مسنون مغاربة.. معاناة وفقر وهشاشة اجتماعية

نادية عماري

يعيش عدد من المسنين في المغرب أوضاعا اجتماعية مزرية تضطرهم للخروج بحثا عن عمل يكفل لهم قوت يومهم والعيش بكرامة، على الرغم من وجودهم إلى جانب أبنائهم الذين يتنصلون في أوقات كثيرة من واجبهم في رعاية آبائهم.

معاناة مضاعفة

تجلس”مي خديجة” (اسم مستعار) في قارعة الطريق في أحد الأسواق الشعبية في مدينة سلا، وهي تحاول ترتيب قطع متنوعة من الملابس المستعملة لبيعها في محاولة لجذب انتباه المارة وتشجيعهم على الشراء.

تدأب هذه السيدة التي شارفت على السبعينات من عمرها على الوجود في السوق بشكل يومي وكلها أمل في تحصيل مبلغ مالي متواضع يعينها على تسديد المصاريف التي تشمل باقي أسرتها المتكونة من فتاتين إحداهما مطلقة تعيش معها رفقة أبنائها.

تقول مي خديجة بنبرة حزينة: “صحيح أن إحدى ابنتي تساعد أحيانا كثيرة بعملها كمساعدة منزلية لكن ما تتقاضاه لا يكفي جميع أفراد الأسرة في ظل تزايد المتطلبات اليومية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، مما يجعلني مضطرة للعمل خارجا والمساعدة قدر المستطاع”.

رغم وضعيتها الصحية والاجتماعية الهشة، تبدو هذه السيدة المثابرة والقنوعة متفائلة بدرجة كبيرة.

تضيف مبينة: “توقفت لفترة ليست بالهينة جراء الحجر الصحي لكن الأمور بدأت تعود بشكل تدريجي لسابق عهدها، استأنفت نشاطي أخيرا وكلي أمل في المستقبل، الحياة مليئة بالمشاكل والأزمات ونحن مطالبون بمواجهتها”.

لا تبدو وضعية أحمد، 70 سنة، أحسن حالا من أي مسن آخر يعيش وضعية صعبة، فهو كذلك يعاني في صمت، في ظل وحدة وفراغ عائلي كبير، ينضاف لإعاقته الجسدية ووضعيته المادية المتأزمة، مما اضطره للتسول واستجداء المارة لتأمين لقمة عيشه.

يقول أحمد: “هناك من لا يكترث لوضعيتي معتقدا أنني أمثل المرض والإعاقة للتأثير عاطفيا على الناس كما يفعل عدد كبير من المتسولين، في المقابل هناك محسنون يساندونني ويتعاطفون معي، منهم من يسأل عن صحتي وأحوالي من وقت لآخر”.

بدوره، يعيش محمد، 76 سنة، معاناة مريرة جراء مرض ألم به على مستوى الساق، بعدما اشتغل لسنوات كحارس أمني ليلي، براتب شهري لا يتجاوز 1400 درهم شهريا، والذي يتم تحصيله من طرف أصحاب المحلات التي يحرسها ليلا، في غياب أبسط شروط الأمن والسلامة الجسدية.

رغم هزالة الأجرة وصعوبة العمل، يبدو محمد راضيا إلى حد ما في غياب مسؤولية أسرة تثقل كاهله، لكن هذا الشعور بدأ يتلاشى تدريجيا في ظل توقفه عن العمل بسبب حالته الصحية.

تدخل الدولة

قامت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بإحداث المرصد الوطني للأشخاص المسنين سنة 2016، كآلية وطنية لرصد وتتبع أوضاع هذه الفئة العمرية وتجميع المعطيات والبيانات المتعلقة بها والنهوض بالبحث العلمي في هذا المجال، وكذا توسيع مجالات التشاور والشراكة مع كافة المتدخلين، في إطار سياسة وطنية للمسنين، تنبني على وضع إطار تنظيمي لتدخل الدولة والفعاليات المدنية وتطوير أساليب بديلة عن التكفل المؤسساتي بالأشخاص المسنين.

وأشار التقرير السنوي الأول حول الأشخاص المسنين الذي أعدته لجنة الإشراف الخاصة بالمرصد الوطني للأشخاص المسنين، إلى ضرورة إحداث صندوق خاص بالدعم المالي للمسنين على غرارصندوق التماسك الاجتماعي، وإحداث بطاقة المسن للاستفادةمن حقوقهم وتبسيط الاجراءات وإعطائهم الأولوية في الحصولعلى الخدمات، إضافة إلى تعزيز الرعاية الصحية والاجتماعية.

وسجل التقرير تزايد عدد المسنين بدءا من 60 سنة ما بين 2014 و2050، لينتقل من 3.2 مليون شخص إلى 10.1 مليون شخص، بوتيرة 3.3 في المائة كل سنة في المتوسط، مما يفرض بذل جهود حكومية أكبر لمواكبتهم اجتماعيا واقتصاديا وصحيا ونفسيا، علما أن نسبة المسنين المستفيدين من معاشات النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وخدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2016 لا يتجاوز 13.8 في المائة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى