إصدار جديد حول التغطية الصحفية لأشغال مجلس النواب
أصدر الصحفي يونس مسكين دليلا للصحافيين حول تغطية أشغال مجلس النواب.
واعتمد الدليل منهجية تجمع بين المقاربة القانونية من خلال تقديم صورة شاملة حول أدوار وخصائص وطرق اشتغال مؤسسة مجلس النواب، باستحضار اهتمامات ومجال اشتغال الصحافيين، ثم مقاربة مهنية إعلامية مقارنة، تتمثل في مسح شامل للتجارب الدولية، وتقديمها في قالب مبسط ومنهجية عملية تلامس مختلف جوانب العمل الصحافي في علاقته بتغطية مؤسسة برلمانية كمجلس النواب.
واعتبر الدليل أن تتبع أعمال هذه المؤسسة الحيوية في النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي يقع في صلب العمل الصحافي ومهام تنوير الرأي العام، ويتطلب استيعابا لأدوارها الرمزية والفعلية في الحياة السياسية.
ويشير الدليل إلى أهمية هذه المؤسسة البرلمانية باعتبارها صانعة للقوانين، علما أن الدستور المغربي يعطي الحق لكل من الحكومة والبرلمان في المبادرة بالتشريع أي إعداد القوانين، في ميادين متعددة، منها على سبيل المثال الحقوق والحريات والرعاية الصحية وتحديد الجرائم والعقوبات، والتنظيم القضائي والنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ونظام الجماعات الترابية والنظام الضريبي والحقوق العينية وعلاقات الشغل ونظام الأبناك والاتصالات وحماية البيئة.
الصحافي يونس مسكين
ويقدم قانون المالية، كونه الحدث السنوي للبرلمان، تصورا دقيقا للكيفية التي ستدبر بها الدولة البلاد، وتبني ما ستحتاج لبذله من جهد مالي بناء على فرضيات أساسها تتبع أحوال وتقلبات الاقتصاد العالمي والوطني وانعكاساتها المستقبلية الممكنة.
وتتمثل التوجهات العامة بالنسبة لقانون المالية لعام 2021 مثلا في تسريع تنزيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني والشروع في تعميم التغطية الصحية وتعزيز مثالية الدولة وعقلنة تدبيرها.
وأفاد المصدر ذاته أن أهم ما يجب ان يركز عليه الصحافي هو الجدولة الزمنية لهذا القانون لأنها تتيح له إمكانية مواكبة فعالة لمستجداته، ثم النقاشات التي يثيرها حين يصل للمجلس ويتم تدارسه بلجانه.
وبعد إحالة مشروع قانون المالية على مجلس النواب، يتخذ النقاش حول القانون المالي والتصويت عليه المسار التالي: يحال مشروع قانون المالية على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، ويعقد البرلمان بمجلسيه جلسة عامة يقدم فيها وزير المالية محاور وتوجهات وفرضيات مشروع القانون المالي، ويعرض الوزير المشروع مرة أخرى أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، وتجري مناقشة عامة حول المعطيات العامة للمشروع واختيارات الحكومة المالية داخل هذه اللجنة، لتنتقل اللجنة إلى المناقشة التفصيلية للمشروع ثم تقدم تعديلاتها وتصادق عليه، وتشرع باقي اللجان الدائمة في دراسة ومناقشة مشاريع ميزانيات القطاعات الوزارية، ثم تعقد بعد ذلك جلسة عامة بمجلس النواب لمناقشة القانون والتصويت عليه، تتضمن عرضا لتقرير عام حول القانون المالي تلي ذلك تدخلات الفرق النيابية ثم تعقيب لوزير المالية قبل أن يمر المجلس للمصادقة على المشروع.
ويلزم القانون الوزراء والمسؤولين المكلفين بكل قطاع بالحضور إلى اللجنة المختصة فيه من اللجان الدائمة لشرح ما تنوي الوزارة القيام به برسم السنة المالية الجديدة وما قامت به خلال السنة التي سبقتها وحصيلة تدخلاتها، وغالبا ما يستثمر النواب هذه اللحظات لمناقشة طريقة تدبير بعض القطاعات وإدراج بعض التعديلات في مشاريع الميزانيات.
وتمر مقترحات القوانين أي القوانين التي يصدرها البرلمان بنفس المسطرة التشريعية مع فوارق أبرزها الفارق في الإحالة، ففي هذه الحالة، البرلمان هو من يحيل المقترح على الحكومة ثم يحضر ممثل عنها لنقاش المقترح أمام اللجان المختصة، وفي حال كان المقترح مصدره مجلس النواب فيحيله المجلس على المستشارين والعكس صحيح.
وتروم مسطرة التشريع المفصلة التعريف بمسار المصادقة بشكل عام. وهذا لا يعني أن كل القوانين تولد بلا مخاض ولا مشاكل، حيث يمكن إجهاضها في كل مرحلة من مراحل المسطرة التشريعية وأحيانا حتى بعد هذه المرحلة، إذا رأت المحكمة الدستورية أنها تتضمن مقتضيات غير دستورية، كما يمكن أن تتراجع الحكومة أو البرلمان عن المشروع أو تؤجله، أو تعيده للدراسة في أي لحظة من لحظات التشريع.
ويمكن للملك أيضا طلب قراءة جديدة لكل مشروع أو مقترح قانون، كما يمكن أحيانا إسقاط مشاريع قوانين بمناورات سياسية أو اتفاقات أو تجميدها في أجهزة الحكومة، فالهدف من الخطاطة هو الاقتراب من المسار العادي والأكثر شيوعا في المصادقة على القوانين.
ويلاحظ من خلال تتبع مسطرة التشريع أن القلب النابض لهذه المسطرة هي اللجان الدائمة، والتي يتسم عملها ببعض الخصائص، فهي أول من يبت في مشاريع القوانين أو المقترحات وغالبا ما تنبئ مصادقة لجنة معينة على مشروع قانون ما بمصادقة المجلس بأسره خلال الجلسة العامة عليه، كما أنها تقوم بتمحيص أهداف القوانين وتفصيل موادها وآثارها.
ويعطي القانون للجنة قبل التصويت على مشروع قانون ما إمكانية تنظيم أيام دراسية واستقدام خبراء ورجال الإعلام وفتح نقاش حول القضية التي يؤطرها.
ويمثل الصحافي المتخصص في الشأن البرلماني عين المصلحة العامة، ويراقب ما يجري بهدف إخبار الرأي العام عن النقاشات التي تواكب صدور القوانين بموضوعية ومهنية.
ولا تنحصر وظيفة البرلمان في تشريع القوانين وإنما تمتد لمراقبة أعمال السلطة الحكومية. ويراقب مجلس النواب كيفية تدبير الوزراء للقطاعات التي يدبرونها، ومدى نجاعة السياسات العمومية التي يطبقونها في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والتشغيل والأمن وغيرها.
وتتم هذه المراقبة أساسا عبر آليات قد تصل إلى إسقاط الحكومة ونادرا ما يتم اللجوء إليها، وأخرى أكثر استعمالا وهي تلك التي تهتم بمساءلتها ومطالبتها بتقديم معطيات وتبرير اختياراتها بصفة مستمرة.
وتعتبر الاسئلة الكتابية والشفهية من الأدوات الرقابية المهمة في تتبع عمل الحكومة والمساهمة في إبقاء العمل الحكومي تحت دائرة الضوء ، لكنها لا يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة وهو ما يتم التعبير عنه عند المختصين بإثارة مسؤولية الحكومة.
ويدخل تولي البرلمان مهمة تقييم السياسات العمومية في إطار مأسسة هذه الوظيفة بعدما كانت تنجز بشكل عرضي من طرف خبراء لفائدة أجهزة الإدارة، ويتعلق الأمر بتقييم سياسي للتدخلات وفقا لنتائجها والحاجيات التي يفترض أن تلبيها.
ويحدد مجلس النواب مهمته في تقييم السياسات العمومية وفقا لنظامه الداخلي بكونها تتصل بإنجاز أبحاث وتحاليل دقيقة بهدف التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية، وقياس آثارها على المجتمع، ويقوم المجلس بتخصيص جلسة سنوية لتقييم السياسات العمومية.
ويحتاج البرلمان للإعلام الذي يقدم صورة شاملة ليتمكن المواطن من تقييم أداء المؤسسة البرلمانية ، ومن ثم يكون الإعلام البرلماني واحدا من عوامل تثبيت أركان النظام الديمقراطي وضمان سلامة قراراته.
وتفرض الثورة الإعلامية والتواصلية حضور ومشاركة المؤسسات العمومية في النقاشات الكبرى، ضمانا لتملك المجتمعات للقرارات والسياسات العمومية، وعلى رأس تلك المؤسسات يوجد البرلمان، فغياب مؤسسة من حجم مجلس النواب عن النقاش العام يعني تلقائيا إفساح المجال للغموض والإشاعة وانتشار المعلومات الخاطئة في شأن حيوي للعيش المشترك يتمثل في التشريع والتمثيل وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية وتقييم أدائها.
وعموما، تتميز التغطية الإعلامية لأعمال البرلمان بخصوصيات مثل استعمال العبارات الموضوعية والخالية من التحريض والذاتية والمعاني القدحية، والتركيز على المواضيع المرتبطة بالمصلحة العامة وعدم الانسياق للجدال الهامشي، باعتماد السرعة والتبسيط والتخصيص عوض التعميم والوضوح، فضلا عن الإلمام بالقوانين وتفاصيل المسطرة الداخلية للبرلمان ومراكمة تجربة في تغطية الشأن السياسي.