنة الأساسية لتقدم المجتمعات.

وأجمع المشاركون في الندوة على إشراك المواطن في القرار السياسي والاستثمار في التكنولوجيات الحديثة، علما أن القوة العسكرية لم تعد معيارا أساسيا في مشروع البناء والتحديث، بوجود عوامل أخرى تحدد مدى تقدم الأمم والدول.

فضاء للتنافس

واعتبر فيكتور بورغيس، وزير الشؤون الخارجية الأسبق في الرأس الأخضر، أن هناك حاجة في الوقت الراهن لطرح الإشكالات الاقتصادية والثقافية والجيو سياسية التي تشهدها إفريقيا، في ظل بروز صراعات دولية غير متوقعة، قلبت الموازين في العالم، في إشارة إلى  الحرب الروسية- الأوكرانية.

وأفاد بورغيس بالعمل على استعمال إفريقيا كفضاء للتنافس الجيو استراتيجي، في نطاق عوامل إقليمية ومحلية، تحددها العلاقات بين أوروبا وباقي دول المعمور.

وشدد بورغيس على وجود تقوية التجارة والنهوض بالاستثمار في إفريقيا لتصبح قوة اقتصادية فاعلة، بمشاركة مستثمرين وفاعلين اقتصاديين يحملون رؤية واضحة المعالم لتحقيق الهدف.

وقال بورغيس متسائلا:”الأمر محسوم بالنسبة للدول المنتجة والغنية التي تمتلك أجندة بأهداف معينة، هي مناسبة أيضا للتساؤل هل فعلا نمتلك الإرادة والقدرات والمعايير الكفيلة بالنجاح؟ وهل بإمكاننا تحقيق نتائج إيجابية تعود بالنفع على مستقبل القارة؟”، داعيا إلى حل المشاكل السياسية في إطار حوار مشترك فعال لمقاربتها والخروج بخلاصات ذات جدوى، مع إعمال حكامة مصحوبة بخطابات قوية لتسهيل المهمة.

وأكد بورغيس على دور المؤسسات التربوية ومؤسسات التعليم العالي والتكوين والبحث العلمي في تطوير العقلية الإفريقية وتثقيفها بما يواكب العصر ويمكنها من تنمية دولها، موازاة مع ادوار مماثلة تقودها الأحزاب السياسية والمؤسسات العمومية والخاصة وجمعيات المجتمع المدني.

جودة التعليم

من جانبه، أبرز محمد السانوسي، مدير مكتب واشنطن، شبكة صانعي السلام الدينيين والتقليديين، توظيف الطاقة الشبابية في إفريقيا، علما أن 70 في المائة من الهرم السكاني لا يتجاوز 16 سنة، فضلا عن الاهتمام بالموارد الطبيعية الهائلة في القارة والتي تتوفر على 30 في المائة من المعادن و 8 في المائة من الغاز الطبيعي و40 في المائة من مخزون الذهب العالمي، وفق تقديرات البنك الدولي.

وأكد السانوسي على ضرورة الاستقرار، لكونه عاملا مهما في تطوير الاقتصاد، كما أنه لا يمكن تحقيق السلام من دون تنمية، مطالبا بإدماج المجتمع المدني والولوج إلى جودة التعليم كداعم للتنمية المستدامة، وضمان حقوق الإنسان والحريات الفردية، وخلق شراكات متناسقة.

الاقتصاد الرقمي

بدوره، ذكر أبو بكر عيسى عبد الرحمان مستشار مديرNoher data Lab بنيامي في النيجر، أن القارة السمراء تشهد تحولات نوعية كبرى، وهي الآن تعرف فترة انتقالية كبرى، مع ظهور عنصر جديد وهو “الاقتصاد الرقمي” الذي أعاد النظر حول التنافس الأكبر لوسائل الإنتاج، ليظل الرهان أمام أفريقيا متمثلا في التحكم في المعطيات المتاحة لبناء نظم سياسية واقتصادية متقاربة.

وسجل عبد الرحمان دور القادة السياسيين في خلق فرص التنمية انطلاقا من قدرات ومؤهلات بلدانهم، مستدلا بسنغافورة وماليزيا، معتبرا أن المرحلة الحالية تفرض التحكم في المعطيات والاهتمام بالتكنولوجيات الحديثة، مع إنشاء وتطوير مراكز للبحث مهمتها بناء وتطوير مجتمع متجانس يساير العصر ومستجداته.

وأفاد علي بحجوب المدير العام لمركز الدراسات الأوروبية البحر متوسطية والإفريقية بلندن، بتشجيع التعاون بين دول القارة الأفريقية، عن طريق إنشاء اتفاقية التجارة الحرة على المدى القريب لبناء مستقبل إفريقي واعد.

ولفت بحجوب إلى أن الحرب في أوكرانيا ساهمت في تغيير وتقديم نظام عالمي جديد يتأرجح بين الغرب و”بريكس”، وهو ما على إفريقيا الالتفات إليه لكي تتموقع بشكل جيد، علما أن أوروبا تمثل أفضل شركائها.

وشدد بحجوب على حاجة افريقيا لاستثمار مواردها بشكل مثمر،علما أن مشكلتها الأساسية تتمثل في تموقعها كقائدة وبالتالي مواجهة كل العراقيل التي تهدد تنميتها.

وزاد مبينا:”إفريقيا تحتاج أولا للأفارقة وليس لدعم خارجي، ولنا خير مثال على النموذج المغربي المبتكر في التعاون وتنمية دول القارة والذي يعد ثاني مستثمر في إفريقيا بعد الصين”.

السلم والأمن الاجتماعي

أما أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والسياسية، أليون بدرة ديوب، فدعا إلى التخلص من الأمور الخارجية المتحكمة مثال الفرنك الفرنسي الذي يعرقل النماء في البلدان النامية، وإعادة النظر في العلاقة التجارية بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي”.

وأشار ديوب إلى مواجهة عراقيل بنيوية داخل القارة، إذ لا يمكن تحميل المسؤولية للغرب وأميركا بل لأفريقيا التي نالت استقلالها مند سنوات وهي مطالبة الآن بالجدية والتغيير، مشيرا إلى إطلاق الرئيس الأميركي جو بايدن لمشاريع استثمارية بالقارة في مجال الأمن الغذائي والطاقات المتجددة ودعم الطاقات النظيفة بمبلغ إجمالي ناهز 100 مليون دولار، في إطار دعم مسلسل النماء في دول الجنوب.

وربط فريدريك  بواماه، أكاديمي وأستاذ بجامعة أكرا في غانا، تحقيق النمو الاقتصادي بالسلم والأمن الاجتماعي، كمفتاح تنمية أي دولة، مسجلا ضرورة تقييم المؤهلات بعد الاستقلال ومجالات توظيفها والنتيجة المرجوة منها.

من جانبه، ذكر السفير السيراليوني محمد سمورة لهاي أوباي، أن القارة الإفريقية تعرف ضغوطات إقليمية جيوسياسية خارجية وداخلية، إلى جانب عراقيل مرتبطة بالأمن وغياب الحكامة، وهو ما يفرض معالجته من الداخل، وليس عن طريق التكتلات الإقليمية، مستشهدا بالنموذج الذي قدمه المغرب في تضامن مواطنيه عقب الزلزال، وتدبير الفاجعة اعتمادا على الإمكانيات الذاتية بقيادة الملك محمد السادس وتوجيهاته للحكومة.

وأضاف لهاي أوباي:”المغرب تمكن من تجاوز مخلفات الزلزال وتأثيراته، حيث قام الملك محمد السادس باستدعاء الوزراء وتشكيل اجتماع طارئ لمواجهة هذه الكارثة الطبيعية، ومن هنا تأتي قوة الدولة و القيادة الحكيمة”.

وقال لهاي أوباي:”الأجوبة على كل الإشكاليات موجودة ينبغي فقط التعامل مع الأزمات بصدق وشفافية وهو ما يبدو معدوما حاليا، حان الوقت لوجود زعامات وقيادات، حينما نهمش إشراك الشباب والنساء في مسلسل الحكامة، قطعا لن نتمكن من حل مشكل انعدام الأمن في القارة، علينا تعلم عدد من النماذج من المغرب في السياق، هو نموذج ناجح وجب على إفريقيا اتباعه، والذي يقدمه ملك شاب برؤية تقدمية واضحة ومثمرة”.

ديمقراطية تشاركية

بدوره، أكد السفير النيجيري عبد الله أوباكي، أن التحدي الذي تعيشه افريقيا يشمل غياب قيادة برؤية مركزة تعتمد على الديمقراطية التشاركية وتهدف أساسا إلى نشر الأمن والاستقرار، فتقدم إفريقيا حتما يؤثر إيجابا على باقي دول العالم.

وزاد مبينا:”علينا توفير السلم والعدل والقيادة الرشيدة والتركيز على التحديات والإكراهات وترجمتها لفرص”.

وأبرز الحاجي غوركي واد ندوي، صحفي سينغالي، مراسل في الأمم المتحدة، أن التنمية لا يمكن تحقيقها دون خطاب جديد بدءا من الأفارقة أنفسهم، علما أنهم لطالما تعرضوا لاستنزاف ثرواتهم ومواردهم الطبيعية من طرف الغرب، حتى أضحت بلادهم على الهامش لمدة طويلة.

وأفاد بضرورة الحوار والتواصل وعدم إقصاء المواطنين الأفارقة خاصة الشباب منهم ممن يمثلون فئة كبيرة من الهرم السكاني، لما لهم من دور في النهوض بأوضاع قارتهم.

وانتقد واد ندوي لجوء زعماء أفارقة لوسائل إعلام أجنبية عوض فتح المجال للإعلام المحلي والوطني، بما يكرس التبعية للغرب، في وقت يفترض بهم أن يكونوا قريبين من المواطنين لاكتساب ثقتهم والحصول على تفاعلهم بشكل مباشر، كما أن الأمر له سلبيات أخرى، تتمثل في حصولهم على المعلومات من الخارج، والتي يمكن بسطها في نطاق مغاير وتعرضها للتشويش من طرف آخرين، بما يساهم في نشر الإشاعات والأخبار المغلوطة.

ولفتت العالمة السياسية المالية، نياغالي باكايوكو، إلى أولوية محاربة الإرهاب والتطرف العنيف وتدبير الهجرة والتنمية والتغيرات المناخية، وكلها عوامل تبرر التدخل الغربي في مقاربة الأزمات داخل إفريقيا.

وأوضحت باكايوكو أن المعطيات الدولية والغربية أوضحت أن الغرب غير قادر على معالجة انعدام الأمن، مما يستوجب تضافر الجهود إقليميا للعمل على نشره، في إطار تعاون عسكري دبلوماسي، بعيدا عن التدخلات الخارجية.

وأشارت إلى فشل المقاربة الغربية في الأمر، وكمثال التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان، واستثمار ملايين الدولارات في حرب غير مربحة، خسرت فيها أميركا عددا كبيرا من الجنود، وهو ما يرجح كفة القيادة المؤسساتية وليست تلك التي تتم بشكل انفرادي.

قطبية أحادية

وقال ايريك بلانشوت، مدير عام منظمة”بروميدياسيون” في باريس، إن فقدان الثقة في الدول الإفريقية التي تشهد توترا، يتطلب عملا حقيقيا ينبغي القيام به على أساس شراكة واستراتيجيات، عقب معرفة وتحديد الأولويات الخاصة بها.

وأشار بلانشوت إلى ضرورة ترك الوقت الكافي للفاعلين السياسيين للقيام بالتحليل المناسب وتمكينهم من التخطيط بدقة لبلوغ الأهداف المحددة.

من جهته، سجل محمدو لمرابط أجيد موريتانيا، رئيس جامعة العلوم الإسلامية في موريتانيا، مقاربة العلاقة بين إفريقيا والغرب انطلاقا من الشراكة والسمات والأسس، حيث من المهم التنبه لتطور مصطلح النظام الدولي من اتفاقية ويست فاليا إلى وقتنا الراهن.

وقال أجيد:”وصلنا للقطبية الأحادية في نظام محكوم بالقطبية الأحادية والانفراد بتنظيم العالم من طرف أميركا، فضلا عن الهيمنة القيمية وتسخير العولمة لصهر الهويات ضمن منطق القوة والمصلحة، وما نتج عنه من طموح لتعدد الأقطاب، فأزمة كوفيد مثلا فتحت الباب لتمدد الصوت وأسست لوجاهته ودعمت الصعود لبعض الدول وجاءت حرب أوكرانيا لتفتح آفاقا لضرورة تغير النظام العالمي. هي أصوات تجاهر بضرورة مواجهة قيم العولمة وتنقيح مفاهيم السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، ليظل السؤال الجوهري: على أي أساس قيم سينبني هذا  النظام؟”

وأوضح أجيد أن الصراع لم يعد عسكريا بل تظل الأداة الأنجع لتحقيق الهيمنة متمثلة في الأدوات الناعمة الأكثر فاعلية، حيث انتقل العالم من مرحلة استخدام السلاح إلى التحكم في سلاح القوة الناعمة.

ودعا أجيد لبناء شراكة على أسس جديدة وهو ما يضع على عاتق إفريقيا متطلبات حتى تتبوأ مكانتها وتتجاوز تاريخها المليء بالتهميش، في نطاق عولمة الهوية التي لم تعد مقبولة من طرف الأفارقة، إذ آن الأوان لتجد الهوية الإفريقية مكانتها في النظام العالمي الجديد من منطق المناهضة للتبعية والاستعمار دون وصاية والتعامل مع الآخر بندية، مع تجاوز الرؤية الإفريقية لمنطق المظلومية إلى الفاعلية باستغلال أوراق قوتها الكبيرة اقتصاديا وطاقيا وثقافيا وسياسيا بامتلاكها لموقع سياسي مهم، مشيرا إلى أن الواقع الدولي ينبئ بتغيرات مستمرة مما يعني انتقال إفريقيا إلى فاعل مهم في النظام الدولي الجديد.

وخلص أجيد إلى تعدد الشراكات والحوار كحل مناسب في منطقة الساحل لأن كل الحلول القبلية كانت مستوردة ولها أهداف، علما أن بعضها استطاع تأخير الخطر الأمني لكن أهملت الجانب التنموي، في غياب التعليم والصحة والتنمية وهي أمور من أكبر روافد العنف في الساحل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى