خبراء: الأحزاب وبناء التزام ثقافي بين الأجيال كفيلان بتعزيز الديمقراطية عربيا

محلل موريتاني: مررنا من عقود طويلة من الاستبداد

أفاد خبراء ومحللون مغاربة وأجانب بدور الأحزاب السياسية المهم في تعزيز مسار التجارب الديمقراطية في مختلف دول المنطقة العربية، من خلال إعطاء نفس جديد للعمل السياسي وخلق مصالحة بين الفاعلين والمواطنين على أرض الواقع، بعيدا عن الشعارات الموسمية المرتبطة أساسا بفترة الانتخابات والتهافت حول المقاعد.

ضعف المنتظم الدولي إزاء الأزمات

وقال توفيق ملين المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، في الجلسة المسائية الأخيرة لندوة أي مستقبل للديمقراطية الانتخابية، على هامش المنتدى الدولي لأصيلة ال42، مساء الخميس، إن السؤال المطروح حاليا يتمحور حول أي شكل من الحكامة يمكن ترسيخه لتقوية الديمقراطية، وكذا الرؤى التي ينبغي تبنيها لتحقيق هذا الغرض.

واعتبر ملين أن الأزمة الصحية الحقيقية التي مست كل مناحي الحياة ذكرت بمدى ضعف المنتظم الدولي إزاء عدد من التحديات، مما يفرض ضرورة إعادة النظر في قضايا سياسية واقتصادية، مع اعتماد رؤية مشتركة ترتكز على مساواة وعدالة اجتماعية، وكذا التأقلم مع التغيرات المناخية، في سياق حكامة دولية مبنية على الثقة والتعاون وإعادة بناء اقتصاد أكثر إنسانية، إلى جانب إعادة تقييم الأنظمة ونهج اقتصاد رصين، وتسريع التحولات الرقمية من خلال الاستثمار في التكنولوجيات الحديثة.

ودعا ملين إلى اعتماد إدارة قادرة على استباق المخاطر لمواجهة أوبئة مرتقبة تفرض التعايش معها وتأهيل القطاع الصحي لمواكبتها، مع إحداث تغيير مطلق في العقليات بتعليم يجهز الجيل الناشئ لبناء سياسات ناجعة لبلاده، عن طريق تنمية شخصيته وتقوية الذكاء الجماعي.

وأشار ملين إلى وجوب الانتقال من الديمقراطية الانتخابية إلى الديمقراطية المواطنة بإشراك المواطنين في القرارات المتخذة من قبل السلطات.

بناء جيل واعد

من جانبه، قال نجيب فريجي، مدير المعهد الدولي للسلام بالشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية،:”الديمقراطية من أهم التحديات في المنطقة العربية والتي لها مساوئ عديدة أسوأها هو غيابها أو انعدامها، نحن نشهد مرحلة مهمة في تاريخنا ونخطو الخطوات الأولى في مسافة الألف ميل التي هي الديمقراطية، علما أنها تزامنت مع تسجيل وتيرة مرتفعة من الفساد من طرف جهات حكومية غير فاعلة للأسف”.

وأفاد فريجي بوجود حاجة ماسة لبناء جيل واعد يركز على التزامه الثقافي بناء على تضافر قوى المجتمع من معلمين وأكاديميين وقيمين دينيين وفنانين وآخرين.

وزاد فريجي متسائلا:”من الضروري تغذية الجيل الناشئ لتعزيز قيم الاستقرار والسلم كفاعل محوري، وهنا يطرح السؤال ما الهدف من إرسال التلاميذ للمدارس لتعلم قيم وأصول الديمقراطية ثم إرسالهم لمدارس أخرى لاحقا تعتبرها بدعة، هو أمر مهم يقارب دور وسائل الإعلام المدعوة لتصحيح ما يروج في هذا الإطار وأيضا وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى”.

واعتبر فريجي أن الحكامة والديمقراطية هما شراكة بين الدولة والمواطنين، داعيا الجميع إلى العمل على غرس قيم الديمقراطية في الأجيال الصاعدة.

فجوة بين المثقف والحاكم

بدوره، تناول عبد الله ولد أباه، خبير ومحلل سياسي موريتاني، ثلاثة مفاهيم طرحت خلال العقود الأربعة الأخيرة حينما طرحت في بداية السبعينات فكرة أساسية مفادها أن الديمقراطية لم تنشأ إلا من خلال العبارات التي أطلقها الأمير الحسن بن طلال الرئيس المؤسس لمنتدى الفكر العربي والمفكر المصري سعد ابراهيم، واللذان طرحا تجسيد الفجوة بين المثقف والحاكم، فالأفق الديمقراطي لن يكون إلا من خلال الحزب الجديد صانع القرار الذي يقبل عملية الانفتاح السياسي والمثقف الذي يحمل المشروع الديمقراطي.

وقال ولد أباه:”مع نهاية الثمانينات، حدثت تحولات كبرى في المنطقة العربية، وكان في منطقة المغرب العربي حظ وفير فيها، ماحدث في تونس والجزائر من ثورة الخبز ثم التناوب التوافقي في المغرب سنة 98، وهو ما عبر عنه المفكر المغربي عابد الجابري ببناء كتلة موسعة في إطار صفقة انتقالية تؤسس لفترة ديمقراطية في العالم العربي”.

وأضاف ولد أباه:”أزمات الانتقال السياسي يجب ألا تخفي عملية توسع ديمقراطي حقيقي بوجود تجارب ناجحة، فأزمات الانتقال السياسي عادية، علما أننا مررنا من عقود طويلة من الاستبداد، وبالتالي لا ضير من تجارب جديدة واختبار المسار الديمقراطي الذي ليس سهلا”.

وأوضح المحلل الموريتاني أن التجارب الديمقراطية لم تلق الدعم المناسب في بعض الدول العربية كتونس التي تركت لأزمتها الخانقة.

“انتخابات كوفيد”

من جهته، ذكر عبد الله ساعف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس ومدير مركز الدراسات والأبحاث والعلوم الاجتماعي ووزير سابق، أن الديمقراطية ليست موضوعا سياسيا مؤسساتيا يحمل نقاشات حول السلطوية والشعبوية بل محددا لمراحل وفترات.

وقال ساعف:”هناك معطيات نكاد أن ننساها مثل الجائحة وانعكاساتها، حيث عشنا “انتخابات كوفيد” في كل من إيران وسوريا والجزائر وفرنسا، و لاحظنا تأثيره على المشروع الديمقراطي والمناخ والبيئة وجودة الحكامة ومقوماتها والسلام والهندسة الاجتماعية والسياق الدولي”.

واعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة ووزير الخارجية السابق، أن الديمقراطية ليست وقفا على السياسة، نافيا وجودها في مجتمع جاهل، فكلما كثر الجهل قلت الديمقراطية، وكلما كثر الفقر قلت الديمقراطية أيضا.

وقال بن عيسى:”إذا لم يكن هناك توافق مع القوى الموجهة فكريا في المدارس والإعلام وإرساء ثقة بينها وبين السلطة الحاكمة فلن تكون هناك ديمقراطية مطلقا”.

الأحزاب فاعل أساسي

وأوضح الدكتور محمد زيدوح، عضو مجلس المستشارين وعضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال، أن الديمقراطية عبر التاريخ ومنذ الثورة الفرنسية كانت ترتكز أساسا على مؤدي الضرائب، لتتطور مع الظروف السياسية ومتغيرات العالم اقتصاديا وسياسيا وصحيا، فكانت المحطة الوحيدة التي ارتكزت عليها الأحزاب للوصول إلى تسيير الشأن العام.

وأضاف زيدوح:”تطورت لأنها لم تعد منحصرة في الأحزاب السياسية، نربطها مباشرة بالأحزاب لأنها الفاعل الأساسي في المجتمع المغربي، يمكنها أن تختلف من دولة لأخرى لكن الاختيار الشعبي يظل هو الأساس، وهنا نتساءل عما إذا كانت الأحزاب لوحدها من تتحكم في هذه الديمقراطية، أنا أقول بوجود فاعلين يتحكمون فيها مثلا التيار الاقتصادي والمالي أصبح فاعلا أساسيا وكذا الإعلام الذي يؤثر مباشرة على الخريطة السياسية المستقبلية، هذا التيار أصبح يفوق التأثير المباشر للعمل السياسي المحض”.

وانتقد الفاعل السياسي قيام الأحزاب السياسية بأخطاء في العالم بأسره مما ساهم في انهيارها فضلا عما تقوم به من انتهازية تتزامن دوما مع فترة الانتخابات لتغيب بعدها، وهو ما جعل عدد المنخرطين في العمل السياسي عالميا لا يتجاوز 7 في المائة من المجتمع العالمي، بسبب هروب أطر فقدوا الثقة في العمل السياسي.

وعبر زيدوح عن تخوفه من الخطر الذي يشكله التيار المالي والاقتصادي على استقرار أي بلد، لأن تحكم المال يمكن أن يخرب المنظومة السياسية، والتي يفترض أن تعصرن العمل السياسي، بحيث لا يمكنها استعمال الأساليب التقليدية للتواصل مع المواطنين.

فلسطين.. والتجربة الديمقراطية

من جهته، تناول حسن عبد الرحمن، سفير السلطة الفلسطينية السابق لدى واشنطن والرباط، التجربة الفلسطينية في الديمقراطية، والتي عدها فريدة من نوعها.

وزاد مبينا:” حينما يتعلق الأمر بالمسار الديمقراطي لأن فلسطين ليست دولة ولا تمتلك السيادة الكاملة على أرضها ولكن في نفس الوقت الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي يقتضي بانتخاب مجلس لتمثيلها، لذا، تم انتخاب مجلس تشريعي وانتخاب رئيس يشرع في الأمور التي تم نقلها للسلطة الفلسطينية. بالمقابل، فالتنظيمات السياسية التي قادت العمل الفلسطيني قبل إنشاء السلطة الفلسطينية هي التي استولت على الحياة السياسية الفلسطينية. وهنا أشير لطبيعة دولة إسرائيل التي تعلن عن نفسها أنها دولة اليهود أي أن من ليس يهوديا لا حق له في أن يكون مواطنا يتمتع بكامل حقوق المواطنة وبالتالي يستثنى من الصلاحيات والحقوق الكاملة للمواطنة، هذا الأمر ينطبق على الجزء من الفلسطينيين داخل إسرائيل لكنهم لا يشاركون في الحياة العامة كما اليهود ونفس القرار يمس الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية، كمقيمين في القدس يحملون جواز أردني وليس فلسطيني، فعليا، اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تحكم دون سواها”

وذكر عبد الرحمن أنه في السنوات الأخيرة نقل من داخل إسرائيل إلى داخل الضفة الغربية حوالي 850 ألف مستوطن، بحيث يصبح 1 من كل 5 أشخاص يسكن الضفة الغربية إسرائيلي، وهم لا يخضعون لقوانين السلطة الفلسطينية رغم عيشهم في الضفة، وكنتيجة لذلك، يعيش الجانبان في نفس المساحة الجغرافية تحت قانونين ونظامين مختلفين.

وقال الدبلوماسي الفلسطيني السابق:”بالنسبة للأوروبيين والأميركيين إسرائيل دولة ديمقراطية، هي ديمقراطية لليهود فقط، هي لا تقبل بإقامة دولة فلسطينية إلى جانبها تعيش في سلام معها على حدود سنة 67، وهو ما أصبح متجاوزا حاليا، فالشباب الفلسطيني يقرون بعدم إمكانية تطبيق هذا الأمر، لأن القاعدة الجغرافية تم احتلالها من طرف إسرائيل، والفلسطينيون يعيشون ضمن نظام تفرقة”أبرتايد”، وبالتالي هم لا يريدون إقامة دولة مستقلة بل ثنائية القومية لجميع مواطنيها.

وسجل عبد الرحمن شغف الفلسطينيين بالديمقراطية لكن واقع الحال يفرض عليهم العيش خارج هذه المنظومة.

وزاد مبينا:” تم حل المجلس التشريعي والرئيس جدد لنفسه علما أن ولايته انتهت في 2009، لم تجر أي انتخابات، ليجد أبو مازن نفسه مضطرا لإصدار مرسوم بإجرائها قبل أشهر تحت ضغط الفلسطينيين، الذين تسجل منهم 93 في المائة لينتخبوا السلطة المقبلة، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت السماح بالانتخابات، كما أن القوى الفلسطينية لا تريد التخلي عن هذه السلطة، فكان الاعتراض على الانتخابات، ناهيك من عدم تشجيع أميركا لهذا المسار الانتخابي لأن إسرائيل لا تريدها وبعض الدول العربية للأسف تدخلت لعدم إجرائها ليتم إلغاؤها لاحقا”.

“شيء من الديمقراطية”

وتساءل عبد الوهاب بدرخان، كاتب صحفي ومحلل سياسي قائلا:”هل فعلا نحن نعمل من أجل الديمقراطية في العالم العربي؟ شخصيا، لست مقتنعا أن هذا هو هدفنا الحقيقي، النخب تريد شكلا من الديمقراطية، وهل هناك حالة واحدة في العالم العربي يمكن أن نسميها ديمقراطية، هناك تجارب ل”شيء من الديمقراطية”، أعتقد حينما تجرى انتخابات حرة بدون إشكالات وانتهاكات يمكننا حينها الإقرار بهذا المعطى، لست مؤمنا أننا نتجه لها أو نريدها ليس دليلا على تشاؤم أو فوضوية لكنه واقع”.

وأضاف بدرخان:”إذا أخذنا بوجود سقف للسلطة، فهناك شيء من الديمقراطية في المغرب في ظل الاستقرار الموجود، يمكن أن ندرج أيضا الأردن وبعض دول الخليج”.

ولفت بدرخان إلى أن التعددية تعد طريقة لاستدعاء تدخل العسكر أو الميليشيات، مشيرا إلى مثال دول المشرق، حيث يوجد كل أنواع النماذج للأسف، بوجود شباب شاركوا في انتفاضات تحت شعار دولة مدنية، وهو شعار نابع من نقاش على مستوى الشارع والمجتمع المدني، يفيد بمشاركة الجميع بطريقة صحيحة وإبعاد سيطرة التيار الديني عن الحياة السياسية.

وقال بدرخان:”تجربة السودان مثلا، تبين أن المساندين للعسكر لا يريدون الأحزاب القومية واليسارية الموجودة في الجزء المدني من الحكم وأن تجذر موقعها في الحكم، كما يرفضون أيضا التيار الإسلامي، كحاضنة شعبية، ماذا سيفعلون أكيد سيفشلون، الطرف الوحيد هو الحركات المسلحة والتي جاءت للتعبير عن نفسها، والتي تريد الحكم العسكري علما أنها تتحارب معه، هذا مثال بسيط يدل على أننا لا نملك نضجا في الحياة السياسية”..

وانتقد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مسيرة الأحزاب في العالم العربي وأنه لم يكن لديها دور في تطوير الحياة السياسية.

وقال بدرخان:”هناك تعددية في لبنان والعراق لكنها استدعت تدخلات، إذا كانت نحو إيران فهي أيضا تستدعي تدخلات مناوئة، وبالتالي فالصراع بين متدخلين يعد ضربا لإمكانية الديمقراطية بشكل أساسي، خاصة أنها ليست فاشلة وإنما ينبغي تحديد الصيغة التي يتوافق عليها المجتمع لإقرارها.

وأشار بدرخان إلى تبني اتجاه نحو الديمقراطية التوافقية والتي تعتبر جيدة إن طبقت بمعايير واضحة، في غياب فاسدين يعملون على مأسسة الفساد، وكذا التحفيز عليها في المناهج التربوية للجيل الصاعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى