مسنون مغاربة يعيلون أسرهم رغم وطأة الشيخوخة!!

الحكومة تعد بتخصيص مدخول قار لهم لحفظ كرامتهم

من المتعارف عليه أن مسؤولية إعالة الأبناء من طرف أولياء أمورهم تتقلص بمجرد حصولهم على الاستقلالية المالية، من خلال الظفر بفرصة عمل تحفظ لهم العيش الكريم وتمكنهم من دعم الوالدين حينما يتقدم بهم العمر ويصبحون عرضة للفقر والهشاشة، إلا أن هذا الأمر لا يعكس الواقع المرير لحالات كثيرة من المسنين الذين ما زالوا يتحملون مسؤولية أبنائهم وأحيانا أحفادهم رغم المرض والعوز والضغوط الحياتية المتواترة.

معاناة متواصلة

دأبت زهور، 66 سنة، على الخروج بشكل يومي، وهي تجر عربة صغيرة تشمل قطعا مختلفة من الملابس المستعملة، قصد بيعها في أحد الأسواق الشعبية بمدينة سلا، من أجل إعالة نفسها وأسرة ابنها المتزوج التي تقطن معها.

رغم المرض والتعب الشديد الواضح على محياها، تكابد زهور بكل قوة وصلابة، وهي التي تحملت مسؤولية أبنائها منذ وفاة والدهم، لتصبح بذلك الأم والأب في نفس الآن.

الوضعية المادية الصعبة لهذه الأسرة كثيرا ما تدفع الزوجة للدخول في صراعات يومية مع زوجها وحماتها بسبب المصاريف الكثيرة لطفليها، وهو ما دفعها أخيرا لطلب الطلاق وترك منزل الأسرة، قبل أن يتدخل أفراد من عائلتها لثنيها عن التفكير في الانفصال، الذي سيؤثر سلبا على مستقبل الطفلين بعيدا عن دفء الوالد.

تقول زهور إنها تضطر في أحيان كثيرة للتسول وطلب بعض المال من معارفها وأشخاص آخرين يعرفونها حق المعرفة ويقدرون تضحيتها ويشفقون على حالها، علما أن ابنها يعاني من الصرع وهو ما منعه من الاستمرار في المهن المؤقتة التي يعمل بها، حيث يضطر لتركها وملازمة البيت في أوقات كثيرة والابتعاد عن الناس والمجتمع بشكل عام.

معاناة موازية تعيشها مي عيشة، والتي تحاول بكل السبل المحافظة على أسرتها المكونة من ابنة مطلقة رفقة أولادها وأخرى عازبة، وهي التي تخرج رغم العياء ومعاناتها من مرض السكري والضغط وضعف القلب من أجل تأمين مصروف يومي يقيها السؤال.

تقول مي عيشة، إنها كانت تعمل على بيع الفطائر التقليدية المغربية من )بغرير ورزة القاضي( في الأزقة لكن مصروفها لا يكفي، على اعتبار أن مثل هذا المشروع المصغر يفرض ضرورة وجود محل ونساء يعملن بشكل جماعي لتأمين الطلبيات للزبائن، وهو ما دفعها لامتهان بيع الملابس على أمل نجاحها في التكفل بأبنائها وأحفادها.

تكتري أسرة مي عيشة منزلا صغيرا في المدينة القديمة لسلا بمبلغ يناهز 1000 درهم شهريا، فضلا عن المصاريف الخاصة بالأفراد، وهو ما دفع ابنتها الكبرى للانضمام لنساء”الموقف” قصد الحصول على فرصة عمل كمساعدة منزلية أو منظفة.

بدوره يعيش الحاج اسماعيل (اسم مستعار)، 70 سنة، مأساة مماثلة، فعلى الرغم من زواج أبنائه وتمكنهم من بناء حياة مستقلة، إلا أنه لا يجد مانعا من العمل لمحاربة الفقر والهشاشة، فهم لا يقومون بمساندته أو تقديم الدعم المادي له ولو بالقليل، علما أن اثنين منهم مطلقان وإحداهما تعيش معه رفقة زوجها وأبنائها.

تقول زوجة الحاج اسماعيل، إنها تفتقد للود والحنان الأسري رغم محاولة لم جمع هذه العائلة الكبيرة، فحينما يتعلق الأمر بالخروج مثلا وشراء أبسط الأشياء أو ركوب سيارة أجرة أو الذهاب للحمام الشعبي، تجد نفسها مضطرة للدفع عن نفسها، حيث لا يكلف أحد من أبنائها نفسه عناء ذلك.

بنبرة حارقة، يحكي محمد، سائق سيارة أجرة صغيرة بسلا، معاناة جارته مع ابنها المدمن، بسبب إرغامها على توفير المال له، وهو ما وصل بها إلى حد التسول، خوفا منه.

يقول محمد:”رغم كونه في الأربعينات، إلا أنه لا يزال معتمدا في مصروفه بشكل كلي على والدته المسنة والمريضة، أتذكر أنها طلبت مني أخيرا مساعدتها في صباح باكر، ورغم ظروفي وما فرضته الجائحة من مشاكل اقتصادية على الأسر مستني بشكل كبير، لم أستطع ردها”.

يشير محمد إلى تطليق الزوجة التي لم تتحمل العيش مع رجل غير مسؤول ومدمن، حيث أقدمت على ترك بيت الزوجية قبل طلب الخلع، واصطحاب ابنها معها، وهو ما جعل الزوج في حالة هيجان مستمر.

التزامات حكومية

وعدت الحكومة الجديدة بتخصيص مدخول قار للمسنين لحفظ كرامتهم، ضمن مخطط “تعميم الحماية الاجتماعية” الذي ستستفيد منه الفئة العمرية من 65 سنة فما فوق والتي تعيش ظروف هشاشة.

وأفاد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أثناء تقديمه للبرنامج الحكومي أمام البرلمان، أخيرا، بالعمل على توسيع نطاق برامج المساعدة الاجتماعية عبر تحويلات مالية مباشرة، في سياق قيام الحكومة بإخراج السجل الاجتماعي الموحد لتحقيق استهداف فعال وأقل كلفة للمساعدات الاجتماعية الموجهة إلى المستفيدين، مما سيمكن من ترشيد برامج المساعدة الاجتماعية الحالية من خلال تيسير التعرف على المحتاجين إليها.

ويشمل هذا الدعم تحويلا نقديا تدريجيا، يمول من صندوق التماسك الاجتماعي، ويضمن لجميع كبار السن 1000 درهم بحلول سنة 2026، وسيتم تحويل مبلغ شهري قدره 400 درهم اعتبارا من الفصل الثاني لسنة 2022 على أن يشهد هذا المبلغ زيادة تدريجية سنة 2023 ثم سنة 2024.

المغاربة وزحف الشيخوخة

أفادت إحصاءات رسمية أن عدد المسنين في المغرب بلغ 3 ملايين و200 ألف بالنسبة للفئة العمرية من 60 سنة وما فوق لسنة 2017، وهو رقم مرشح للارتفاع ليبلغ الضعف تقريبا بحلول عام 2030، ثم أزيد من 10 ملايين بحلول عام 2050.

يقول عبد الرحيم عنبي، أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة ابن زهر بأكادير، ل”صحراء ميديا المغرب”، إن المجتمع المغربي يتجه نحو الشيخوخة اعتمادا على الإحصاء العام للسكان والسكنى سنة 2014 وكذا دوريات مديرية الإحصاء، بالنظر إلى مستوى التنمية ومتوسط أمد الحياة الذي يتجه للارتفاع والتغذية وتطور الصحة، وهو ما يقابله حدوث تفكك اجتماعي أسري بوجود مسنين يعيشون داخل أسرهم وآخرين في عزلة وفئة ثالثة مستقلة ما زالت تزاول أعمالا ومهنا مختلفة لإعالة نفسها.

يرى عنبي أن هذه الوضعيات المختلفة تؤشر لوجود مجتمع استهلاكي لم يعد ينتج قيمه واقتصر على الاكتفاء الذاتي، بحيث لم يعد للمسن الذي يبلغ مرحلة عمرية معينة ذلك الدور الاجتماعي المعتمد أساسا على إنتاج الحكمة والقيم الأسرية النبيلة والراسخة، ليتحول إلى أداء دور اقتصادي محض، مما أفقده مكانته الاجتماعية داخل محيطه الأسري، فضلا عن تعرضه للإقصاء والتهميش والتشرد والتنمر من خلال مناداته ب”الشارف” و”الشيباني”.

ويقول الأخصائي الاجتماعي:”الأسر اليوم أصبحت مكانا وفضاء لتجميع النقود لمواجهة الصعاب والغلاء الحاصل وتلبية الحاجيات اليومية لهذه الأسر، والتي تطمع في هذا الشخص المسن لتحقيقها بحمله على الخروج والعمل، في غياب سياسات أسرية تستهدف الشخص المعني وتدعمه للعيش بأريحية”.

وحول الإعانات المالية التي وعدت بها الحكومة الجديدة لصالح المسنين، قال عنبي إن الأحزاب السياسية أخلفت الموعد حيث لم تكن لديها التزامات، قبل أن يستدرك قائلا:”لا نحاول تبخيس الحكومة في مشروعها الطموح لتحسين وضعية المسنين، غير أن الأمر ينبغي مقاربته من خلال دراسة حالات مسنين في مناطق مختلفة، فوضعية وظروف المسنين في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء وغيرها تختلف عن المدن الصغرى والمتوسطة”.

يضيف عنبي مبينا:”هذا الدعم ينبغي أن يكون موجها للأسر لحملها على إعادة الدفء والروابط الأسرية لأفرادها عن طريق رعاية المسن المعني بالأمر، فضلا عن اعتماد مراقبين في إطار المساعدة والمواكبة الاجتماعية والقانونية أيضا، لنأخذ العبرة مثلا من برنامج”تيسير”، الذي يطرح التساؤل حول مدى نجاحه في دعم التمدرس، قد يكون ناجحا باستعراض الإحصائيات لكن على مستوى المردودية، فالأمر مختلف، حيث نجد آباء يصرفون مبالغ الدعم على الأسر والأبناء”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى