أصيلة..خبراء يستعرضون عناصر قوة ومكامن ضعف الاتحاد الأوروبي

حجازي: هناك أزمة هوية إنسانية تتجاوز حدود أوروبا

تطرقت الجلسة الثانية من ندوة”أوروبا: بين نوازع القوة والخروج من التاريخ”، ، والخاصة بمقاربة عناصر القوة ومكامن ضعف الاتحاد الأوروبي والنظام الدولي، الأحد، إلى ضرورة تموضع القارة العجوز في نظام دولي متغير، مع تكاثف الجهود لمواجهة التحديات الكونية، وذلك في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي ال44، في دورته الخريفية.

“عملاق اقتصادي”

وشدد مصطفى حجازي، الخبير المصري في الاستراتيجية السياسية، على أن إعادة تموضع أوروبا لا تعني خروجها من التاريخ قياسا على المستقبل، فهي تتموضع ككتلة إنسانية لموقع جديد في التاريخ، علما أن الأمر يهم “عملاقا اقتصاديا ولكنه قزم سياسي”.

وأضاف حجازي:”نحن لسنا بصدد نظام جيو سياسي لكن تبادل بين إنسانيتين وهو ما حدث منذ  أكثر من 10 سنوات، بظهور جيل جديد من حيث النسق المعرفي والإنساني، غادرنا عصر الصناعة وما جرى في عواصم عربية، بإطلاق صيحات من جيل جديد، بأن القائم حولنا من الأفكار أصبح غير قابل على التعامل مع المستقبل”.

وزاد مبينا:”نتحدث عن سياق عالمي لاستخدام القوة، نحن بصدد أفكار وفلسفات مؤسسة للعصر الجديد، الذكاء الاصطناعي سيغير وجه الحياة في سنين قليلة، التحديات الموجودة الآن على مستوى التضخم لكن نتحدث في سنين قليلة عن تعويض البشر بآلات. هو وقت الحكمة غير التقليدية، ما نسمعه في أروقة النظم التقليدية للحكم، أهم ما نريده في البناء العربي هو ألا نكرر ما بنته أوروبا من 30 سنة، من خلال مؤسسة رابعة لحكم الشعوب، تشمل إرادة الناس”، مشيرا إلى قوة وسائل التواصل الاجتماعي داخل المجتمعات، مما يفرض وجود أطر رسمية تدبرها وإلا ستظل المجتمعات في حالة عدم اتزان.

شراكات كاملة

واعتبر حجازي أن قوة الاتحاد الأوروبي تكمن في كونه مهد لأفكار، أما تطويره فيوجب عليه مغادرة التصورات الاستعمارية التقليدية التي تنتج سياسات عكس مصالحه.

وقال حجازي:”إن لم يستطع أن يكون عملاقا سياسيا، عليه أن يكون له مكانا في قاطرة تطوير الأفكار وإقامة شراكات كاملة”.

وذكر حجازي أن هناك أزمة هوية إنسانية تتجاوز أوروبا، مما يعني أن الإنسانية في خطر، داعيا أوروبا القادرة على تأصيل الأفكار والمتفاعلة ثقافيا مع العالم العربي إلى الانخراط في نقاشات عميقة حول الهوية الإنسانية وليس فقط عبر الترجمة وتطوير المجال الثقافي.

أوبئة وصراعات

من جهته، أبرز باريس امادو، وزير خارجية البرتغال الأسبق، أن أهم مكمن للضعف في الاتحاد الأوروبي هو تحديات السياق العالمي، علما أنه لم يعد القوة التي كان يعول عليها قبل 20 سنة، وهو ما لا يمكن أن يتغلب عليه بسهولة في العقد المقبل, لافتا إلى أن الأمر يشمل أزمة خطيرة لا يستهان بها، في إشارة إلى الأوبئة والصراعات الجيو سياسية والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى الصراع بين أميركا والصين وروسيا المستمر زمنيا، مع التحديات التي تواجهها الإنسانية بشكل شمولي.

وقال امادو:”لا شك لدي أن العلاقات مع روسيا وأوكرانيا وجورجيا ستقودنا لحرب جديدة في أوروبا، قمنا بأخطاء كثيرة، منها فقدان الربط مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأيضا كيفية تعاملنا “الغبية”مع الأزمة في ليبيا”.

وأوضح امادو أن المواجهة بين أميركا والصين وروسيا ستمثل حالة جد معقدة بانتظار أسوإ سيناريو يمكن أن يعيشه البشرية.

ودعا امادو أوروبا إلى الاهتمام بالثقافة مثلا، عوض التركيز على استمرار مرحلة الهيمنة الطويلة من الغرب تجاه العالم.

التأقلم مع التحولات

بدوره، تناول عبد الله ساعف، مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط ووزير التربية الوطنية الأسبق، ضرورة توقف الاتحاد الأوروبي عن الهيكلة والبناء وبداية مرحلة التأقلم مع التحولات بقيادة خبرات أطره المحنكة.

وأفاد ساعف برغبة الاتحاد الأوروبي في تطوير العلاقات الثنائية مع المغرب، والتي تشهد طفرة نوعية في الآونة الأخيرة.

وسجل ساعف أن العلاقات مع أوروبا ليست بالحديثة، إذ عاشت أجيال سابقة التفتح الأوروبي، من خلال الدراسة بالجامعات ومواكبة الحقل الثقافي والصحفي والأدبي.

وقال ساعف:”الإيجابي في الاتحاد الأوروبي أنه يمثل لنا أفقا موثوقا به، لذا كان من الضروري التشبث بأوروبا وهو ما دعمته النخب باعتبارها شريكا تقدم فرصا لدول الجنوب.

وميز ساعف بين أوروبا قديمة سجلت تراجعها مقارنة مع أوروبا حديثة بصدد البناء، تطمح لتطوير علاقاتها مع دول الجنوب، والتي اتخذت منحى مختلفا، خاصة بعد مرحلة كوفيد.

وحصر ساعف معايير القوة في التفوق اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا وأن يكون للبلد أو المنظمة رسالة لبقية العالم، بوجود معايير وتصورات أخرى حددها الاتحاد الأوروبي، وتشمل تصوره للعالم الخارجي، معتبرا أن المغرب مثلا يؤمن بضرورة البناء انطلاقا من دول الجنوب وليس من الخارج، انطلاقا من رؤى متباينة للبلد الواحد، فهناك مثلا فرنسا المتفتحة وأخرى المنغلقة والمحافظة التي تركز على التمييز، وهو ما ينطبق على دول أوروبية أخرى لها نفس الرؤية.

وقال ساعف:”بالنسبة للمغرب، نحن نرى علاقاتنا مع أوروبا وفق مقاربة تشاركية مندمجة، فالاتفاقيات الموقعة بين الطرفين مثلا تهتم أساسا بإدماج المجال الخاص بالوحدة الترابية للمملكة، كنقطة أساسية لا محيد عنها”.

سياسة دولية

من جانبها، أكدت ديزيري كاسترز، باحثة هولندية في العلوم السياسية، على بروز قوى جديدة في السياق الدولي، إلى جانب أميركا والصين وروسيا، تهم دولا كتركيا والسعودية، تسعى لبناء شراكات وتطوير علاقات ثنائية ومتعددة الأقطاب وفقا لمصالحها.

ودعت كاسترز إلى تكوين سياسة دولية مشتركة مع اعتماد مشاريع اقتصادية تعود بالنفع على مؤسسيها، من دون إغفال العمل المشترك لمواجهة تحديات التغيرات المناخية و الهجرة التي من الصعب إيجاد حلول لها على المدى الطويل، مستندة إلى وجود أجيال جديدة في الاتحاد الأوروبي تمكنه من تطوير علاقاته مع دول العالم، برؤى وتصورات حديثة تواكب المستقبل.

وأفادت كاسترز بأهمية إقامة شراكات جديدة خاصة في المجال الثقافي، عن طريق البعثات الدراسية والجامعية في إطار التبادل الطلابي.

وقالت كاسترز:”همنا واحد وهو التداول في قضايا مشتركة كالتحديات المناخية والهجرة والأمن وغيرها، مما ينبغي إطلاق حوارات مكثفة، وهي دعوات لاحظتها من خلال جولاتي في الدول العربية وشمال إفريقيا من طرف شباب مؤمن بأهمية الحوار والتبادل مع الآخر”.

واعتبرت كاسترز أن العلاقة الثقافية بين الاتحاد الأوروبي والعالم الخارجي تعترضها إشكاليتين، تهمان أولا نظرة أوروبا للخارج بشكل اقتصادي وأمني، علما أن الثقافة لا تندرج ضمن قائمة أولوياتها، ثم بروز أزمة هوية وصراع ثقافات داخلها.

وباء كوني

أما نجيب فريجي، رئيس المعهد الدولي للسلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البحرين، فأشار إلى أن العجز الذي تشكو منه المؤسسات الدولية كالاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها يكاد يكون وباء كونيا، باعتراف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي اعترف أن المنظومة متعددة الأطراف تآكلت وحان وقت تجديدها، لكن الأمر يبدو أصعب أمام التحديات.

وقال فريجي:”لا مستقبل لنا دون عمقنا الإفريقي وهو ما فطن له المغرب مبكرا وعمل جاهدا على توسيع الاندماج وتطوير التعاون جنوب- جنوب”، مؤكدا دور الرياضة في السياق، في إشارة إلى تنظيم المغرب للأمم الإفريقية 2025 ومونديال 2030، مما يمنحه فرصة ثمينة لتقوية مبادراته التقدمية.

وندد فريجي باستمرار أوروبا في التعامل وفق الإرث الاستعماري الكولونيالي، في وقت يفرض عليها تغيير تصورها لمستعمراتها السابقة، وإحداث تصور يواكب كيفية التعامل مع القوى الكبرى، كالصين واليابان وأميركا وروسيا.

ميزان القوى

وأوضح فيليب باثي دوارتي، أستاد بكلية الحقوق- الجامعة الجديدة بلشبونة في البرتغال، أهمية تناول التحديات المستجدة التي تواجه الاتحاد الأوروبي، والتي يتحدد بناء عليها ميزان القوى وتغليب كفة دول دون أخرى.

وسجل دوارتي ضرورة العمل على تجاوز مخلفات الأوبئة وتأثيراتها السلبية على المجتمعات والإنسانية بشكل عام، في إشارة إلى كوفيد، وتأثيره الاقتصادي على القارة فضلا عن الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي تندرج ضمن سياق عالمي جديد.

من جهته، أفاد محمد بلماحي، سفير المغرب الأسبق لدى الهند وبريطانيا، أهمية أوروبا كشريك اقتصادي بالنسبة للمغرب، حيث تعتبر الشريك التجاري الأول للمملكة بحوالي 70 في المائة من الاستثمارات والمبادلات التجارية.

وقال بلماحي:”هناك شراكات واعدة مستقبلا مع دول أوروبا الشرقية، على المستوى التجاري وصلنا لمرحلة التشبع، والتي تهم تنويع اتفاقيات التبادل، هو عمل ما زلنا بصدد القيام به، مع إدماج اللغة الإنجليزية في منظومتنا التعليمية، إلى جانب التعاون مع دول “بريكس”، بالنظر لقرب المغرب من الهند اليوم، وهو ما تترجمه علاقات التعاون بين الجانبين.

ولفت بلماحي إلى أن الدبلوماسية لعبة بوجهين، عن طريق التعامل مع الجميع مع التركيز على فلسفة الربح المتبادل والمصلحة المشتركة.

واعتبر يونس معمر، خبير في الطاقة ومدير عام المكتب الوطني للكهرباء سابقا، أن أوروبا متطورة اقتصاديا وهو أمر لا يمكن إنكاره، بالنظر لأهميتها والدور الذي تضطلع به عالميا.

وركز معمر على أن الحل لتجاوز الأزمات العالمية خاصة الاقتصادية منها يكمن في التأسيس لمقاربة شاملة متعددة الأطراف، مبنية على التكامل والانسجام بين عناصرها.

وخلص معمر بالقول:”علينا النظر للجانب الإنساني الشمولي، فالحرب في المستقبل ستهم أساسا مواجهة التحديات المشتركة من إرهاب وتغيرات مناخية وغيرها، وهو ما يسائلنا جميعا من دون استثناء”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى