الأحزاب المغربية تراهن على “التواصل الاجتماعي” في زمن”كورونا”

اليحياوي: عنصر دخيل وتكميلي

برز دور وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير تزامنا مع الحملة الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية استعدادا لاستحقاقات يوم 8 سبتمبر الحالي، خاصة في ظل الظرفية الاستثنائية التي تشهدها البلاد جراء تفشي وباء كورونا، وما يفرضه من تدابير احترازية لمكافحته.

وركزت الأحزاب المغربية على هذه الوسائل لضمان أكبر تغطية ممكنة لأنشطتها بهدف التواصل مع المواطنين في جميع المناطق والجهات، عن طريق بث تصريحات وخطابات لأمنائها العامين، فضلا عن استعراض برامجها والتعريف بمرشحيها، فضلا عن نشر ملصقات وصور ومقاطع مصورة للدعاية لها واستقطاب الناخبين.

إغراق واسع بالمضامين الانتخابية

في سياق ذلك، قال الأكاديمي والمحلل السياسي، محمد بودن، ل”صحراء ميديا المغرب”، إن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت لصيقة بالسياسة، ذلك أن الكثير من الأنشطة السياسية والخطابات السياسية تمر عبرها، مشيرا إلى أنه بالرغم من عدم الاستعداد الملاحظ في طريقة تعاطي عدد من الأحزاب وممثليهم مع شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن المنشورات والصور والشعارات الانتخابية تؤكد أن أحزابا أخرى تبذل جهودا كبيرة للتسويق والترويج لنفسها وبرامجها في الفضاءات الرقمية.

وذكر بودن أن هذه الشبكات تعرف إغراقا واسعا بالمضامين والمحتويات الانتخابية، من منطلق كمي ومن دون معايير واضحة لاستهداف الناخبين والأجيال الشابة التي تنشط في منصات ما يسمى بالإعلام البديل.

وقال بودن:” شبكات التواصل الاجتماعي اليوم تحولت إلى منتدى انتخابي عام أو سوق رقمية للعروض الحزبية”.

وأفاد بودن أن قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على نشر الأخبار بسرعة تؤدي إلى تطوير طريقة استيعاب البرامج والأفكار، بالمقابل، تظل الحملة الانتخابية على هذه الوسائط بلا حدود وليست في نطاق دائرة انتخابية معينة، ولهذا ظهرت الكثير من الطرائف الانتخابية على شبكات التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يعتبر فيه اللقاء المباشر مع الناخبين مسألة لا تقدر بثمن بالنسبة لعدد من المرشحين الذين يتطلعون إلى التأثير على الرأي العام المحلي في دائرة انتخابية معينة وضمان تأييد واسع.

وبالرغم من هذا التحدي الكبير لبعض الأحزاب والمرشحين والناخبين، أشار بودن إلى وجود ممارسات يمكن أن تضمن انتشارا على المنصات الرقمية والاجتماعية.

وزاد مبينا:”يمثل الفيديو المباشر على فيسبوك وأنستغرام ويوتيوب وسيلة للتفاعل مع الناخبين وغير الناخبين على حد سواء والتواصل مع الناس الذين لا تحظى قضاياهم بتغطيات كافية من الإعلام، إلى جانب وجود نهج استباقي ضد المعلومات المزيفة والمضللة والادعاءات الكاذبة والاعتماد على مستشارين في القانون والتواصل السياسي والاتصال الجماهيري”.

الاهتمام بالمنصات الحديثة

وقال بودن إن النقطة الثالثة تشمل ضرورة اهتمام الأحزاب السياسية بالمنصات الحديثة العهد. وأضاف:” صحيح ان فيسبوك وتويتر يمثلان اليوم منصتان لنشر الأفكار السياسية، لكن ثمة فئات عمرية تنتمي لجيل الألفية وما بعده لهم إقبال على انستغرام وتيكتوك، فضلا عن بذل الأحزاب والمرشحين قصارى الجهود في طرح الأسئلة، لكونها طريقة جيدة لتعزيز المشاركة على شبكات التواصل الاجتماعي وإظهار الرغبة في الاستماع إلى الناخبين وتطوير ردود على أسئلتهم وليس نشر الصور فقط.

وحول إمكانية تنفيذ الأحزاب للوعود الانتخابية التي تقدمها في ظل الجائحة وما تطرحه من تحديات، اعتبر المحلل السياسي أن بارومتر قياس برامج أو وعود الأحزاب يقدم مؤشرات متشابكة ومتقلبة، ولذلك كان المطلوب دائما من الفاعل السياسي أن تكون طموحاته المعلنة وغير المعلنة منسجمة مع واقع اليوم عبر تقديم الإسهام المطلوب لدعم البلاد في مواجهة الجائحة وتداعياتها المتعددة الأبعاد.

وأضاف بودن:”ثمة رهانات كبيرة تواجه الفاعلين السياسيين من بينها رهان التغلب على حكاية طويلة مرتبطة بفكرة السياسة لدى الرأي العام، ثم هناك بعض الأطراف لم تتجاوز مرحلة إنتاج أفكار سياسية قائمة على التبسيط والعمومية إلى مرحلة بناء تقديم حلول واقعية وخلق فرز موضوعي بين قضايا الجماعة والجهة والبرلمان، لذا فترسيخ المعاني الإيجابية للسياسة في هذه اللحظة الدقيقة مهم جدا من أجل عبور الكثير من المحطات نحو المستقبل”.

ولفت بودن إلى أن السياق المتزامن مع الدخول السياسي الحالي محاط بتحولات اقتصادية واجتماعية عميقة تلزم الأحزاب السياسية بالتمسك بها، وبالتالي يفترض أنها أبدعت في تقديم عروض سياسية تجيب عن أسئلة اللحظة وتقدم البدائل اللازمة من أجل إقناع الناخبين بالذهاب للصناديق وبناء الثقة تدريجيا.

استخدام من باب”الموضة”

من جانبه، ذكر الباحث في علوم الاتصال، يحيى اليحياوي، ل”صحراء ميديا المغرب”، أن استخدام الوسائط الرقمية في الحملة الانتخابية تعد عنصرا تكميليا وليس أساسيا، علما أن القنوات التلفزيونية كانت هي المنصة المفضلة قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن رهان الأحزاب يركز على طرق أبواب المنازل وتوزيع المنشورات، ليظل استخدام هذه الوسائل من باب “الموضة” فقط.

وأضاف اليحياوي متسائلا:”علينا أولا معرفة طبيعة الجمهور المستهدف وماهية الرسالة وهل هي موجودة فعلا؟ خاصة أننا نعاين فقط تداول صور وملصقات وليس برامج حزبية، مع اعتماد نفس الخطابات التي يجري بتها في الإذاعة والتلفزيون”.

وقال اليحياوي:”هذه الشبكات تظل عنصرا دخيلا على الانتخابات، مما يفرض ضرورة إنجاز دراسات إحصائية ميدانية مدققة من طرف الأحزاب السياسية لتحديد الفئة المستهدفة وطبيعة الرسالة التي يودون توجيهها ومدى تأثيرها وإذا ما كان هناك رجع للصدى.

واعتبر اليحياوي أن المشكل في المغرب من هذا المنطلق يتمثل في عدم وجود مراكز للرصد، خاصة أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والمراكز العاملة في مجال الإعلام والاتصال وكذا مؤسسات التعليم العالي لا تركز على هذه الجوانب، بوجود حاجة ملحة لمقاربة تأثير الشبكات الاجتماعية، وهو ما يفرض بدوره توفير ميزانية معقولة ودراسات ميدانية، لمعرفة مدى وكيفية تأثيرها على العملية الانتخابية.

وحول بروز”الأحرار” بشكل كبير في العالم الرقمي، قال اليحياوي:”اكتساحهم يتعدى هذا المجال ليصل إلى مجالات أخرى تشمل السوق والسياسة والمال، دخولهم بقوة لهذه الشبكات أمر جيد يحسب لهم، يدل على بداية الوعي بدور هذه الأدوات، وهنا أشير إلى أن الانتخابات الأميركية في عهد أوباما مرت كلها عبر”فيسبوك”.

وبشأن إمكانية تأثير الوسائط الرقمية على المشاركة السياسية ونتائج الانتخابات، يرى الباحث في علوم الاتصال أنه لا يمكن الحسم في هذا الأمر، لأنه يهم مجتمعا مركبا، فقد يقر أحدهم بالتصويت على حزب معين ويغير رأيه لاحقا يوم الاقتراع.

ودعا اليحياوي المسؤولين عن المؤسسات الكبرى في البلاد من وزارة الداخلية والإعلام والباحثين في مراكز الدراسات الاستراتيجية وغيرها إلى إعداد تقرير بدراسة جدلية تعطي نتائج حول العملية الانتخابية للاستئناس والمعرفة.

“العدالة والتنمية” قد يخلق المفاجأة

من جهته، يقول الباحث والأستاذ الجامعي والبرلماني السابق، عبد الصمد بلكبير، ل”صحراء ميديا المغرب”، إن من المفارقات الواضحة في هذا الجانب، هو مراهنة الحزب الإسلامي الذي يعتبر أكثر قدما من حيث الاحتكام لهذه الوسائل، لتكتشف الأحزاب الأخرى التي ترفع راية الحداثة متأخرة أنها قامت بالتقصير، علما أنها أرجعت في وقت سابق نجاحات حزب العدالة والتنمية إلى الكتائب الإلكترونية، وهو ما يعتبر مسألة صحيحة في جزء كبير منها.

وأشار بلكبير إلى تدارك أحزاب الدولة لهذه الثغرة خلال الاستعداد للانتخابات المرتقبة في 8 سبتمبر الحالي، وهو ما يتضح بصورة كبيرة لدى حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي لم يعد يراهن على الكتائب الداخلية، بل استعان بخبرة أميركية عالية المستوى، وهو ما استلزم ميزانية مالية ضخمة، مكنته من الحضور في جميع وسائل التواصل عن بعد.

وأفاد بلكبير أن استخدام وسائل غير تقليدية يخلف نوعا من الديكتاتورية إعلاميا، وبالتالي إظهار درجة عالية من الضغط تصل لحد غسيل الدماغ، وهو ما ينطبق على”الأحرار” الذي يظل حاضرا بكثافة في كل لحظة.

على صعيد ذي صلة، اعتبر بلكبير أن الوقت ما زال مخصصا للوسائل التقليدية التي تحتفظ بقنواتها وتأثيرها على المواطنين.

وحول توقعاته بشأن النتائج الانتخابية في ظل ما تشهده الوسائط الرقمية من منافسة، قال بلكبير:”المفاجأة ممكنة ولا يمكن أن تأتي إلا من حزب العدالة والتنمية، الناس إذا حسوا بالإهانة والانتقاص منهم بسبب توظيف الأموال من المحتمل أن يقوموا برد فعل مغاير يوم الاقتراع”.

وزاد مبينا:”وخير مثال على ذلك نتائج الانتخابات السابقة، حيث وفر حزب الأصالة والمعاصرة جميع الوسائل لتحقيق النجاح لكنها ارتدت عليه في الأخير”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى