“الطلاق”..كابوس يهدد استقرار الأسر المغربية

عرف المغرب، أخيرا، ارتفاعا ملحوظا في نسب الطلاق، مما يهدد استقرار الأسر وبنية المجتمع بشكل عام، وذلك نتيجة عدد من العوامل المختلفة.

تعددت الأسباب

الساعة تشير إلى الحادية عشر صباحا، تبدو فاطمة مرتبكة وغير مرتاحة نفسيا وهي تجلس بانتظار وكيل الملك بمحكمة الأسرة بسلا، تحاول بصعوبة مغالبة دموعها لكي لا تثير انتباه الناس حولها، وهي تسأل بين الفينة والأخرى عن موعد حضور الوكيل، قبل أن تتلقى مكالمة من والدتها تسألها فيها عن سبب خصامها مع زوجها الذي جاء لمنزل الأسرة يشكو معاملة ابنتهم غير اللائقة له.

تنتفض فاطمة بشكل واضح بعلو صوتها محاولة تفسير الأمر، لتلقي باللوم على زوجها الذي قرر فجأة تطليقها من دون سبب أو حتى مشاكل بينهما، متوعدة إياه بالانتقام وطرده من المنزل.

عن سبب هذا الجدال وعما إذا كانت هناك مشاكل أدت إلى طرح الطلاق، تقول فاطمة:”لانعاني من أي مشاكل أو ضغوط إطلاقا، كل ما في الأمر أنني عاينت وجود خطإ إملائي في كتابة الإسم العائلي لإحدى بناتي في ورقة إدارية، وحينما أخبرته بضرورة توجهي للمحكمة لحل هذا الأمر، قال لي استغلي إذن الفرصة وضعي طلبا للتطليق”.

تضيف فاطمة بتأثر شديد:”أحسست وكأنني طعنت بخنجر، لم أكن أتوقع ردة فعله مطلقا، لا أدري إذا ما كان ينوي الارتباط مجددا بأخرى، كل ما يهمني حاليا هو نفسي وبناتي، أحاول أن أستجمع قوتي لأعرف ما سأقوم به مستقبلا”.

بالنسبة لعائشة”اسم مستعار”، يبدو الأمر هينا، وهي التي حسمت أمرها في خيار التطليق من زوجها الذي يتفنن في إهمالها وإهمال طفلهما الصغير.

لم تفلح محامية زوجها ولا الوساطة القضائية في إقناعها بالعدول عن قرارها والتفكير في مستقبل الطفل والأسرة ككل.

تعتبر عائشة أنها استنفدت جميع الحلول والفرص المتاحة أمامها والتي لم يستغلها الزوج من أجل التقرب من أسرته والتعامل بمسؤولية وحزم تفرضه مؤسسة الزواج.

تقول عائشة:”تغاضيت منذ البداية عن أنانيته وإهماله لكنني لم أعد أطيق هذه السلبية في التعاطي مع الأمور من طرفه، لدرجة أنني مرضت وكنت طريحة الفراش ولم يكترث لحالي لولا تدخل أسرتي، لكن الأمر زاد عن حده بعد ولادة ابني، الذي وجد نفسه وحيدا في أول عيد ميلاد له في غياب والده الذي لم يشاركه فرحة عامه الأول، فضلا عن قساوته في التعامل معه وهو الذي لا يحادثه ولا يلعب معه، حيث لم يسبق لي أن رأيته يحضنه أو يبادله حنان الأب، وهو الذي يعاملني وكأننا غرباء عنه، يعود للمنزل ويذهب لغرفة معزولة بمفرده وكأنه جار لنا أو إنسان لا تجمعنا به أية صلة”.

أرقام مقلقة

بلغ عدد حالات الطلاق سنة 2017 في المغرب 100 ألف حالة سنويا، وفق إحصائيات قدمتها الشبكة المغربية للوساطة الأسرية، استنادا لبيانات لوزارة العدل، أي بمعدل 8333 حالة طلاق في الشهر، و 277 في اليوم و11.5 في الساعة، فيما بلغت قضايا النفقة 35 ألف حالة، مع تسجيل 35 ملفا متراكما في المحاكم.

واشتغلت الشبكة التي تضم حوالي 30 جمعية خلال السنة ذاتها على أزيد من 8000 حالة تتعلق بالطلاق وثبوت الزوجية، والحالة المدنية، والطرد من بيت الزوجية، حيث عملت على تحقيق الصلح ورأب الصدع بنسبة 40 في المائة.

تحولات مجتمعية

يرى فؤاد بلمير، قاض وباحث في علم الاجتماع، أن هناك أسبابا ودوافع مختلفة تؤدي إلى الانفصال والطلاق، من ضمنها ما هو اجتماعي وثقافي واقتصادي.

ويقول بلمير ل”صحراء ميديا المغرب”، إن التحولات التي شهدتها المرأة المغربية فضلا عن استقلاليتها المادية والاقتصادية جعل منظور الطلاق يختلف نسبيا لديها، في إشارة إلى تطور وضعيتها أخيرا، وتحديدا خلال العقدين الأخيرين، وهي المدة التي صادفت العشرين سنة من حكم الملك محمد السادس، حيث شهدت تقدما ملموسا بعدما راكمت عددا من المكتسبات الدستورية والسياسية والحقوقية والثقافية والتشريعية، منها مدونة المرأة وقانون محاربة العنف ضد النساء وغيرها، في تجربة متفردة على صعيد المنطقة العربية والإفريقية.

وزاد بلمير مبينا:”تعلم المرأة واقتحامها لمجالات عمل مختلفة جعل الأمور تخضع لمنطق اقتصادي، وكلها تحولات لم يستوعبها الذكور في المجتمع المغربي، والذين ينظرون في الغالب للمرأة ككائن بيولوجي تنحصر مهمتها في أداء وظائف معينة، حيث يفرض عليها إعادة نفس نمط العلاقات التي عاينها في منزل أسرته، لتبدأ المشاحنات بين الطرفين، وبالتالي اعتماد الطلاق كحل لإنهائها.

وحول دور الوساطة الأسرية في الحد من انتشار الظاهرة في المجتمع المغربي، يشير الباحث الاجتماعي إلى أهميتها، كعملية عرفت منذ القدم في البوادي والمناطق النائية، في تركيبات اجتماعية متعددة، تتم من طرف أشخاص مشهود لهم بالذكاء التواصلي، تجنبا للوصول إلى المحاكم، قبل أن تشهد تحولات مضطردة.

يقول بلمير:”وتشمل الوساطة القضائية تنظيم 3 جلسات أو أكثر تشهد حضور ممثلي الزوجين في محاولة لإيجاد حل وتفادي حصول الطلاق، والتي تأخذ منحى مغايرا باعتماد أساليب جديدة تشمل الميدان السوسيولوجي لتقريب وجهات النظر والخروج من الأزمة التواصلية الحاصلة والتي تنتج في الغالب عنفا بمختلف تجلياته من لفظي وغيره، مما يفكك أواصر هذه العلاقة الزوجية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى