مشاركون في منتدى أصيلة: نعيش حربا ثقافية وحضارية..والعروبة السياسية”ميتة”

الصريدي: هويتنا العربية على هامش عالم جديد

أجمع المشاركون في الجلستين الصباحيتين لندوة”العرب والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة: العروبة إلى أين؟”، اليوم الثلاثاء، المنظمة في إطار الموسم الثقافي ال42، على أن الهوية العربية تمثل تحديا ثقافيا وتاريخيا وجب مقاربته في سياق ما تفرضه التغييرات الدولية من عولمة وانتشار واسع لوسائل التواصل الجديدة، لمحاربة ما تتعرض له من محاولات لتهميشها وتقزيمها.

بناء الدولة الوطنية

وقال الكاتب المغربي أحمد المديني، في جلسة بعنوان”العرب والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة: العروبة إلى أين؟”،  إنه ربما تكون العروبة هي هذا الحطام الكائن المنتهي، مشيرا إلى أن مواطنيها والمنتمين إليها ولدوا عروبيين بالفطرة رغم اختلاف الأشكال والقوالب، إلا أنها تكبر وتترعرع فيهم.

وتساءل المديني:” لا نسأل غالبا كيف ولا لماذا تشكل هذا الجيل المخضرم، هل لأني ولدت فيه وصرت كاتبا عربيا أم لأني أعيش في بيئة عربية أم لأن تكويني الدراسي كان متعددا أم لأني تغذيت العروبة المشرقية الأندلسية العربية الإسلامية؟”.

واعتبر المديني أن العروبة بالنسبة ليه ولجيله هي معركة التحرير الوطني بعد الاستقلال وكذا الديمقراطية وبناء الدولة الوطنية كجزء من المشروع الوطني والذي يمثل أيضا مشروع الأحزاب الوطنية والديمقراطية.

وقال المديني:”نتحدث اليوم عن الهوية كقالب ومفهوم ثابت، علما أنه لا توجد هوية ثابتة، إنها مراتب تتدرج حسب الأزمنة والثقافات، فأي هوية ستتزعزع إذا كانت تتحرك وتتجدد بحكم الزمن رغما عنا، هي مرتبطة بالآخر الغربي، وهي تحد ثقافي وتاريخي أمامنا، هذه المواجهة حركت عندنا لكنها لم تكن الحاسم في انطلاق مشاريع الفكر والإصلاح والسياسة، مشكلتنا أننا بقينا انتقائيين نحاول الأخذ من كل التيارات وليس صنع هوية جديدة، وبالتالي نحن مدعوون لنفكر في القطيعة التي لا تعني بالضرورة الانسلاخ من الهوية”.

وأوضح المديني أن عروبة الأنظمة العربية التي تلتقي في مؤتمرات للقمة تختلف عن عروبة الشعوب التي تبدو ثقافية متطلعة لإحداث تغييرات.

إطار حضاري مشترك

من جانبه، ذكر راشد صالح العريمي، الأمين العام السابق لجائزة الشيخ زايد للكتاب، ورئيس تحرير جريدة الاتحاد سابقا، باعتماد هوية ثقافية موحدة تلعب اللغة العربية دور المعبر عنها وإطارا حضاريا مشتركا قائما على القيم الروحية والإنسانية يثريه التعدد والانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى دون الذوبان أو التفتت.

وحول سبب ظهور التمايز بين العربية والعروبة، قال العريمي:” في النصف الثاني من القرن 19 أقبل مثقفون على إحياء العربية في مواجهة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو لها السلطان عبد الحميد، هذا يعني اعتبار اللسان العربي لغة قومية للكيان العربي بعد سقوط الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، مع الإشارة إلى هزيمة 1967 التي ضربت العروبة في الصميم، على اعتبار أن من قادوها في مصر وسوريا هم من تلقوها بدرجة أساسية”.

على صعيد ذي صلة، سجل العريمي إخفاق اليسار العربي عام 1967، من ضمنه جمال عبد الناصر، والذي أعطى مساحة للتيار الإسلامي ليعود على تأكيد دور الإسلام كدور من مقومات الوحدة العربية، لتظهر فترة الربيع العربي وتكشف حقيقة هذه التنظيمات، وكلها عوامل أدت لضرب المشروع القومي العربي كمشروع سياسي، فضلا عما شهدته العروبة السياسية من موت، بفعل شيوع النزاعات المسلحة في الدول العربية والتي توجت بالاحتلال العراقي للكويت.

واعتبر العريمي أن العروبة السياسة لم تعد مطروحة حاليا لكونها انتهت عبر عقود وهو ما عبر عنه بيان القمة العربية بالرياض عام 2007.

وقال العريمي:”تطورات قرن ونصف لا تترك مجالا للأحلام، صحيح أن اللغة والانتماء بخير، أما العروبة فلا طموح فيها للمشاريع المشتركة، ليظل الحديث عن النجاح أو الفشل شيئا نسبيا. العروبة الثقافية قديمة أما العروبة كإيديولوجية سياسية فهي طموح حديث لكنه تراجع اليوم، ومن المفروض أن نبقى مع اللسان والانتماء والدولة العربية المعاصرة إذا أردنا البقاء”.

قيم ثقافية جديدة

أما حاتم أحمد الصريدي، أستاذ علوم الإعلام والاتصال في جامعة البحرين، فسجل عدم إمكانية مناقشة الهوية خارج السياق التاريخي لثقافة المجتمع، لافتا إلى أن الإعلام لعب دورا محوريا في تعزيز الهوية والانتماء القومي لدى الشعوب العربية، إلا أنه قام أيضا بأداء دور معاكس في تهميش الهوية لصالح اتجاهات مرتبطة بالعولمة الثقافية والاقتصادية.

وأوضح الصريدي أن انفجار وسائل الإعلام وتبني العولمة الاقتصادية أدى لنشوء قيم ثقافية جديدة لا تجمعها روابط بالنظام الاجتماعي العربي، مما نتج عنه حدوث تشويش على الهوية.

وزاد الصريدي مبينا:” هذه الوسائل تعد أبرز أذرع العولمة لكونها تستهدف ضرب الهويات غير الغربية في سياق حرب ثقافية جديدة تستخدم فيها الإعلام كأدوات وتندرج ضمن صدام الحضارات. فالهوية العربية تعيش أزمة عميقة، تترجم من خلال تراجع الانتماء القومي العربي بسبب ما تلعبه وسائل الاتصال العالمية من دور في تعميق هذه الأزمة، إلى جانب الانترنت الذي شكل فرصة لتعزيز هذه الهوة بخلق صراع جديد بين الهويات والانتماءات في هذه الشبكة، وهو ما دفع المنطقة العربية للخروج مبكرا من هذا الصراع، لأنها لم تستطع مواكبة المضامين الهوياتية الآتية من كل صوب بلغات متعددة بالرغم من أن هذه الشبكة تعمل ضمن فلسفة النظام المفتوح”.

هيمنة غربية كاملة

في غضون ذلك، أشار الصريدي إلى هيمنة الغرب الثقافية من خلال إطلاق وكالات تحتكر صناعة الأفلام وتداول الأخبار وشركات تقوم بالتوزيع السينمائي والتسويق لثقافته، في مقابل تجربة العربية وحيدة هي “شوتايم” التي تعيد بث أفلام ومسلسلات عربية قديمة بعيدة عن الواقع المعاصر.

وأضاف الصريدي:”شبكات التواصل المباشر هي أيضا غربية بالأساس، فأكبر محرك بحث في العالم “غوغل” يفرض علينا بشكل ذكي نتائج بحث في اتجاه معين، كما أننا نحفظ جزءا من تاريخنا في مخازن بيانات خارج أوطاننا، حيث تبدو هويتنا العربية على هامش هذا العالم الجديد بسبب فقدانها للمقومات الثقافية الكفيلة بجعلنا طرفا في هذا العالم الجديد”.

ودعا الصريدي إلى إقرار التعاون والتنسيق العربي كضرورة ملحة، مستدلا بالصين التي رفضت الغزو الرقمي الجديد للصناعات الرقمية الغربية وأنتجت بدائل وطنية من شأنها الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز أمنها القومي، كما قامت ببناء أكبر مراكز البيانات للمعلومات في العالم.

وقال الصريدي:”نعيش حربا ثقافية وحضارية جديدة تسعى لزعزعة الانتماء الوطني باستخدام أسلحة ذكية غير مرئية تأخذ من الشبكة مصدرا للحرب وتجعل من الفوضى أبرز آلياتها، لم يبق لنا سوى المقاومة والتعاون العربي- العربي وتوسيع النشر لاكتساب المساحات داخل هذه الشبكة”.

مشروع سياسي ينهار

بدوره، سجل الكاتب والباحث الموريتاني، عبد الله ولد أباه، أن المشروع القومي العربي بدأ من جهود مفكرين وأدباء من بلاد الشام انطلاقا من فكرة النهضة وكان التفكير أن يكون هذا المشروع للنهوض الثقافي محاكاة للنهضة الأوروبية ليتحول لمشروع سياسي تاريخي.

وأفاد ولد أباه أن الهوية الثقافية تتعزز وتتوطد في تفاعل ثقافي قوي جدا، يقابله مشروع سياسي يتآكل وينهار.

وزاد ولد أباه قائلا:”الواقع الحالي معقد بفعل زيادة التوتر داخل الهوية نفسها، مفهوم الهوية أصبح إشكاليا، فنحن نعيش توترا بين الهوية السياسية والمجموعاتية، وتفككا داخل المجتمع الواحد، لم نبن هويات وطنية قومية وصلبة، المشروع القومي العربي اليوم يعاني مصاعب جمة والأفق السياسي يتلاشى ويتفكك داخل البنية الاجتماعية وهذه هي الخطورة الكبيرة التي نعيشها، كما أن المشروع القومي العربي يعيش انتكاسة حقيقية وعجزا كبيرا عن طرح بدائل نظرية للتعامل مع الواقع الراهن”.

من جانبها، تناولت إلهام كلاب، رئيسة جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان في لبنان، شخصية مواطنها بطرس البستاني كمناضل كرس حياته لخدمة قضية العروبة والعلم والتمدن واللغة العربية، حيث كان أول شخص ينشئ مجلة عربية هادفة وهي “نفير سوريا”، فضلا عن قاموس عربي عصري هو “محيط المحيط”، كمحاولة لصياغة رؤية شاملة للوطنية والتمدن، وعمل أيضا على مناصرة تعليم المرأة والدفاع عن حقها في المساواة ورفض الطائفية والتشديد على فصل الدين عن الدولة.

وقالت كلاب إن عصرنة اللغة العربية أضحت مسألة ضرورية لتواكب العصر كأداة طيعة وسلسة تتفاعل مع الأحداث وتتطور معها ضمانا لاستمرارها.

الغرب و”الديمقراطية العنيفة”

من جهته، اعتبر محمد المعزوز، أستاذ التعليم العالي وعضو الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي، أن الاشتغال المعرفي الاستشراقي كان مدخلا للسيطرة السياسية، مسجلا عدم اهتمام أميركا والغرب بالهوية السياسية، بل ما كان يخيفهم هو بناء الهوية المعرفية لأنها الأساس الذي يؤكد تعميق روح الانتماء.

وتساءل المعزوز:”هل الدعوة للديمقراطية للحفاظ على العروبة سليمة من الناحية العلمية؟، وقال:” لابد أن نقدم مسافة علمية ليس تحيزا إيديولوجيا بالاستفادة من التجارب الأخرى، وهنا أشير إلى أمثلة دول بنيت على الديمقراطية بطريقة مغايرة، فروسيا القيصرية قبل أن يصل البلاشفة إلى الحكم لم تكن على قاعدة ديمقراطية كما أن الصين في حربها ضد اليابان بنت قوميتها على عنصرين وطني عقائدي وآخر أممي، هي دول قادت إيديولوجيتها على أساس يختلف، علما أن فرنسا لم تحقق وحدتها الكيانية على أساس ديمقراطي بل أنجزتها الدولة البونابارتية بالعنف وكذا ألمانيا من خلال عنف ألحق أجزاء ألمانيا بمركزها البروسي بمشروع بيسمارك، نفس المنهجية في إيطاليا التي اعتمدت العنف وليس الديمقراطية، في مقابل قوميات أخرى بنيت على الديمقراطية مثل سويسرا والاتحاد الكندي”.

وأفاد حسام السكري، الاستشاري الإعلامي، والرئيس الأسبق ل”بي بي سي” العربية، بضرورة العمل أولا على مصلحة الشعوب بشكل أساسي وما يحققه ذلك من انعكاسات إيجابية على المواطن البسيط.

وقال السكري متسائلا:”هناك مآسي طالت عددا من الهويات التي أردنا دمجها قسرا تحت مفهوم العروبة كالأكراد مثلا، نحن أمام هوية متجددة ربما تتطور في المستقبل بشكل آخر، بقدر ما نتحدث عن هوية إنسانية تجمعنا. أنا مشروع من الحضارة القائمة الآن، أجدادي ساهموا فيها وإخواني وأصدقائي يساهمون فيها. لماذا نشعر دائما بالاستعداء وأننا مهددون، ولما الخوف من الآخر وتهديده المزعوم لطمس هويتنا فقط لأنه يمارس حقه في إنتاج منتجاته المعرفية والثقافية؟”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى