موسم أصيلة ال42 يحتفي بالشيخ زايد”القائد المتبصر”

زكي نسيبة: القضايا الإنسانية والخيرية استحوذت على فكره

أشاد عدد من المتدخلين المغاربة والإماراتيين بمناقب الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في ندوة بعنوان”الشيخ زايد..رؤية القائد المتبصر”، والتي جرى تنظيمها على مدى يومين، في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي ال42.

وشكلت هذه الندوة مناسبة لتجديد موقف دولة الإمارات الداعم لمغربية الصحراء، وكذا التأكيد على العلاقات الثنائية المتميزة التي تجمع البلدين، بقيادة الملك محمد السادس وخليفة بن زايد آل نهيان.

القوة الناعمة

وأكد محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، في الجلسة الأولى للندوة، مساء الجمعة، والتي احتضنتها مكتبة الأمير بندر بن سلطان، أن دولة الإمارات كانت ولا تزال في صف المغرب للدفاع عن الوحدة الترابية، مشيرا إلى افتتاح قنصلية عامة لها بالداخلة.

وقال بن عيسى:”يغمرني شعور بتأثر عميق وأنا أفتتح هذه الندوة المخصصة لاستحضار ذكرى وصورة زعيم عربي وقائد فذ، لم تنقطع الإشادة بمناقبه الطيبة، وسيرته العطرة، في مختلف المحافل الفكرية والسياسية بالوطن العربي وخارجه، منذ أن غادر دنيانا في مثل هذا الشهر من العام 2004، فكلما مر الوقت وتغيرت الأحوال، وتأزمت الأوضاع، وكثرت المستجدات في المنطقة العربية، إلا واشتدت الحاجة إلى زعامات من طراز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وعمنا شعور جماعي بالرغبة في استعادة سيرته للتأمل في ملامحها المتفردة والتمعن في أسلوب بناء دولته وكيف قادها في ظرف سياسي حرج، ميزه زخم إقليمي دولي، لم يكن أقل توترا وغليانا من الذي نعيش تبعاته في الوقت الراهن”.

وأشار بن عيسى إلى”القوة الناعمة” التي ميزت كل خطوات الشيخ زايد وقراراته الكبرى التي اتسمت أيضا بالتريث وبعد النظر وعدم الحرج من النقد الذاتي والقيام بالتصحيح والمراجعة إذا لزم الأمر، في إطار نهج متأصل حمى وصان الإمارات من الأخطار والأطماع التي حاقت بها في طور التأسيس. كما ذلل توجهه صعوبات وعثرات الطريق، كون الدولة الجديدة واقعة جغرافيا في منطقة استراتيجية شديدة الغليان ومحط أطماع في الماضي والحاضر.

وأضاف بن عيسى:”بلادنا مدينة بالأيادي البيضاء الكثيرة للشيخ زايد، بكرمه ومؤازرته للمملكة المغربية وشعبها، في ظروف الشدة التي فرضها علينا الجوار الجاحد. ولا ينسى المغاربة بكافة مستوياتهم زيارات سموه المتكررة، لبلادنا وفترات إقاماته الممددة بين ظهران أشقائه، يحل بها بدعوات ملحة ومفتوحة من لدن شقيقه الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، ولا تغيب عن الذهن صور الود والتجانس الذي ربط الزعيمين الحكيمين متحدين من أجل الخير والسلام ورفعة الأمة العربية والإسلامية”.

وسجل بن عيسى اقتران اسم الشيخ زايد بمنشآت خيرية وصحية وتنموية في مناطق من المغرب، لافتا إلى أن مدينة أصيلة نالت نصيبها الأوفر، من المشاريع التي شيدت لصالح سكانها، منها العمرانية والتربوية، وخاصة المتحف الكبير الذي سجل اسمه ب”متحف الشيخ زايد للفنون”، والأكاديمية الملحقة به والمتخصصة في الأبحاث الفنية والعمرانية.

علاقات استراتيجية بين المغرب والإمارات

من جهته، أشاد عبد الله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات، في كلمة ألقتها نيابة عنه، عن بعد، ريم الهاشمي، وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي، بالشيخ زايد، قائد الأمة الإماراتية، الذي أرسى دعائم الدولة المستقبلية.

وأضاف بن زايد:” بهذا التكريم، نكرم ماضينا والحلم الذي جعله زايد حقيقة نفخر به جميعا كشعب إماراتي وشعب عربي”، في إشارة إلى”معرض إكسبو” بالإمارات التي تستضيف أكثر حدث عالمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، محققا رؤية المؤسس الشيخ زايد ولنظرته الاستراتيجية الأولى التي تميز بها منذ توليه رئاسة البلاد سنة 1971، والتي كان لها الأثر الكبير في كل إنجاز إماراتي حتى اليوم، فالإمارات متمسكة بالبعد الاستراتيجي، الذي مكن أبناءها من الوصول للفضاء.

واعتبر بن زايد أن الحرص على رؤية تنموية شاملة أدت لتغييرات منهجية، ترتكز على التنمية المستدامة والبيئة وتنمية رأسمال بشري، لافتا إلى أن السلام يمثل عنصرا حيويا  من أجل الخير ومصلحة الإنسان في الإمارات وكل مكان، فضلا عن تبنيها لثقافة الاعتدال والتسامح والسلام.

من جهته، قال مبارك ابراهيم الناخي، وكيل وزارة الثقافة والشباب، في كلمة ألقاها نيابة عن نورة الكعبي وزيرة الثقافة والشباب في الإمارات، إن هذه الندوة تعد مناسبة تعكس حجم العلاقات الاستراتيجية المميزة بين الإمارات والمملكة المغربية والتي كرسها الوالد المؤسسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك الراحل الحسن الثاني والتي تسير نحو مستقبل مشرق بخطى ثابتة بفضل قيادة البلدين الممثلة في الشيخ خليفة بن زايد أل نهيان والملك محمد السادس.

وزاد الناخي مبينا:”زايد لم يكن شخصية عادية، بل كان أبا ومعلما يحمل في قلبه من العزم والطموح ما وضع البلاد في قمة الدول بتأسيس علاقات وثيقة مع دول العالم وبالأخص المغرب، حيث وضع قبل خمسين عاما أسسا راسخة للدولة وهاهي قيادتنا تتطلع لخمسين عاما المقبلة بعزم وتصميم لحرصها على مستقبل أفضل في شتى المجالات منها الثقافي الذي يعد من أبرز القطاعات الاستراتيجية، بالشراكة والتعاون مع الدول البارزة في المجال منها المملكة المغربية التي تمتاز بحضارة راسخة وثقافة معرفية وفكرية كبيرة”.

وأكد الناخي دور هذه الفعاليات التي تلعب دورا بارزا في تعزيز العلاقات الثقافية من خلال طرح الأفكار الرائدة والإضاءة على شخصيات حفرت اسمها في سجل التاريخ، لكونها حلقة واحدة من سلسلة حلقات تعاون بين البلدين الشقيقين، في استكمال مسار تعزيز البناء الثقافي بين البلدين والبناء الإيجابي على مستوى العلاقات المميزة بين البلدين.

الإمارات من أكبر 30 اقتصادا في العالم

بدوره، أوضح زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لرئيس الدولة والرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، في كلمة ألقاها عن بعد، أن الشيخ زايد تفرد من بين الزعامات السياسية العالمية وألهم الشعوب في بلده والخارج من خلال رؤيته السياسية وبوصلته الأخلاقية القوية وتفانيه في التخفيف من ألم البشرية لتصبح الإمارات اليوم واحدة من أكبر 30 اقتصادا في العالم في فترة وجيزة من الزمن، استطاع من خلالها العبور بها من واقع خمسينات القرن الماضي المليء بشح موارده وقساوة ظروفه إلى تبني مجتمع الرفاهية والازدهار الذي يضاهي أكثر الدول تقدما، وبالتالي تبوء مركز ريادي على الساحتين الإقليمية والعالمية والقيام بدور فاعل على المسرح العربي والدولي والمساهمة في جهود السلام والاستقرار في المنطقة.

وقال نسيبة:”رغم إدراكه التام أن الاتحاد كان مفهوما حديثا للمنطقة في تلك الفترة بالرغم من أن جده الشيخ زايد الأول حاول دون نجاح جمع الإمارات في إطار واحد في بدايات القرن العشرين إلا أن اعتقاد الشيخ زايد بإمكانية تنفيذ الاتحاد على أسس الروابط المشتركة التي تربط بين مختلف الإمارات كان ثابتا، فقد عمل على ترجمة مبادئه وأفكاره عن التعاون والمساندة المتبادلة إلى أفعال بتخصيص جزء كبير من دخل إمارته من النفط لصندوق تطوير الإمارات المتصالحة قبل بداية دولة الإمارات كدولة اتحادية سنة 1971، فهو لم يكن سياسيا صرفا بل كان أصدق وأنبل، قائدا حكيما وحاكما عادلا وشاعرا رقيق الفؤاد وبدوي سمح المعشر أحب كل العالم فأحبه العالم كله”.

ونوه نسيبة بدعم الشيخ زايد لقضايا الأمتين العربية والإسلامية، باعتبار أن التضامن العربي هو الدعامة التي تعتمد عليها الأمة العربية في مواجهة التحديات.

وقال نسيبة:”كان لدى زايد إيمان عميق أن التعليم والثقافة والمعرفة تمثل البوابة الذهبية التي ينطلق منها أبناء الوطن لمسيرة واعدة من التطور والريادة في مختلف المجالات التنموية سعيا لترسيخ أعمدة الدولة بأيد مواطنة، مما جعل الإمارات تحقق مكانة متميزة وإنجازات غير مسبوقة مكنتها من احتلال الصدارة عربيا، فأصبحت النموذج الأمثل في المنطقة من حيث التطور والنمو في شتى المجالات وتنويع مصادر الدخل وتطوير القطاعات الاقتصادية غير النفطية واعتماد اقتصاد معرفي مبني على التكنولوجيا والعلم”.

وأفاد نسيبة باستحواذ القضايا الإنسانية والخيرية على فكر الشيخ زايد داخل البلاد وخارجها، والتي بلغ حجمها بتوجيه منه على شكل منح وقروض ومعونات أكثر من 98 مليار درهم حتى أواخر عام 2000.

وأشاد نسيبة بامتلاك بلاده لسجل راسخ من التسامح الديني والثقافي، وهي التي تحتضن أكثر من 200 جنسية وفرت لهم الدولة قوانين تحترم أعرافهم وتقاليده وممارسة شعائرهم بحرية.

وحول الأبعاد الأساسية التي طبعت شخصية الشيخ زايد، قال نسيبة:”هناك أربعة أبعاد تشمل البعد الديني، فهو عميق التدين قوي الإيمان يستند لعقيدته الإسلامية الراسخة، والبعد الوطني، لكونه نذر نفس وحياته لبناء الوطن والعمل لتحقيق تطلعاته دون راحة أو كلل، رغم أنه واجه تحديين أساسيين، يهمان افتقاد الإمارات لمقومات الدولة الحديثة من مستشفيات ومدارس وطرق وكهرباء وماء وكوادر وطنية مؤهلة، ليبدأ باستقبال الخبراء العرب والأجانب وجلب الخبرات اللازمة لبدء مسيرة البناء، ثم تحدي آخر شمل توفير السياج الواقي لأمن وسلامة الوطن”.

وزاد نسيبة مبينا:”هناك أيضا البعد القومي العربي، فالشيخ زايد كان مسكونا بقضايا الأمة العربية منشغلا بهمومها يؤمن بوحدة المصير العربي، أما البعد الرابع فيعكس شمولية نظرته الإنسانية للعالم ورؤيته شبه الصوفية للإنسان ومكانته للكون، فقد كان يتكلم عن وحدة المصير للبشرية كأسرة واحدة رغم تعدد الأديان والأعراق”.

المسيرة الخضراء.. احتفاء إماراتي أيضا

أما علي راشد النعيمي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، ورئيس لجنة الدفاع والداخلية والشؤون الخارجية في الإمارات، فسجل أن تناول سيرة الشيخ زايد يحمل شجونا خاصة، مشيدا بأنشطة ومبادرات مؤسسة منتدى أصيلة كمنصة عالمية للريادة الثقافية بين مختلف الثقافات.

وقال النعيمي:”نشهد الاحتفال بمناسبتين غاليتين أخيرا، أولا، احتفاء المغرب بالمسيرة الخضراء التي رسخت وحدة التراب الوطني المغربي ووجدت مباركة من الشيخ زايد وتجسدت تلك المباركة بمشاركة ابنه الشيخ محمد آل نهيان فيها، وبالمناسبة فاحتفاء المغرب بها هو احتفاء إماراتي أيضا، والمناسبة الثانية، هي إطلاق الإمارات لما نسميه “مبادئ الخمسين القادمة” التي نحتفي بها الشهر المقبل، بمناسبة مرور خمسين عاما على إنشاء الدولة ونتيجة للخبرة التي اكتسبتها القيادة الحالية التي تبنت مبادئ أسميناها المبادئ العشر الخمسين القادمة”.

وسجل النعيمي أن الشيخ زايد مثل قيادة سياسية أفعالها بخلاف قيادات سياسية في بعض الدول، مشيرا إلى أنه شكل أول شخصية عربية تمكنت من إنجاح التجربة الوحدوية الوحيدة رغم تحديات التداخل الإقليمي بين الإمارات وتشكيك دولي في قدراتها بعد إعلان بريطانيا انسحابها من شرق السويس.

وقال النعيمي:”العديد من النخب المثقفة العربية وقفت موقف المشكك، و كانت تنظر لنا كدولة رجعية وجزء من أنظمة رجعية تستغل شعوبها، والآن العالم شاهد على أن الشيخ زايد كان أكثر تقدمية من أي زعيم تقدمي، نحن دولة تمتاز بحيوية غير طبيعية وتلاحم بين القيادة والشعب، أحيانا يتم توصيف دول الخليج أنها متخلفة وهو توصيف نتيجة رواسب فكرية، فمفكرو المنطقة العربية لم يتمكنوا من تجاوزها، ونتمنى منهم إعادة النظر في أنظمتنا بسياق الإنجازات الموجودة فعليا”.

وأشار النعيمي لما تعانيه الدول العربية حاليا كجزء من منطقة مضطربة وعقل عربي مأزوم، مما يستدعي تبني الرسائل الإيجابية التي كان يبعثها الشيخ زايد لصناعة مستقبل للمنطقة، ومواجهة أزمات الفقر والبطالة والتمزق والتطرف ونظريات المؤامرة، عن طريق التعامل مع المحيط وفق رؤية زايد المبنية على جسور الثقة والاحترام والإيمان بقيم مشتركة.

رائد الإصلاح والتحديث في الخليج

من جهته، ذكر مراد زوين، أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، بالتحولات التي كانت حافز نحو التكتل والخروج من الإمارات المتناثر والسعي نحو قيام الأمة، ومنها العقيدة الوحدوية والإصلاح والتحديث، وانتشار ثقافة التحرر، والاستعمار البريطاني في المشرق والفرنسي في المغرب العربي، ثم ظهور الفكرة القومية بعد ثورة 1952 والحرب الباردة وانعكاساتها على المنطقة العربية، وكذا هزيمة حزيران 1967 وما خلفته النكسة، وحرب أكتوبر سنة 1973 لرد الاعتبار للعرب ثم الوعي بأهمية تحديث البنيات التحتية بعد اكتشاف البترول في المنطقة.

وقال زوين إن المسيرة الوحدوية تحققت بعد فترة طويلة ضد التجزئة والتخلف والحرمان، فكان الشيخ زايد أول من طرح فكرة تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ليتأسس فعليا سنة 1981 وكان هدفه تحقيق الأمن والاستقرار للوصول للتكامل الشامل لوحدة العالم العربي، ليصبح بذلك الشيخ زايد “رائد الإصلاح والتحديث في منطقة الخليج”.

وأوضح زوين أن الشيخ زايد تمتع بعقيدة الإصلاح والتحديث بجانب عقيدته الوحدوية وسعيه لتوحيد الإمارات العربية وحلمه بتوحيد الأمة العربية، بتحديث مؤسسات الدولة وعصرنة المدن والإنسان بإدخال إصلاحات في مجالي التعليم والصحة وقطاعات اجتماعية أخرى.

وقال زوين إن الشيخ زايد تميز بإعطائه الأهمية للثروة المادية لم ينس أهمية العلم والتعليم في بناء المجتمع المتماسك، فتعليم الناس وتثقيفهم بحد ذاته ثروة كبيرة، مما دفعه إلى إرسال بعثات طلابية للخارج للاستفادة من الخبرات والعلوم والدفع بالمجتمع الإماراتي نحو التقدم والازدهار، كما قام ببناء مدارس وجامعات جعلها منارة للفكر والعلم، معتبرا أن الثروة الحقيقية هي ثروة الإنسان وليس المال والنفط، فلا فائدة في المال إن لم يسخر لفائدة الوطن والشعب.

وذكر زوين أن الشيخ زايد سعى منذ 1969 لاستغلال عائدات البترول لرفع عجلة التنمية والتحديث لتحقيق نمو مستدام يعود بالنفع على الدولة، مما يظهر بجلاء في ارتفاع الدخل القومي للفرد في الإمارات، وكذا ظهورها كأبرز مركز اقتصادي ومالي في المنطقة.

وحدة الأمة ممكنة

وركزت الجلسة الثانية من الندوة، التي احتضنها مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، اليوم السبت، على إنجازات الشيخ زايد وإيمانه بالحلم الذي تحول لحقيقة بتكوين دولة قوية بفضل ذكائه وطموحه ونظرته الثاقبة.

وقال الخبير والمحلل السياسي الموريتاني، عبد الله ولد أباه،:”حدثني وزير خارجية موريتانيا الأسبق المرحوم حمدي ولد مكناس أنه زار الشيخ زايد عند قيام الدولة الموحدة عام 1971، وكانت أبو ظبي قرية صغيرة تحبو بين رمال الصحراء وشاطئ الخليج ولم يكن فيها ما يغري بالزيارة، بيد أنه خرج بلقائه الأول مع الشيخ زايد بإحساس قوي أن هذا البلد سيكون له شأن كبير بفضل قيادة هذا الرجل الاستثنائي”.

وأضاف ولد أباه:” يذكر المرحوم ولد مكناس ماذا قال له الشيخ زايد بخصوص بناء الاتحاد الإماراتي، حيث ذكر له أنه تأسف أشد الأسف على فشل مشاريع الاندماج العربي وكان قوي الإيمان بوحدة العرب وضرورة تضامنهم واتحادهم، فأراد أن يبين للعالم أن وحدة الأمة ممكنة إن احترمت إرادة الشعوب وظهرت المصلحة المشتركة دون إكراه أو ضغط .والواقع أن قيام الاتحاد الإماراتي من الإنجازات والمكاسب التي يعتز بها عموم العرب، وقد صمد هذا الاتحاد بل تعزز وتوطد، وأصبح في مأمن من التفكك والتراجع على عكس ما توهم الكثيرون”.

وزارة”السعادة”

وسجل ولد أباه أن المشروع التنموي الإماراتي الرائد الذي وضع أسسه الشيخ زايد يقوم على ثلاث مرتكزات كبرى، تشمل الاستثمار في الإنسان الإماراتي وتأهيله للفعل المبدع والنشاط المنتج، وتركيز الحركية التنموية حول رفاهية المواطن وإشباع حاجياته الأساسية، بما عكسته مقولة ” السعادة ” التي أطرت ووجهت المقاربات التنموية المتتالية إلى حد أن السلطات الإماراتية خصصت لها أخيرا حقيبة وزارية مختصة، وأيضا الانفتاح الواسع على العالم وتأهيل الإمارات لتصبح مركزا اقتصاديا عالميا كبيرا، إدراكا مبكرا لديناميكية العولمة الاقتصادية، ووعيا بالميزات الإيجابية لهذه الدولة الناهضة في مسارات التبادل التجاري العالمي في ملتقى الطرق بين المشرق العربي والمحيط الهندي والعالم الآسيوي الواسع.

عطاء إنساني ودعم للمرأة

بدورها، أشارت الصحافية المغربية، فاطمة نوك، إلى رؤيته للعمل الإنساني، ودعمه الاستباقي لدور المرأة، مما يدل أنه كان رجلا سابقا لعصره.

وأضافت نوك:”مبادراته الإنسانية العظيمة، تمثل تجسيداً للعطاء الإنساني في أصدق تجلياته، بشكل جعل منها تاريخا للأجيال، ومصدر عطاء مستمر ومؤسس هدفه مد يد العون للمحتاجين وتنمية الإنسان في كل مكان. في المغرب، كما في السودان، أو باكستان، الجزائر أو اليمن، أو لبنان، أو البوسنة أو موريتانيا وغيرها، في القرى والبوادي.. لا يمكن حصر المساعدات الإنسانية التي  تحمل اسم الشيخ زايد، والتي تترجم رؤيته الاستشرافية  للعمل الإنساني الذي يمتد لكل البلدان أو المناطق أو الأهالي التي تواجه الأزمات أو تعاني قلة الموارد،  ومن حفر الآبار إلى بناء المدارس والمؤسسات الطبية أو المساكن، إلى المكتبات وغيرها. تنسجم فلسفته للرسالة الإنسانية في نشر قيم التضامن بين البشر في كل مكان، والمطبوعة بالاستمرارية وعدم الإقصاء بسبب الدين أو الجنس أو البلد، وهو ما تسهر عليه اليوم الكثير من المؤسسات التي تواصل على نهجه ورؤيته”.

وفيما يخص دفاعه عن قضايا المرأة، سجلت الصحافية المغربية العديد من المؤسسات التي تركز جهودها على رعاية المرأة، حيث تم تأسيس أول جمعية نسائية في الإمارات، أولها جمعية المرأة الظبيانية سنة 1973، أي بعد أقل من عامين من تأسيس الدولة، ما يعني أن توفير الأطر المؤسسية الداعمة للمرأة، كانت من ضمن قائمة أولويات الأب المؤسس، لحظة وضع لبنات الدولة، وهو ما تواصل دولة الإمارات اليوم تنزيله من خلال هذه الرؤية الاستشرافية لتمكين النساء، واعتبارهن طرفا رئيسيا في مسار التنمية التي تعرفها وتعيشها البلاد، مشيرة إلى إنجاز  نورا المطروشي كأول رائدة فضاء إماراتية وعربية، في خطوة تترجم سعي الإمارات للريادة وتمكين المرأة.

وقالت نوك:”إن التركيز على إنجازات المرأة في الإمارات، يشعرني بالاعتزاز بشكل خاص، لأنها تمثل نموذجا  لبلد عربي يؤمن بنسائه، يوفر لهن كل إمكانات وطاقات التطور، وهو اعتزاز نابع من تتبعي لأوضاع وقضايا النساء، وأيضا  لطبيعة العلاقات الخاصة التي تربط بين الشعب المغربي والإماراتي، والتي اختصرها بالقول المغفور له الحسن الثاني حيث قال: “إنني كلما أردت أن أصف العلاقات، بين شعب المغرب وشعب دولة الإمارات العربية المتحدة، لا يمكنني أن أقول إلا أنها علاقات لا أجد لها في القاموس إلا وصفا فوق العلاقات الأخوية، وفوق العلاقات البشرية. فهي علاقة توأمين لم يفرق بينهما إلا البعد الجغرافي”.

حكمة استراتيجية وتكتيكية

من جانبه، أفاد هيثم الزبيدي، ناشر ورئيس تحرير جريدة”العرب اللندنية”، أنه يمكن النظر إلى صبر وحكمة الشيخ زايد من ناحيتين، تكتيكية واستراتيجية، بعد انسحاب بريطانيا من شرق السويس.

وأضاف الزبيدي:”رسميا بدأ الأمر بالبيان المشترك بين الشيخ زايد والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في 18 فبراير 1968. هذا بيان مشترك، لكنه ثمرة لتوجه الشيخ زايد نحو الوحدة مع شريك مؤمن. بين 18 فبراير 1968 وإعلان دولة الاتحاد في 2 ديسمبر 1971 جرت المفاوضات بين الإمارات التي تشكل دولة الإمارات الحالية بالإضافة إلى البحرين وقطر. بدءا من الاسم، الإمارات المتصالحة، نفهم واقع المنطقة”.

واعتبر الزبيدي أن استثمار أبو ظبي المعنوي والمادي في الإمارات المتصالحة بدأ مبكرا، من قبل أن تظهر بريطانيا نواياها بالانسحاب، فالإيمان بالاتحاد كان حاضرا في فكر الشيخ زايد الذي كان يدرك أن نافذة تاريخية قد فتحت تتضافر فيها عوامل مختلفة كثير منها قاس وصعب.

وزاد الزبيدي مبينا:”لو تصفحنا محاضر اللقاءات بين الإمارات التي كانت تتفاوض للوصول إلى صيغة الاتحاد، سنجد هدوء استثنائيا من الشيخ زايد. فعلى مدى أكثر من ثلاثة أعوام، كان يترك لوفود الحكومات المشاركة فرصة العودة إلى بلدانهم واستكشاف المغزى من فكرة الاتحاد، كي يكونوا على بينة. البعض اختار التقارب، والآخر، ظل يناور ويجادل ويقدم الرأي ثم نقيضه. هنا تبرز الشخصية القيادية للشيخ زايد. ترك الجميع ليقدموا ما يرونه عناصر أساسية لقيام الاتحاد. وعندما أدرك أن بعض الأطراف تناور للتسويف وشراء الوقت لغايات ذاتية أو بالنيابة عن دول إقليمية مؤثرة، كان الشيخ زايد حاسما، حينما رفض خيار إجهاض المشروع، وهذا ما حدث، قام الاتحاد بهذه الإرادة، وها هو قائم ويحتفل بيوبيله الخمسين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى