الاستغلال الجنسي للأطفال.. جرائم تهز المجتمع المغربي

هزت حادثة اغتصاب وقتل الطفل عدنان بوشوف في طنجة، أخيرا، الرأي العام في المغرب، لتعيد النقاش مجددا حول تنامي ظاهرة الاعتداء الجنسي بحق الأطفال والقاصرين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد.

اعتداءات جنسية في تصاعد

كان أمل أسرة الطفل عدنان كبيرا في رؤيته مجددا بعد اختفائه حينما هم بالخروج لاقتناء دواء من الصيدلية، خاصة بعد انخراط نشطاء مواقع التواصل في حملة للبحث عنه على أمل العثور عليه سالما، إلا أن الصدمة كانت كبيرة حينما عثرت السلطات الأمنية على جثته ليلة السبت 12 سبتمبر الماضي، ليتبين لاحقا تعرضه للاعتداء الجنسي والقتل من طرف شخص كان يرافقه، وهو نفس الشخص الذي رصدته كاميرات المراقبة وجرى تداول صورتهما على نطاق واسع من أجل تسهيل عملية البحث عن الطفل.

وخلفت قضية الفقيه المتحرش بالأطفال والمتهم باغتصاب 6 طفلات قاصرات داخل كتاب قرآني بضواحي طنجة، سخطا شعبيا عارما، والذي كشف أمره بعد أن تقدمت أربع طفلات من اللواتي تعرضن للاغتصاب بشكوى قضائية.

الطفل عدنان الذي تم اغتصابه وقتله في طنجة

وجرى قبل أيام توقيف خمسيني متلبسا بمحاولة اغتصاب طفل في مكان خال بمدينة طنجة، فيما تم تسجيل اختفاء عدد من الأطفال في جهات مختلفة.

مسؤولية مشتركة

يرى الفاعل الجمعوي في مجال الطفولة، هشام بوقشوش، أن ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال قديمة وحاضرة لكن سياقات بروزها الاجتماعية ووسائل تسليط الضوء عليها هي التي اختلفت مما جعل القراءة البسيطة تذهب نحو  القول بتصاعدها.

وقال بوقشوش ل”صحراء ميديا المغرب”، إن قضية الاعتداءات الجنسية على الأطفال من القضايا التي تثير الجدل مرة بعد أخرى،لأن جل القضايا المرتبطة بالجانب الأخلاقي والقيمي غالبا ما تؤجج الجانب الانفعالي لدى الرأي العام، وهو ما يمكن أن يفسر حجم الغليان المجتمعي والاحتقان الجماهيري.

وحول كيفية التصدي للظاهرة، يقول بوقشوش:” الأمر يسائل المنظومة القيمية والتنشئة الاجتماعية والنفسية لأفراد المجتمع المغربي بمختلف شرائحهم العمرية، إلى جانب عمل المؤسسات الاجتماعية من أسرة ومدرسة وشارع، و عمل الدولة قطاعيا في كل المجالات التربوية والنفسية والاجتماعية والحقوقية الموجهة للأفراد والجماعات في ظل السياقات السياسية المؤثرة في كل أنواع الجرائم بالمجتمع كلها بما فيها الاعتداء الجنسي على الأطفال، وكذا عمل منظمات المجتمع المدني والإعلام الموجه للعموم والأطفال على الخصوص في ظل الإقبال على الوسائط الالكترونية منه”.

هشام بوقشوش، فاعل جمعوي في مجال الطفولة

وبشأن مطالب تطبيق عقوبة الإعدام كوسيلة لمحاصرة الظاهرة، يرى الفاعل الجمعوي أن القانون الجنائي المغربي متقدم بما فيه الكفاية،إلا أن المقاربة الردعية والزجرية تظل قاصرة عن تبليغ المجتمع إلى المستويات التي يبتغيها في الأمن الجنسي لأطفاله، وبالتالي عدم منع تزايد حالات الاعتداء.

وقال بوقشوش:”هي مقاربة قاصرة لأنها تلغي المسؤولية الفردية والأسرية ومسؤولية الدولة بكل الواجبات الموكولة لها بالأساس، عقوبة الإعدام كحل لن تلغي الظاهرة وإلغاؤها لن يكن سببا رئيسيا في تناميها، لكن المقاربة القانونية ستكون فاعلا في مواجهتها مع اعتماد المقاربات التربوية والنفسية والاجتماعية، علما أن المغرب يمتلك رصيدا يمكن أن يطور منه ذاته وآليات تدخله ومعالجة قضاياه باستثمار رصيده الحضاري والديني والاجتماعي، من دون تبني ممارسات بعض الدول الأخرى التي تحمل سياقات اجتماعية وعملية مختلفة”.

بدورها، تعتبر نجية أديب، رئيسة جمعية”ماتقيش ولادي”، أن دور الجمعيات إزاء التصدي للظاهرة يشمل  التحسيس والتوعية، على اعتبار أن الجمعية تمثل حلقة من سلسلة تبدأ من حلقة الأسرة التي لها دور كبير في تسليح ابنها بأسلحة وقائية كي لا يتم التغرير به، فضلا عن المدرسة التي يجب عليها أن تلقن الاطفال طرق عدة تقيهم الاغتصاب، وكذا دور المؤسسات الحكومية التي تعني بالطفل والإعلام.

نجية أديب، رئيسة جمعية”ماتقيش ولادي”

وحول ما وصفه البعض بالتعتيم الإعلامي الذي رافق اختفاء طفلة بزاكورة لمدة أربعين يوما قبل العثور على جثتها، تقول أديب متسائلة:”ألم يوجد بمنطقة زاكورة جمعيات لتتواصل وتخبر الرأي العام باختفاء الطفلة نعيمة لمدة شهر. لماذا لم يخبرونا ولم يخبروا الوسائل الإعلامية ولم يكتبوا ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي لكي نقوم كلنا بما يتوجب علينا القيام به في الوقت المناسب؟ لمَ لمْ يتواصلوا معنا في حينه؟ فكلنا مسؤولون بدءا من الأسرة والمواطن العادي، لذا يتوجب علينا العمل بشكل تشاركي لمحرابة هذا الوباء الذي ينخر مجتمعنا”.

تدخل الوزارة

في غضون ذلك، أعلنت وزارة الدولة المكلفة حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان عن  تنظيم لقاءات تشاورية مع  القطاعات الحكومية والمؤسسات والهيئات المختصة، من أجل تدارس الحصيلة الوطنية في مجال حماية حقوق الطفل.

وأشارت الوزارة في بيان لها، إلى دراسة آليات ووسائل الحماية والوقاية من الانتهاكات والنواقص والخصاص المحتمل في التشريع والممارسة في هذا الشأن، بعد تعدد جرائم اغتصاب وقتل الأطفال، تفاعلًا المطالب المجتمعية من أجل تعزيز سبل الوقاية والحماية من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، ولاسيما تلك المتعلقة بالعنف الجسدي والاعتداءات الجنسية، بمزيد من الجدية والحزم والمسؤولية.

الجانب القانوني

ينصّ القانون الجنائي المغربي على معاقبة أفعال هتك عرض أو محاولة هتكه، مرتكبة في حقّ كلّ طفل أو طفلة تقلّ سنّه عن 18 عاماً، بعقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات بحسب الفصل 484 من القانون الجنائي.

وتتضاعف العقوبة في حالة اقتران هتك العرض بالعنف ضدّ الطفل الذي تقلّ سنّه عن 18 عاماً أو العاجز أو المعاق أو المعروف بضعف قواه العقلية، فيُحكم على الجاني بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين. أمّا الاغتصاب المرتكب في حقّ فتاة تقلّ سنّها عن 18 عاماً أو العاجزة أو المعوّقة أو المعروفة بضعف قواها العقلية أو الحامل، فيُعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة.

وتتضاعف هذه العقوبة إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممّن لهم سلطة عليها أو وصاية عليها أو ممّن يقدّمون خدمة بالأجرة ونتج عن هذا الاغتصاب فضّ بكارة المجني عليها، بالتالي تتراوح مدّة السجن بين عشرين وثلاثين سنة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى