أكاديميون: المغرب لا يستغل شبكة علاقات الخليج لخدمة قضيته الوطنية

طالبوا بإنشاء معهد للدراسات بين الجانبين

اعتبر إعلاميون وأكاديميون أن المغرب لا يستغل شبكة العلاقات التي تجمع بين الخليج وعدد من القوى المؤثرة عالميا من أجل خدمة قضية الوحدة الترابية.

خطة عمل براغماتية

وقال محمد آيت بوسلهام، الباحث في العلاقات المغربية- الخليجية ورئيس لملتقى الاستثمار المغربي- الخليجي، في لقاء فكري حول موضوع”العلاقات المغربية الخليجية..شراكة استراتيجية متعددة الجوانب”، نظمته مؤسسة الفقيه التطواني، مساء الخميس، إن المغرب يحتاج لخطة عمل براغماتية لفهم العقلية الخليجية، مسجلا التفاوت الحاصل على مستوى التواصل بين الجانبين، بالنسبة للغة التي يجري توظيفها في المنشورات والمراسلات، مما يعيق الجانب المتعلق بفرص الاستثمار، علما أن المغرب يوظف اللغة الفرنسية التي لا تعد أساسية في دول الخليج التي تستخدم اللغة الإنجليزية.

وطالب آيت بوسلهام بالعمل على تغيير الصورة النمطية بين الجانبين إعلاميا، مع ضرورة تفعيل معهد الدراسات المغربية- الخليجية.

وسجل آيت بوسلهام معاناة الاستثمارات الخليجية من عدم تتبع إعلامي مغربي ملموس، خاصة أنها خرجت عن المنطق الكلاسيكي في العقار والسياحة وأصبحت تستهدف مجالات الطاقة والاتصالات، والطاقات المتجددة، والزراعة والصناعات الغذائية، لتشكل قفزة نوعية كميا.

وأشار آيت بوسلهام إلى تاريخية العلاقات بين المغرب ودول الخليج، والتي تعود لزيارة الملك الراحل محمد الخامس للكويت في 30 يناير 1961 أي قبل استقلالها، حيث دعم حصولها على الاستقلال، مشيرا إلى زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للمملكة المغربية بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني، الذي دعم فكرة إنشاء اتحاد الإمارات ووفر الاتصالات الدولية لإنشائها.

وحول التحديات الكبرى في الشراكة المغربية- الخليجية، قال آيت بوسلهام:”أثناء مقاطعة الدول لقطر في 2017، لم يكن المغرب مساندا لقطر وباقي الدول، بل كان محايدا بإيجابية وفضل البقاء في مسافة وإيجاد أرضية مشتركة لنزع فتيل الأزمة، وهو ما حصل فعليا بزيارة الملك محمد السادس لأبوظبي والدوحة وإطلاق المشاورات السياسية التي أنهت الأزمة على أساس تعاون إقليمي ومغربي- خليجي”.

وأفاد الباحث في العلاقات المغربية- الخليجية بأهمية المكتسبات الاقتصادية الخليجية للمملكة، منها منحة ب5 مليار دولار وتمويل مشاريع إنمائية واستثمارات خليجية تتجاوز 30 مليار دولار، وتوجهات لتمويل مشاريع مغربية- إفريقية.

وزاد مبينا:”الأمل أن تكون للشراكة عنوان جديد بتفعيل وزارة الشؤون الخارجية لمديرية المشرق والخليج للارتقاء بالشراكة وألا تبقى حبيسة مشاريع غير واضحة المعالم بل مخطط عمل بتنظيم فعاليات وإنشاء منطقة حرة مغربية- خليجية وإنشاء مجلس أعلى مغربي- خليجي لرسم خارطة طريق لمستقبل العلاقات بين المغرب والخليج”.

علاقات تتجاوز الخلافات الظرفية

وقال أبو بكر التطواني، رئيس مؤسسة الفقيه التطواني، إن علاقات المغرب مع دول الخليج ليست وليدة اليوم بل هي تاريخية، أسست فيما بعد لشراكة متينة منذ سنة 2012 مع دول المجلس الذي يعتبر أول تنظيم إقليمي عربي وصل لدرجة متقدمة من الاندماج.

وأضاف التطواني:”الثوابت التي تقوم عليها العلاقات المغربية- الخليجية توجت بعلاقة الملك محمد السادس بملوك وأمراء الخليج والمواقف الداعمة أمنيا وعسكريا وسياسيا الصادرة من كلا الطرفين والتي جعلت من هده العلاقات تتجاوز الخلافات الظرفية وتنبئ بمستقبل واعد في مختلف مجالات التعاون”.

من جانبه، ذكر عبد الحق بلشكر، مدير موقع اليوم 24، بعلاقات المغرب والخليج الضاربة في التاريخ بمستويات سياسية واقتصادية واستراتيجية، رغم التحولات التي عاشها العالم العربي خاصة بعد ثورات الربيع العربي وما أفرز من إعادة تشكيل العلاقات الدولية، إلا أن هذه العلاقات بقيت ملتزمة بثوابت على مستوى المواقف السياسية والتعاون الأمني والعسكري والاستراتيجي، في سياق أحداث وتفاعلات سياسية وإقليمية أثرت عليها مثل الحرب في اليمن والملف الليبي والموقف من الإسلام السياسي لتظل ثابتة ومتطورة نحو آفاق جديدة.

ارتفاع المساعدات المالية

من جهته، أبرز العربي الجعايدي، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، التطورات الحاصلة في المنطقة منها العلاقات البينية بين دول الخليج والمواقف المختلفة التي برزت داخل مجلس التعاون الخليجي تجاه بعض الملفات والقضايا التي تمس المصالح الاستراتيجية لدول الخليج ولا سيما منها المصالح الأمنية.

وأضاف الجعايدي:” سنة 2017 كانت نقطة تحول أساسية في تطور المجلس النوعي غير المسبوق في العلاقات الخارجية، حيث سحبت 3 دول خليجية وهي السعودية والبحرين والإمارات سفراءها من قطر، مما شكل تداعيات بالغة الخطورة على مستقبل المجلس، لكن اليوم هناك مناخ آخر يفتح أفقا جديدة بعد التعامل الدبلوماسي بين دول الخليج، ثانيا، هناك الصعود الاقتصادي والسياسي على المستوى الدولي ودور المجلس في بناء التنسيق في المراحل الأولى، من مظاهره الاندماج بالمنطقة ودول المجلس بشكل متزايد في الاقتصاد العالمي انطلاقا من سنة 1990 والذي كان له أهمية في التطور الإنمائي للمنطقة، وعلى خلفية التحولات في المعطيات الجيوسياسية، أصبحت دول الخليج مراكز أكثر قوة دوليا، ليتبين أن دور مجلس التعاون الاقتصادي كان له مكانته في الدفع بالتحولات الداخلية لكل بلد على حدة”.

وأفاد الجعايدي بمساهمة النظام الاقتصادي والسياسي العالمي في صعود دول الخليج على الساحة الدولية وتطور منظور القيادات الرسمية، بالإضافة إلى طبيعة التغيير بعد الأزمة المالية العالمية والتي كان لها مساهمة في الخروج منها والتسريع بالصعود بهذه الدول لتشكل وقعا مهما في الفضاء المالي.

وقال الجعايدي إن التحول الذي عرفته دول الخليج جاء بنوع من التغييرات العميقة والتحديات منها استراتيجيا صعود إيران كقوة إقليمية ونمو الانقسامات الطائفية والعرقية والإيديولوجية داخل المنطقة، والتنافس الفكري داخل دول المجلس، وأيضا التحول في النظام العربي والأزمة التي يعرفها ونظام الحكم داخل دول الخليج في علاقته بالتطورات المجتمعية، والذي عانى بدوره من إشكالية مهمة تؤثر على مساره الآن، وتهم التناقضات في التصور بين جميع دول الخليج فيما يخص الإشكالية الأمنية والتي تعتبر مصدر قلق على المستوى العالمي بصفة عامة.

واعتبر الجعايدي أن دول الخليج تصطدم بتناقضات، منها التنافس بين السعودية والإمارات وإيران، في صراع يؤثر على مسار التحكم في الأمن الجهوي، والخلاف بين قطر و3 أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، مما يلقي بثقله على قدرته في العمل المشترك وأيضا فشل الاتفاق النووي الإيراني وتصعيد التوترات بين إيران وأميركا، والتوقيع على اتفاقية التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل من جانب من يرى فيها خلق مناخ جديد للسلم وآخر يشير إلى مخاوف في المنطقة.

ونوه الجعايدي بموقف المغرب المساند لقطر إبان الأزمة الخليجية السابقة، مما يدل على حكمة ورزانة في الوقت الذي حسم فيه الإشكال ومن تم إظهار المغرب في صورة الدول التي تهدئ القلق داخل المنطقة.

وسجل الجعايدي ارتفاع المساعدات المالية الخليجية للمغرب في واجهات متعددة، مما ساعده على تجاوز أزمات داخلية، على مستوى الاستثمار، لافتا إلى ضرورة إعادة التقييم في هذا الإطار، علما أن الفائض المالي للخليج اندثر نسبيا وذهب باتجاه التحولات الداخلية من بنيات تحتية وتطورات إنتاجية.

موقف مغربي رزين

بدوره، قال الموساوي العجلاوي، الباحث بمركز إفريقيا والشرق الأوسط، إنه من الضروري تقسيم العلاقات بين المغرب والخليج لمرحلتين أساسيتين.

وأضاف العجلاوي:”قبل 2011 ومنذ أن استقلت دول الخليج في بداية 1970 أي قبل تأسيس مجلس التعاون الخليجي، كانت هناك علاقات تاريخية قوية جدا، وهنا يطرح السؤال لماذا هناك إجماع على مساندة الخليج للمغرب في قضيته الوطنية؟ وهنا أشير إلى أن مطبوعات القصر الملكي بالمغرب، أبرزها سلسلة” انبعاث أمة”وعدد من الوثائق تبرز مشاركة جل دول الخليج في المسيرة الخضراء ومساندته إبان انطلاق النزاع الإقليمي، كما أن المغرب هو أول دولة اعترفت باستقلال الإمارات، فضلا عن مساندته لهذه الدول على المستوى الاقتصادي والمالي والثقافي، لكن بعد 2011 وقع تحول في العالم العربي، حيث لم يعد كما كان من قبل، فما سمي بالربيع العربي فتح مسارات مستقلة للدول لبناء تجاربها، وأثر على مستوى مجلس التعاون الخليجي”.

واعتبر العجلاوي أن الموقف المغربي خلال الأزمة الخليجية كان رزينا ينظر للأفق على أساس أن مجلس التعاون الخليجي يجب ألا تنقص هيبته وقوته على المستوى العالمي، رغم تسجيل ردود سلبية من بعض الدول.

وقال العجلاوي:”بالنسبة للأفق الدبلوماسي يمكن أن نختزله في 5 محاور، التوافقات على مستوى البنى السياسية لدول الخليج والمغرب، فبعد 2011 حدثت تفاوتات على مستوى بناء التجارب عربيا خاصة تلك التي عرفت اهتزازات أمنية، في حين جرى تسجيل توافقات في هذه البنى بين المغرب والخليج على أساس اختلاف في المرجعيات حول الحقوق الفردية والجماعية.

وأضاف العجلاوي:”ثانيا، هناك التهديدات الإقليمية، بوجود تهديد مرتبط بنزاع الصحراء وتركيز الجزائر على أن تبقى المنطقة متوترة مما ينعكس سلبا على العلاقات العربية  ويمتد للقارة الإفريقية، ثالثا، نسجل تحولات التدخل الأميركي في العراق سنة 2003 مما كسر توازنا بين العالم الإيراني الشيعي والعربي السني، حيث كان العراق هو الميزان بينهما تاريخيا وحضاريا، في إطار نوع من التمدد الإيراني في الشرق العربي يمس دول الخليج بطريقة مباشرة، ثم التشيع العربي الذي يمس غرب وشرق العالم العربي، وهوا ما توظفه إيران لأوراقها الدولية خاصة الملف النووي، ثم رابعا، تقارب بين المغرب ودول التعاون حول بناء نظام عربي جديد، بوجود استثمارات خليجية داخل القارة الإفريقية وما للمغرب من حضور كبير يزاحم عددا من الدول منها إيران، في أفق دبلوماسي يسمح بالتعاون حماية للاستثمارات ومواجهة التهديدات المشتركة”.

وقال العجلاوي إنه لا يمكن الدعوة لضم الصف العربي وتقويته في مواجهة التحديات والتلاعب بورقة نزاع إقليمي، مسجلا أنه خلال سنة 2017 وفي عز أزمة الدول الخليجية، كان الملف الوحيد الذي حظي بالإجماع من طرف قادتها هو الانتصار للمغرب في هذا النزاع الإقليمي.

وأشار العجلاوي إلى أن الشعب المغربي ونظيره الخليجي في حاجة لقراءات أكاديمية لفهم هذه العلاقات نظرا للرهانات المشتركة ووجوب التنسيق بين الأطراف جميعها.

من علاقات شخصية لعمل مؤسساتي

من جانبه، أورد عبد الفتاح بلعمشي، أستاذ جامعي في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن العلاقات المشتركة بين الجانبين مرت من مراحل العلاقات الشخصية بين الملك الراحل الحسن الثاني وملوك وشيوخ وأمراء الخليج، إلى مرحلة بناء مواقف موحدة والسعي للعمل المؤسساتي المشترك.

وأضاف بلعمشي:”سنة 2016 برز مفهوم جديد بتشكيل تكتل استراتيجي موحد بينهما إبان القمة المغربية- الخليجية في أبريل من نفس السنة في الرياض، وتحدث البيان الختامي عن موقف الخليج المبدئي من قضية وحدة تراب المغرب، فالثابت هو الدفاع كل من جانبه على الوحدة الوطنية للدول، وهنا ظهر الموقف المغربي من خلال قطع علاقاته مع إيران التي شككت في الموقف السني في البحرين، فضلا عن مواقف مبدئية أخرى، منها التوتر بين السعودية واليمن وهو ما دفع المغرب للمشاركة سابقا في الواجهة. هي أيضا علاقات أخوية قائمة في عهد الملك محمد السادس وزعماء الخليج سواء في انفتاحها على البعد الإفريقي أو تصريف سياستها الاقتصادية. فالمغرب طور أداءه في البنية الاستثمارية في إفريقيا من مصلحة الخليج التفاعل في هدا المجال”.

ودعا بلعمشي إلى ضرورة قراءة استراتيجية للتحولات بالمنطقة، في غياب الوهج الذي تضمنه جامعة الدول العربية، بوجود حاجة لدول الخليج والمغرب التي لم تنخرط في المد لتعيد تشكيل التعاون والشراكة فيما يتعلق بالدول التي تتمتع بالاستقرار.

وقال بلعمشي:”المغرب في موقع إيجابي والعلاقة تطورت من شخصية لاستراتيجية، في إطار توجه متقارب في السياسة الخارجية مما يضمن تعاونا في إطار مأسسة لإعطاء النتائج المتوخاة في مرحلة تعرف منافسة وتعقيدات على مستوى العلاقات الدولية في شقها الاقتصادي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى