خير الله خير الله يكتب: عندما يتذاكى تبون على بلينكن

خير الله خير الله*

واضح أن النظام الجزائري كان وراء تسريب جانب أساسي من اللقاء الذي عقد قبل أيّام بين الرئيس عبدالمجيد تبون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. وصل بلينكن إلى الجزائر من الرباط حيث أجرى محادثات مع مسؤولين مغربيين بينهم رئيس الوزراء عزيز أخنوش ووزير الخارجية ناصر بوريطة. كذلك قابل بلينكن، في الرباط، وليّ عهد أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد في لقاء ارتدى أهمّية خاصة في ضوء حرب أوكرانيا وتفاعلاتها وانعكاساتها على السلم العالمي والموقف الإماراتي المتوازن منها… وفي ضوء احتمال عقد صفقة أميركيّة – ايرانيّة تتناول البرنامج النووي الإيراني.

كان لافتا في الشريط المسرّب عن لقاء تبّون – بلينكن الكلمة الطويلة التي ألقاها الرئيس الجزائري الذي جلس الوزير الأميركي قبالته مستمعا. كانت الكلمة بالفرنسيّة التي يجيدها تبّون ويتقنها بلينكن. درس الوزير الأميركي سنوات طويلة في مدرسة خاصة في باريس بعد انتقاله إليها مع والدته التي التحقت إثر طلاقها بزوجها الجديد. كان زوج والدة بلينكن من بين الناجين من الهولوكوست وكان مقيما في العاصمة الفرنسيّة.

من يستمع إلى تبّون يمضي عشرين دقيقة في إلقاء محاضرته يتأكّد أوّلا من أن ثمّة في الجزائر من يعرف الإدارة الأميركية الحاليّة جيّدا من الداخل. وضع له، من يعرف الإدارة، نقاطا عدّة ركّز عليها. من بين هذه النقاط إظهار الجزائر في مظهر الدولة الديمقراطية التي ترتبط بالقيم الأميركية السائدة في الولايات المتحدة. كان هناك تشديد من تبّون على دعم الجزائر لجنوب أفريقيا من أجل التخلص من نظام التمييز العنصري. أتى على ذكر نلسون مانديلا وشدّد على “محور الجزائر – بريتوريا” كي يؤكّد أن الجزائر ليست معزولة أفريقيا وأنّها تمثّل ثقلا كبيرا، خصوصا في ضوء العلاقة المميّزة التي تربطها بجنوب أفريقيا.

تحدّث تبّون طويلا عن ليبيا ومشاكلها الداخليّة وتعقيداتها والتدخلات الأجنبيّة فيها، وعن مالي وعن منطقة الساحل، لكنّه حرص على شنّ حملة على المغرب مدّعيا أن بلده بلد مسالم لا سياسات عدائية له، لكنّه يشتري السلاح لـ”لدفاع عن النفس”.

لام المغرب كونه هاجم الجزائر بعد سنة واحدة من نيلها استقلالها في العام 1962، وذهب إلى تحميل المملكة المغربيّة مسؤولية الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994. نسي بطبيعة الحال أن الجزائر تشتري السلاح، أيّ سلاح، من روسيا لأسباب ذات علاقة بالعمولات أوّلا وأخيرا. نسي أيضا كلّ الدعوات المغربيّة من أجل إعادة فتح الحدود.

لم يدخل مباشرة في موضوع الصحراء المغربيّة والموقف الأميركي الذي يعترف بمغربيتها والذي لم تحد عنه إدارة جو بايدن. اكتفى بالمقارنة بين تيمور الشرقية التي استقلت عن البرتغال في العام 1975 قبل أن تستقلّ عن إندونيسيا في العام 2002 إثر استفتاء شعبي. كانت تلك مقارنة مفتعلة كي يشير إلى أن الجزائر دعّمت دائما شعب تيمور الشرقيّة وبقيت على علاقة طيبة مع إندونيسيا. بالنسبة إليه، يمكن تحويل الصحراء المغربيّة إلى دولة مستقلة وأن تقيم الجزائر علاقة طيّبة مع المغرب. لا يريد أخذ العلم بأنّ العالم يعرف أن قضيّة الصحراء قضيّة مفتعلة وأنّها جزء من حرب استنزاف تشنّها الجزائر على المغرب منذ العام 1975 مستخدمة شعارات براقة من نوع “حق تقرير المصير للشعوب” في حين لا يمتلك الشعب الجزائري نفسه حقّ تقرير مصيره.

بدا جليّا أن هناك من طلب من الرئيس الجزائري التركيز على نقاط حساسة تهمّ واشنطن من بينها مكافحة الفساد وإجراء انتخابات تتسم بالديمقراطيّة والشفافيّة، وكأن الوزير الأميركي لا يعرف أن الشعب الجزائري، الذي قاطع كلّ العمليات الانتخابية من منطلق رفضه للنظام، في مكان والنظام في مكان آخر. يعرف الجزائريون قبل غيرهم أن عبدالمجيد تبّون نفسه ليس سوى صنيعة نظام تسيطر عليه المؤسّسة الأمنية – العسكريّة وذلك منذ الانقلاب العسكري الذي نفّذه هواري بومدين في العام 1965.

محور كلام الرئيس الجزائري، وهو من مواليد العام 1945، أن بلده يراهن على جيل الشباب وأنّه يمتلك كلّ المقومات التي تجعل منه بلدا طليعيا في كلّ المجالات. ثمّة نقاط قليلة تجاهلها تبّون الذي بدا واضحا أن وزير الخارجيّة الأميركي لم يأخذه على محمل الجدّ. رد عليه بلينكن ببعض الجمل القصيرة التي تضمنت كلاما عاما يدخل في مجال المجاملة.

بين ما تجاهله تبّون، وهو تجاهل ينمّ عن جهل بالعالم أوّلا وجهل بالمغرب ثانيا وأخيرا، أن العالم يعرف وأنّ الجزائريين يعرفون. لعلّ أوّل ما يعرفه العالم كلّه أن الجزائر مستفيدة حاليا من ارتفاع أسعار النفط والغاز وأن ذلك وفّر لها دخلا تستطيع استخدامه لرشوة الجزائريين. السؤال إلى متى يمكن أن يستمرّ ذلك في بلد لم يستطع يوما تطوير اقتصاده في أيّ مجال من المجالات وبقي أسير سعر النفط والغاز… والأزمات الاجتماعية العميقة.

الأكيد أن وزير الخارجيّة الأميركي الحالي ليس عبقريا. لكن الأكيد أيضا أنّه ليس بالسذاجة التي يتصورّها النظام الجزائري الذي وضع تبّون في الواجهة كي يتذاكى عليه وكي يروّج لقضيّة مفتعلة خاسرة سلفا هي قضية الصحراء التي سارع معظم العرب إلى حسمها عندما فتحوا قنصليات في العيون والداخلة. يظهر أن الرئيس الجزائري لم يأخذ علما بعد بالموقف الإسباني الأخير الذي يؤكّد جدّية الطرح المغربي في ما يتعلّق بالحكم الذاتي الموسّع للأقاليم الصحراويّة، وهو موقف يشكل منعطفا أساسيا على طريق سير أوروبا كلّها في هذا التوجه الواقعي.

تستأهل الجزائر ويستأهل الجزائريون نظاما أفضل من النظام القائم الذي يريد الترويج لخزعبلات من نوع أن تجربة الديمقراطية في الولايات المتحدة والجزائر تجربة واحدة. لا يعرف الرئيس الجزائري أن لغة الأرقام هي التي تتكلّم في نهاية المطاف. تقول لغة الأرقام إن الجزائر بددت أموالها في مشاريع لا فائدة منها وإنّ النظام القائم هو نظام يتحكّم به العسكر والقادة الأمنيون. هؤلاء، مع حلفاء لهم من طبقة رجال الأعمال، أسرى الفساد والمتاجرة بقوت الشعب الجزائري.

يعرف الشعب الجزائري تماما أن الحدود مغلقة مع المغرب لأنّ النظام لا يريد السماح له بمشاهدة الفارق بين نظام متصالح مع شعبه وبين نظام جزائري يعتقد أن تصدير أزماته إلى خارج حدوده كفيل بتأجيل هذه الأزمات وترحيلها بدل السعي إلى إيجاد حلول لها!

*عن صحيفة العرب اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى