الملك محمد السادس: وضع العلاقات المغربية-الجزائرية ليس في مصلحة الشعبين
قال إنه يتقاسم مع المغاربة نفس الألم جراء صعوبة المرحلة التي تفرضها الجائحة
أفاد الملك محمد السادس أن الوضع الحالي للعلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر غير مرض وليس في مصلحة الشعبين، فضلا عن كونه غير مقبول من طرف العديد من الدول.
وجدد الملك محمد السادس، في خطابه للشعب المغربي، مساء اليوم السبت، بمناسبة عيد العرش، دعوته للجزائر للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار، وكذا مواصلة جهوده من أجل توطيد الأمن والاستقرار، في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة في جواره المغاربي.
وقال الملك محمد السادس:” فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين، لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، التي تنص على حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله، وقد عبرت عن ذلك صراحة، منذ 2008، و أكدت عليه عدة مرات، في مختلف المناسبات، خاصة أنه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق، ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا، على استمراره؛ أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا”.
وأوضح الملك محمد السادس أنه ليس هناك أي منطق معقول، يمكن أن يفسر الوضع الحالي، لا سيما أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود، أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم، أي مبرر مقبول.
ومضى مبينا:”نحن لا نريد أن نعاتب أحدا، ولا نعطي الدروس لأحد؛ وإنما نحن إخوة فرق بيننا جسم دخیل، لا مكان له بيننا. أما ما يقوله البعض، بأن فتح الحدود لن يجلب للجزائر، أو للمغرب، إلا الشر والمشاكل؛ فهذا غير صحيح. وهذا الخطاب لا يمكن أن يصدقه أحد، خاصة في عصر التواصل والتكنولوجيات الحديثة”.
واعتبر الملك محمد السادس أن الحدود المغلقة لا تقطع التواصل بين الشعبين، وإنما تساهم في إغلاق العقول، التي تتأثر بما تروج له بعض وسائل الإعلام، من أطروحات مغلوطة، بأن المغاربة يعانون من الفقر، ويعيشون على التهريب والمخدرات، خاصة أنه بإمكان أي واحد أن يتأكد من عدم صحة هذه الادعاءات، لا سيما أن هناك جالية جزائرية تعيش في المملكة، وهناك جزائريون من أوروبا، ومن داخل الجزائر، يزورون المغرب، ويعرفون حقيقة الأمور.
وقال الملك محمد السادس:”أنا أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا، لذلك، نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره، والعكس صحيح، فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر؛ لأنهما كالجسد الواحد. ذلك أن المغرب والجزائر، يعانيان معا من مشاكل الهجرة والتهريب والمخدرات، والاتجار في البشر. فالعصابات التي تقوم بذلك هي عدونا الحقيقي والمشترك، وإذا عملنا سويا على محاربتها، سنتمكن من الحد من نشاطها، وتجفيف منابعها”.
وعبر الملك محمد السادس عن أسفه للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، والتي تسيء لصورة البلدين، وتترك انطباعا سلبيا، لا سيما في المحافل الدولية، داعيا إلى تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات البلدين، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين الشعبين، علما أن الأمر يهم توأمان متكاملان وليس فقط دولتين جارتين.
على صعيد ذي صلة، جدد الملك محمد السادس دعوته للرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها الشعبان، عبر سنوات من الكفاح المشترك.
واشار الملك محمد السادس إلى أن تخليد الذكرى ال22 لعيد العرش تجسد روابط البيعة المقدسة، والتلاحم القوي، الذي يجمع على الدوام، ملوك وسلاطين المغرب بأبناء شعبهم، في كل الظروف والأحوال، علما أن الأمر يشمل دولة عريقة، وأمة موحدة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ، فالمغرب قوي بوحدته الوطنية، وإجماع مكوناته حول مقدساته، إلى جانب مؤسساته وطاقات وكفاءات أبنائه، وعملهم على تنميته وتقدمه، والدفاع عن وحدته واستقراره، مما يعكس هذا الرصيد البشري والحضاري المتجدد والمتواصل، والذي مكنه من رفع التحديات، وتجاوز الصعوبات، عبر تاريخه الطويل والحديث.
وأعرب الملك محمد السادس عن شكره لكل الفاعلين في القطاع الصحي، العام والخاص والعسكري، وللقوات الأمنية، والسلطات العمومية، على ما أبانوا عنه من تفان وروح المسؤولية، في مواجهة وباء كوفيد 19.
وقال الملك محمد السادس:”إنها مرحلة صعبة علينا جميعا، وعلي شخصيا وعلى أسرتي، كباقي المواطنين، لأنني عندما أرى المغاربة يعانون، أحس بنفس الألم، وأتقاسم معهم نفس الشعور”.
وأشار الملك محمد السادس إلى إطلاقه عدد من المبادرات والحلول للحد من آثار الأزمة التي أثرت بشكل سلبي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، منها إحداث صندوق خاص للتخفيف من تداعياته، لقي إقبالا تلقائيا من طرف المواطنين، وخطة إنعاش الاقتصاد، من خلال دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، بتقديم مساعدات مادية مباشرة، فضلا عن إنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار، للنهوض بالأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل مختلف المشاريع الاستثمارية.
وأوضح الملك محمد السادس أن من حق المغاربة الاعتزاز اليوم بنجاح بلدهم في” معركة الحصول على اللقاح”، التي ليست سهلة على الإطلاق، وكذا بحسن سير الحملة الوطنية للتلقيح، والانخراط الواسع للمواطنين فيها، بالإضافة إلى إطلاق مشروع رائد في مجال صناعة اللقاحات والأدوية والمواد الطبية الضرورية بالمغرب، إيمانا بأن السيادة الصحية عنصر أساسي في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد، إلا أن كل ذلك لا ينفي ضرورة مواصلة اليقظة واحترام توجيهات السلطات العمومية في ظل استمرار الوباء والأزمة التي يخلفها.
واعتبر الملك محمد السادس أن الاقتصاد الوطني يسجل مؤشرات إيجابية على طريق استعادة قدراته الكاملة، بفضل هذا المجهود الوطني الجماعي.
وزاد الملك محمد السادس مبينا:”وقد تعززت هذه الوضعية، والحمد لله، بنتائج الموسم الفلاحي الجيد، الذي أنعم به الله علينا؛ والذي يساهم في توفير المنتوج الفلاحي الوطني، وإشاعة روح الطمأنينة لدى المواطنين، ويأتي هذا التطور الملحوظ، في سياق واعد، بعد تقديم اللجنة الخاصة للنموذج التنموي لمقترحاتها، التي تسمح بإطلاق مرحلة جديدة، لتسريع الإقلاع الاقتصادي، وتوطيد المشروع المجتمعي، الذي نريده لبلادنا”.
في غضون ذلك، أشاد الملك محمد السادس بالعمل الوطني البناء الذي قامت به اللجنة، بمشاركة القوى الحية للأمة، من أحزاب سياسية، وهیآت اقتصادية ونقابية واجتماعية، ومجتمع مدني، وعدد من المواطنين، من أجل تنفيذ هذا النموذج، الذي يعد مسؤولية وطنية، تتطلب مشاركة كل طاقات وكفاءات الأمة، خاصة تلك التي ستتولى المسؤوليات الحكومية والعمومية، خلال السنوات المقبلة.
وقال الملك محمد السادس:”وإننا نتطلع أن يشكل”الميثاق الوطني من أجل التنمية”، إطارا مرجعيا، من المبادئ والأولويات التنموية، وتعاقدا اقتصاديا واجتماعيا، يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب، وبصفتنا المؤتمن على مصالح الوطن والمواطنين، سنحرص على مواكبة هذا التنزیل، بما يلزم من إجراءات وآليات”.