اكتئاب وضغط نفسي يفاقم معاناة “مرضى كورونا” في المغرب

الساعة تشير إلى الثانية عشر زوالا، حركة غير عادية يشهدها المركز الصحي باب خميس في مدينة سلا، في ظل تقاطر أعداد المواطنين بين من ينتظرون دورهم للحصول على الأدوية الخاصة بفيروس كورونا وآخرون يودون إجراء فحص للتأكد من مدى إصابتهم بالفيروس من عدمه.

توتر ومعاناة

يبدو أحد الشباب غاضبا جراء تأخر قدوم الطاقم الطبي والتمريضي في الموعد المحدد، خاصة أنه انتظر زهاء ثلاث ساعات، قبل أن يبادر أحدهم بالرد عليه:”هم يبدؤون عملهم في منتصف النهار عادة، بالنسبة للحالات الخاصة بكورونا، حيث يقومون بتوزيع الأدوية وأحيانا الاكتفاء بتوزيع الوصفة الدوائية لاقتنائها من الصيدلية، فيما يتم إجراء تخطيط لنبضات القلب إذا تعلق الأمر بالأشخاص المسنين، خوفا من تسبب الدواء في مضاعفات جانبية لهم”.

تأتي الطبيبة رفقة ممرضتين يجلسن في مكتب وهن يرتدين السترات الواقية في إطار التدابير الاحترازية الخاصة بالوباء، لتبدأ المناداة على المواطنين الذين يجلسون في كراس تحت خيمة تم نصبها على مقربة من بوابة جانبية للمركز.

مواطنون من مختلف الأعمار والفئات، مغاربة وأفارقة مقيمين بالمغرب، يحلون لوحدهم وأحيانا رفقة أفراد من أسرهم للحصول على الدواء الخاص بالمصابين والمخالطين.

تقوم الطبيبة المناوبة بتوزيع الوصفات الطبية على الأشخاص الذي ثبتت إصابتهم بالوباء، بعد قيامهم بإجراء الاختبار الخاص به، مع تنبيههم لضرورة التزام بالحجر الصحي في المنزل خلال فترة المرض.

تأتي إحدى السيدات مطالبة إياها بالحصول على الدواء لتفاجأ بأن المخزون الموجود في المركز تم استنفاذه وبالتالي فهي مطالبة باقتنائه من الصيدلية، على الرغم من عدم امتلاكها للمال الكافي لذلك، فيما تعبر أخرى مرفوقة بطفلتها عن امتعاضها جراء عدم قبول إجراء فحص لها للتأكد من مدى إصابتها بالفيروس.

تخبرها الطبيبة أن المركز لا يقوم بفحوصات كورونا إلا بالنسبة للأشخاص المسنين فقط، لتثور ثائرة السيدة قائلة:”أحتاج للقيام بالفحص بشكل عاجل، فأنا أعاني تقريبا من كل الأعراض الخاصة بالوباء، وزوجي كذلك، وفي الغالب، سنقوم بنقل العدوى لأبنائنا الذين يواظبون على الذهاب للمدرسة، فتخيلوا الكم الكبير الذي يمكنه الإصابة بالفيروس جراء انتقال العدوى من شخص لآخر”.

تحاول الطبيبة تهدئتها بالقول إنها سترى ما يمكن عمله عند حلول الثانية زوالا، بعد الانتهاء من معاينة الأشخاص الموجودين.

بالنسبة لأسماء، بدت المعاناة مضاعفة نفسيا وماديا، حينما أحست والدتها بتعب شديد، ألزمها الفراش ولم تعد تقوى على الأكل والحركة، خاصة أنها تعاني من مرض السكري المزمن، مما جعلها تشك في إصابتها بالفيروس، وبالتالي انتقالها لأحد المختبرات بالمدينة، بهدف إجراء اختبار تبلغ قيمته المادية 750 درهم.

عدم استجابة والدتها للدواء وتدهور حالتها الصحية جعلها تقوم بنقلها للمستشفى وهي في حالة جد حرجة، حيث مكثت لأيام قبل العودة لمنزلها ومتابعة علاجها.

خوف ورعب من”كوفيد 19″

في الجناح الخاص بمرضى كورونا بالمستشفى الإقليمي مولاي عبد الله في سلا، يبدو الوضع أكثر تعقيدا، حزن وأوضاع نفسية سيئة للمصابين، ضغط كبير على الهيئات الطبية والتمريضية، مع تزايد أعداد حاملي الفيروس، خوف ورعب لدى مرضى آخرين رفقة أقاربهم ممن يلجون الجناح بشكل خاطئ، فور علمهم بكونه يضم مصابين بكوفيد 19.

تحل سيدتان بالجناح وتجلسان في الكراسي المخصصة للانتظار، قبل أن تهرولا بشكل سريع، بعد تحذير إحدى المريضات لهما بالخروج فورا من المكان.

تخاطبهما إحدى الحاملات للفيروس، وهي سيدة ثلاثينة، أم لطفلين:”أتبحثان عن الموت أماذا، هذا الجناح مخصص لمرضى كورونا فقط، إذا كانت إحداكما تعاني من مرض آخر فلتسأل خارجا عن الجناح الذي يمكنها قصده”.

معاناة هذه الشابة مع مرض الربو وكورونا معا جعلها في حالة قلق دائم على وضعها الصحي وكذا وضع أبنائها، لكونها مضطرة للوجود في المستشفى لاستكمال علاجها بعيدا عن فلذات أكبادها.

تحكي بحرقة كبيرة:”أشعر بضيق كبير في التنفس وأسعل كثيرا حد الاختناق، لا أريد أن أموت وأترك أبنائي لوحدهم في هذه الدنيا، ما زالوا صغارا يحتاجون لوجودي بقربهم، لن يجدوا من يعطف عليهم ويحبهم مثلي”.

محاولة طمأنة هذه السيدة تبدو من سابع المستحيلات، قدوم الطبيبة المختصة لمراقبة حالتها الصحية والرفع من معنوياتها، لم يهدئ من روعها، حيث انخرطت في موجة بكاء هستيري، وهي تسعل بشكل حاد يكاد يحبس أنفاسها.

لا تبدو فاطمة (اسم مستعار) أحسن حالا من السيدة السابقة، فعلى الرغم من قدومها رفقة زوجها للحصول على حصة من الأوكسجين بسبب ما تعانيه من ضيق التنفس، إلا أنها لم تخف قلقها من تدهور حالتها الصحية.

تقول فاطمة:”عائلة زوجي يكرهونني، وها قد وجدوا العذر مناسبا لإبعادي عنه، ما يهمني في الأمر هو أولادي، أخشى أن أموت ويعانوا من بعدي”.

تصف فاطمة معاملة أقارب زوجها لها ب”السيئة”، خاصة مع مرضها، حيث يقومون بتحريضه على الابتعاد عنها بدعوى أنها ستنقل العدوى لجميع أفراد العائلة.

بين الفينة والأخرى، يسمع صراخ مصابة أخرى من شدة الألم، وهي تطالب بشرب قليل من الماء، قبل أن تبادر إحدى السيدات التي تزور قريبا لها، بمنحها قنينة ماء صغيرة، ليتبين لاحقا أنها تعاني من سرطان الدم إلى جانب إصابتها بكورونا، وهو ما يدفعها إلى الصراخ في محاولة إلى التضرع لله للتخفيف من آلامها الشديدة.

مواكبة نفسية

خصص أطباء وأخصائيون في الطب النفسي استشارات طبية لفائدة المواطنين المغاربة، وذلك منذ تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا في المغرب في 2 مارس الماضي، بهدف المساهمة في الحد من تداعياته على نفسية عدد كبير منهم.

في غضون ذلك، وضعت الجمعية المغربية للطب النفسي، في وقت سابق، رهن إشارتها أطباء، وأخصائيين في الطب النفسي من أجل معاينة، واستقبال نداءات المواطنين، والاستشارة عن وضعيتهم النفسية عبر الهاتف، نظرا للتداعيات النفسية التي خلفها انتشار الفيروس على المواطنين نتيجة الحجر الصحي والتدابير الاحترازية المشددة.

ويعد الإحباط والاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعا لدى المصابين بكورونا وكذا محيطهم الأسري والعائلي، نظرا لطول مدة المرض وشدة الأعراض التي تختلف حدتها من شخص لآخر، إلى جانب ألم فقدان أحد أفراد الأسرة من دون التمكن من وداعه عن قرب.

ويفاقم المرض من إحساس الفرد بالوحدة بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي والحجر الصحي الذي يفرض عليه العيش معزولا بمفرده، في الوقت الذي كان يقضي فيه وقته في السابق محاطا بأهله وأصدقائه ويمارس أنشطته اليومية بشكل طبيعي، ليتغير نمط حياته رأسا على عقب.

وينصح خبراء علم النفس بالتقليل من متابعة أخبار الجائحة التي تسبب التوتر لمواجهة تداعياتها النفسية والاجتماعية، إلى جانب الترفيه عن النفس بممارسة هوايات منزلية، كالمطالعة ومشاهدة الأفلام والاستماع للموسيقى وتناول قصص إيجابية لأشخاص تجاوزوا محنة المرض وعادوا لحياتهم الطبيعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى