خبراء في منتدى أصيلة: التعاون بين المغرب العربي والساحل ضرورة حتمية لمكافحة الإرهاب
دعوات لإبرام شراكة معززة جنوب- جنوب لإيجاد حل للتحديات
صحراء ميديا المغرب
قالت راقية تالا ديارا، عضو المجلس الوطني الانتقالي، والوزيرة السابقة في مالي، خلال الجلسة الأولى لندوة”المغرب العربي والساحل..شراكة حتمية؟”، المنظمة في إطار موسم أصيلة الثقافي الدولي ال42، مساء الجمعة، إن أهمية الموضوع الذي وقع عليه الاختيار تكمن في ظل السياق الحالي الذي يتسم بالعولمة المتصاعدة، والتحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مسجلة أن هذا النقاش سيسهم في الفهم الجيد للإشكالات التي تعرفها المنطقة.
وسلطت ديارا الضوء على سياسة الهجرة التي انتهجتها المغرب وجهود المملكة من أجل تسهيل اندماج المهاجرين، والذي يعتبر مثالا يحتذى بالنسبة للبلدان الإفريقية، مشيدة بالالتزام الثابت للمملكة لتقاسم خبرتها في مجال تدفق الهجرة مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وتعزيز السلم والاستقرار في المغرب العربي ومنطقة الساحل.
وأعربت ديارا عن”إشادتها بريادة المغرب، تحت القيادة النيرة للملك محمد السادس، في إطار التعاون جنوب-جنوب، في مجال تنفيذ إصلاحات تروم تعزيز البلدان الإفريقية، لا سيما فيما يتعلق بالحكامة والشفافية والنهوض بالعنصر البشري”، مسجلة أن العديد من البلدان الإفريقية استلهمت تجربة المغرب في عدة ميادين.
من جهته، أفاد فتح الله السجلماسي، الأمين العام السابق للاتحاد من أجل المتوسط، بأن منطقة المغرب العربي والساحل تواجه تحديات كبيرة، لا سيما الأمنية والاستراتيجية والمؤسساتية والاقتصادية، مسجلا أن منطقتي المغرب العربي والساحا مرتبطتان بشكل طبيعي وملموس بقضايا التنمية والسلم والاستقرار والأمن.
واعتبر السجلماسي أن الحل المناسب لهذه التحديات يتمثل في إبرام شراكة معززة جنوب-جنوب، مسجلا أن المغرب يضطلع بدور استباقي ملموس في مجال تكريس شراكة رابح-رابح في إطار التعاون جنوب-جنوب.
أما محمد المدني الأزهري، الأمين العام السابق لتجمع دول الساحل والصحراء، فذكر من جانبه أن هذا المنتدى يشكل فضاء للتفكير في التحديات والرهانات الكبيرة التي تواجهها المنطقة، من أجل النهوض بالاندماج الإقليمي وتعزيز الاستقرار والأمن بمنطقتي الساحل والمغرب العربي.
وبعدما تطرق للتحدي الأمني، أبرز الأزهري الجهود المبذولة من قبل المغرب لتعزيز السلم بالمنطقة، مؤكدا على أهمية تفعيل نموذج ملائم للحكامة للدفع قدما بالتنمية السوسيو اقتصادية بدول المغرب العربي ومنطقة الساحل.
وفي الجلسة الثانية لندوة أصيلة الأولى التي عقدت السبت، أجمع أساتذة وخبراء مغاربة وأجانب على ضرورة العمل بين المغرب العربي ودول الساحل وفق مقاربة تشاركية وشراكة ثنائية في أفق العمل على مكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة.
وأفادت بشرى الرحموني، الأستاذة الدائمة بكلية إفريقيا للأعمال في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، ومديرة مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد سابقا، بترسخ بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف، شملت ظواهر سلبية أخرى عديدة تمتد للقرصنة وتجارة المخدرات والتهريب الدولي، مما جعل المجتمع الدولي يعيش في حرب مستمرة للقضاء على هذه الآفات.
وتساءلت الرحموني عن إمكانية الاحتكام فقط للمقاربة الأمنية والتدخل الأجنبي لوحده من أجل مواجهة الظاهرة، في ظل التحديات المطروحة والتي من ضمنها تفشي التطرف بسبب تنامي الجهل وفقدان الثقة في خطابات التنمية، وهي كلها عوامل تدفع عددا من الشباب للبحث عن حياة أفضل وربما البحث عنها في عالم آخر.
وطالبت الرحموني بإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية لمواطني القارة الإفريقية، عن طريق تنميتها وخلق فرص عمل مدرة للدخل ومنحهم الحرية للتعبير عن آرائهم في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية لبناء مستقبلهم وبناء أجيال قادرة على التغيير والعمل بمسؤولية للرقي بمستقبل إفريقيا بشكل عام.
واعتبرت الرحموني أن دول الساحل والمغرب تمثل فضاءا واحدا وقارة واحدة، وهو ما يستوجب تظافر الجهود بين الجانبين لإنشاء افريقيا مسؤولة وقادرة على الدفاع عن وحدتها وأمنها.
من جانبه، ذكر رشيد باها، مستشار السفير المدير العام للوكالة المغربية للتعاون الدولي، بالظروف المعيشية الصعبة لعدد كبير من سكان إفريقيا، فحوالي 47 في المائة من سكان الساحل يعيشون بأقل من دولار في اليوم، مما يشكل بيئة خصبة لتفشي التطرف والإرهاب.
ودعا باها إلى وضع إطار متكامل في سياق شراكة واستراتيجية تجمع دول الساحل والمغرب وأوروبا من أجل النهوض بالقارة الإفريقية، عبر إقرار مبادرات خلاقة وإشراك المرأة في التنمية والتأسيس لمسار ديمقراطي.
وقال باها:”نحن هنا نسائل حكامتنا السياسية والديمقراطية وندعو لبناء فضاء متكامل ينضم إليه متدخلون إقليميون ودوليون”.
وأشار عبد الله ولد باه، وهو أستاذ جامعي موريتاني، إلى دور التكنولوجيا والوسائل الحديثة في إعادة بناء الروابط بين المغرب والساحل والتي لا تعتبر وليدة اللحظة لكونها تمتد عبر الزمن.
وأوضح ولد باه أن التطرف يعد نتاج أخطاء سياسية، تهم إدارة القاعدة الديمغرافية لبعض الدول التي تعاني من مشكل القوميات إلى جانب السياسات الدينية المتبعة.
وقال ولد باه:”من الضروري في هذا الإطار بناء سياسات عمومية تضمن الاندماج الحقيقي لمختلف المواطنين على حد سواء مع إرساء لحمة اجتماعية داخلية كضمان للاستقرار”.
وتساءل مادي ابراهيم كانتي، أستاذ محاضر من مالي، عن الكيفية الناجعة والسبل المتاحة الكفيلة بمحاربة الإرهاب، خاصة أن النقاشات الأخيرة في مختلف الملتقيات والمنتديات التي تهم الساحل تتناول هذ الموضوع بشكل ملفت.
وأوضح كانتي أن منتدى أصيلة يحاول أن يجمع السياسيين ممن يملكون سلطة القرار مع الأكاديميين الباحثين لتناول قضايا راهنة تشكل مصدر قلق وتأمل في عدد من المجالات التي تهم الأفراد.
وقال كانتي إن الروابط التاريخية التي تجمع بين المغرب والساحل تفرض التعاون بشكل مكثف وليس كل دولة على حدة، لأن المصير يظل موحدا، مستشهدا بتجربة مالي والنيجر اللتان لم تفلحان لوحدهما في محاربة التطرف والإرهاب، على عكس المملكة المغربية التي تمكنت من اعتماد مقاربة ناجعة، ترتكز أساسا على المقاربة الأمنية ومبادرات التنمية التي تستهدف المجال الاجتماعي بخلق فرص للشغل والنهوض بوضعية المواطنين، فضلا عن توخي الحذر و الوقاية كمقاربة استباقية، وكذا تنظيم تكوينات في مجال الدين ومحاربة التطرف لدى عدد من القيمين الدينيين من المغرب ودول إفريقيا لتكوين نظرة وفكرة صحيحة حول الإسلام الوسطي والمعتدل، دون إغفال المصالحة وهو نفس ما تقوم به النيجر حاليا من خلال احتواء هؤلاء الجهاديين وإعادة إدماجهم.
وأشار الأكاديمي المالي إلى عمل الجماعات الجهادية والتكفيرية على استغلال الأطفال والقاصرين من خلال زرع أفكار سلبية في رؤوسهم، مفادها إهمالهم من طرف الدولة التي تسعى لتهميشهم وعدم الارتقاء بأوضاعهم، بالإضافة إلى استغلال الظروف الاجتماعية الصعبة لأسرهم لتسهيل عملية تجنيدهم في صفوفها.
من جانبه، لفت السفير فتح الله السجلماسي، أمين عام سابق للاتحاد من أجل المتوسط، والمدير العام لمفوضية الاتحاد الإفريقي، إلى مواجهة كل من الجزائر ومصر وتونس وليبيا والمغرب وموريتانيا للإرهاب، كل بطريقته الخاصة ومنظوره، في مقابل مقاربات مختلفة أخرى اعتمدتها دول الساحل.
وحول تشكل قوى التطرف والإرهاب في الساحل، قال السجلماسي:”في البداية تكونت مجموعة من حركات التمرد نتيجة موجة جفاف قوية ضربت منطقة الساحل، ثم جرى خلق تمرد وعصيان ضد الحكومات المركزية ولكنها لم تكن حركات كبيرة بالقدر الكافي، بل محلية ووطنية تحارب من أجل حقوقها، ليتطور الأمر لاحقا”.
وأشار السجلماسي إلى تهديد تنظيم القاعدة للمنطقة العربية والذي أصبح يضرب كل المناطق، مع بروز حركات التكفير والهجرة في مصر مثلا والتي واجهتها بطريقة أمنية، فضلا عن حركة لمواجهة النظام الليبي وكذا العشرية السوداء في الجزائر، علما أنه لم يكن هناك تركيز واسع على محاربة الإرهاب.
وأكد السجلماسي أن ما يحصل في الساحل والصحراء من خطر الجماعات المسلحة يتطلب حشد الجهود وليس القيام بمواجهات فردية في كل دولة، فالأمر يهم خطر داهما يهدد العالم برمته.
ويرى السجلماسي أن الحل يكمن في التنمية مثلا في شمال مالي والنيجر، مع إنشاء مشاريع استثمارية لمحاربة الإرهاب والتهريب، مشيرا إلى نجاح التجربة التشادية في مواجهة هذا الخطر، ببناء قرى نموذجية ومشاريع زراعية ورعوية بسيطة لفائدة المواطنين.
وقال السجلماسي:” بإمكان المغرب والساحل العمل أيضا وفق الإمكانيات المتاحة، فكلما تحققت التنمية الحقيقية نقص الإرهاب”.
من جانبه، دعا جون كلود فليكس تشيكايا، وهو أستاذ باحث من الكونغو برازافيل، أوروبا إلى إعادة النظر في طريقة تعاملها مع إفريقيا، بعيدا عن الرؤية الاستعمارية السابقة.
وأفاد تشيكايا بضرورة إرساء شراكة حقيقية بين المغرب والساحل، مع إشراك مختلف القوى الحية بما فيها المجتمع المدني الذي عليه أن يستوعب التحديات المطروحة في نطاقه المحلي والدولي.
وقال تشيكايا:”المغرب والساحل طرفان متلازمان لا يفترقان، وبالتالي فهما مطالبان بالاتحاد لمعالجة الإشكاليات المطروحة أمامهما وبعد ذلك الانفتاح بشكل أكبر على خبايا العالم الاقتصادي”.