الحنوشي يرصد الحصيلة البرلمانية في علاقتها بحقوق الإنسان في المغرب

أصدر الباحث عبد الرزاق الحنوشي، مؤلفا جديدا، بعنوان”البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات”، عن دار المناهل، الرباط.
ويهدف المؤلف الذي يتكون من 285 صفحة من الحجم المتوسط، إلى التعريف بالمرجعيات الدولية ذات الصلة بالموضوع؛ و تقديم حصيلة التجربة البرلمانية في هذا المجال(الولاية العاشرة 2016 – 2021)؛ وأيضا تقديم مقترحات وتوصيات لتطوير الأداء و ترصيد المنجز.
دراسة توثيقية
ويتعلق الأمر بدراسة تتضمن أربع محاور، أولها توثيقي وصفي وتحليلي لمجمل المرجعيات والأدبيات ذات الصلة بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان، والتعريف بمختلف الوثائق المرجعية التي تتناول موضوع البرلمان وحقوق الإنسان بغاية التعريف بها وبالممارسات الفضلى بالاعتماد على ما صدر بهذا الشأن من قبل الاتحاد البرلماني الدولي UIP والمفوضية السامية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة HCDH والجمعية البرلمانية لمجلس أوربا APCE والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض.
ويشمل المحور الثاني دراسة توثيقية وتحليلية لحصيلة مجلسي البرلمان في مجال حقوق الإنسان خلال الولاية التشريعية المنصرمة(2016 – 2021) وتشمل بالأساس فرز وتصنيف وتحليل لمواضيع الأسئلة البرلمانية ذات الصلة بحقوق الإنسان من مجموع متن الأسئلة (التي بلغ عددها 22.436) والتعريف بالنصوص التشريعية ذات الصلة بحقوق الإنسان التي وافق عليها البرلمان بما في ذلك الاتفاقيات الدولية، فضلا عن استعراض وتحليل مجمل المبادرات البرلمانية المختلفة ذات الصلة بموضوع حقوق الإنسان، فيما يتضمن المحور الثالث تقديم بعض النماذج للممارسات الفضلى للاستئناس بناء على مرجعيات الاتحاد البرلماني الدولي ذات الصلة بالموضوع وتقديم اقتراحات وتوصيات بخصوص تقوية وترصيد العمل البرلماني في مجال حقوق الإنسان.
أما المحور الرابع فيتمحور حول إدراج بعض الوثائق المرجعية الأساسية كملاحق يمكن الرجوع إليها بسهولة ويسر عند الحاجة.
تجربة ميدانية
وقال محمد بوعزيز، مدير الشؤون البرلمانية سابقا بالوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان و الأمين العام السابق للمجلس الدستوري، في تقديمه للكتاب، إلى أن انشغال مؤلفه بالحياة البرلمانية كإطار بمجلس النواب لسنوات عديدة ، قبل أن يلتحق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان على رأس ديوان إدريس اليزمي (2011-2018)، وقبل أن يعود من جديد ليشغل منصبه كمكلف بالدراسات بالمؤسسة التشريعية المذكورة ، كلها عوامل جعلته يطمئن على صدقية وجدية العمل، منوها بكتابات الحنوشي السابقة خاصة في المجال البرلماني، وتوظيفه لتجربته المهنية ورصيده المعرفي النظري.
وأضاف بوعزيز:”لعل ما يؤكد ما سبق هو التصميم الذي اختاره الكاتب لمؤلفه فجعل قاعدة لعمله بخصوص علاقة البرلمان بحقوق الإنسان، قبل أن يوظف تجربته الميدانية، مجموعة من المرجعيات المقارنة، وذلك حتى يتسنى للمطلع تكوين قناعته الخاصة حول قانوننا الوطني رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الصادر الأمر بتنفيذه بتاريخ 22 فبراير 2018 ضمن المرجعيات المذكورة”.
وأفاد بوعزيز باتساع موضوع حقوق الإنسان ليشمل مجالات لم تكن من قبل لتعد من مشمولاته، كما أن الآليات المخول توظيفها من أجل ترسيخ دور البرلمان في هذا الإطار، أصبحت بشكل مواز في تعددها، تفتح المجال أمام ممثلي الأمة لإثارته كلما تبين لها ضرورة ذلك، لافتا إلى أن الكاتب لم يقتصر، وهو يقف على حصيلة عمل البرلمان على ما تم إنجازه على المستوى التشريعي خلال الولاية العاشرة التي ركز عليها دراسته، و إنما تعداها إلى آليات المراقبة المعتمدة دستوريا ، أو تلك التي أقرها النظام الداخلي لكل من مجلسي النواب والمستشارين تحت رقابة القضاء الدستوري.
وذكر الأمين العام السابق للمجلس الدستوري أن ما أثار اهتمامه في المؤلف هو الجانب الذي تناول فيه الكاتب: “المبادرات الموازية للبرلمان في مجال الاهتمام بحقوق الإنسان “، الذي كان يود أنه لو صيغ بشكل يبرز مدى ” انصهار” البرلمان في هذا النسق الحقوقي “الجديد” – وهو بالطبع ليس بالجديد – وليس الاكتفاء بالوقوف عند حد ” اهتمامه ” به، ولعل هذا ما ينتظر الفاعلين بعد هذا الإصدار على مستوى المجلسين، خاصة مجلس النواب الذي تكاد تركيبته تلامس 400 نائب، بتخصصات مختلفة رفيعة المستوى، فرضتها طبيعة الترشيحات الانتخابية.
الانصهار الجديد
وأشار بوعزيز إلى تساؤل القارئ عن أساس ” الانصهار الجديد”، خاصة أنه يعلم أن تناول موضوع ” حقوق الإنسان ” ليس وليد دستور 2011، فالجديد أتى مع الفصل 133عندما نص هذا الأخير : ” تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور “، وهذا إقرار غير مباشر بفرضية وجود أحكام و مقتضيات قانونية في التشريع الوطني، ليست مطابقة لمبادئ وقواعد حقوقية أقرها الدستور، فكيف السبيل لجعل كل النصوص منسجمة مع ما ضمنه الدستور في هذا الشأن، وهي بالطبع حقوق إنسانية، خصها الدستور بباب مستقل جعل له كعنوان ” الحريات والحقوق الأساسية”.
وأضاف بوعزيز متسائلا:”فأي دور ينتظر من البرلمان في هذا المجال؟ قد يقال أن هذا دور الحكومة بامتياز، وهنا أستحضر ما كانت تُلَوّح به المعارضة البرلمانية بشكل منهجي قبل المراجعة الدستورية لسنة 1996، وهي تخاطب الوزراء، إذ كان نوابها، وكلما وقع فتور في عملية الإنتاج التشريعي، إلا ونسبوا ذلك إلى الحكومة اعتبارا منهم أنها ” هي المنشط للعمل التشريعي بالبرلمان عن طريق ما تتقدم به من مشاريع قوانين – ولسنا ممن يقولون غير ذلك- لكن اليوم أصبح الأمر مختلفا ، إذ أصبح الأمر يتعلق بمراجعة و تفحص كل النصوص القانونية السارية النفاذ من أجل تطهيرها من كل شائبة تمس حقوق الإنسان وحريات الأفراد، وهذا ليس بالعمل الهيّن”، مسجلا أن الحكومة تمتلك الوسائل والآليات التي تتيح لها القيام بهذا العمل بشكل أفضل، فالإدارة موضوعة تحت تصرفها إلا أن تحقيق عملية التصحيح والتطهير المذكورة لن تتحقق داخل زمن معقول، إلا إذا كثر عدد المتدخلين، ومن بينهم البرلمان بمجلسيه الذي يمتلك حق المبادرة من خلال مقترحات القوانين، علما أن مجلس النواب يضم اليوم ضمن هياكله”المركز البرلماني للأبحاث والدراسات “و مجلس المستشارين من جهته أيضا، أصبح يضم ضمن أجهزته “مركز الدراسات والبحوث في الشؤون البرلمانية”وكلا المركزين، يمكن له أن يرافق الفرق و المجموعات البرلمانية التي يفترض أن تضم خبراء و مستشارين يعملون باستمرار إلى جانبها، في أشغال اللجان الموضوعاتية، التي يتوصل إليها كلا من المجلسين لكي تكون رافدا من أجل دعم الحقوق الإنسانية، من خلال ترجمتها إلى مقترحات تشريعية ملموسة، وهذا ما يريد أن يقرأه المواطن، وهو يتصفح حصيلة العمل البرلماني بعد كل دورة.
الاختيار الديمقراطي
من جانبها، اعتبرت خديجة مروازي، أستاذة باحثة بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن الإصدار”البرلمان وحقوق الإنسان، مرجعيات وممارسات” يأتي ليؤكد الحاجة إلى مثل هذا النوع من الإنتاج المعرفي، في علاقة بالمؤسسة التشريعية من جهة وفي علاقة بحقوق الإنسان من جهة ثانية، ضمن سياق مسائل لمدى استثمار، مختلف الفاعلين المؤسساتيين وغير المؤسساتيين، لما تتيحه الوثيقة الدستورية من مكتسبات تعزز الحقوق والحريات، فبعد تنظيم ثلاث استحقاقات انتخابية في إطار دستور 2011، وبعد استنفاذ ولايتين حكوميتين وانطلاق الولاية الثالثة على دخول المقتضيات الدستورية حيز التفعيل، ما فتئ يتأكد بأن مشكل المغرب والمغاربة لا يتوقف فقط عند ضمان دستور يقر بالحقوق والحريات، ويدمج الاختيار الديمقراطي ضمن ثوابت الأمة، ويضمن فصل السلط ويقر بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بل يبدو بأن الأمر يتجاوز ذلك إلى سؤال الفاعلين والأداء والتأهيل في علاقة بالأدوار والوظائف.
وأفادت مروازي أنه إذا كان عمل الحكومة يعرف بعضا من الاهتمام المطلوب من طرف مختلف الفاعلين والرأي العام لتتبع هذه المؤسسة المعنية بامتياز بإعداد السياسات القطاعية المُهيكٍلة للسياسة العامة للبلاد، فإن اهتمام جزء من الفاعلين و كذا الرأي العام بمنجز المؤسسة البرلمانية ما يزال محدودا.
عمل تأسيسي
وأشادت مروازي بأهمية هذه الدراسة التي تتجاوز الاهتمام العام بالحصيلة إلى الانكباب الدقيق على منجزها، كعمل تأسيسي بامتياز لأنه يزاوج بين مجال مبرر وجوده بالإضافة للعمل الرقابي، هو التشريع لكل مناحي الحياة، وما يتطلبه ذلك من عمل مسترسل ومستدام و بإيقاع مكتف، ومجال آخر يتسم بدوره بغزارة الإنتاج وكثافته واسترساله على المستوى العالمي وهو مجال حقوق الإنسان بدعامتيه الأساسيتين وهما القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وبكل ما يتفرع عنهما من آليات يصعب التتبع اليومي لرصيدها المتجدد والمتنوع، حتى من طرف المختصين في علاقة بهذا المجال.
وسجلت الأستاذة الباحثة أهمية هذا الالتماس بين المجالين، فهذه الدراسة وهي تنطلق من رصد حصيلة البرلمان خلال الولاية العاشرة في علاقة بحقوق الإنسان، لم تجعل من الانتقائية مسلكا لها، بل عمل المؤلف على الرصد الشامل لتلك الحصيلة، كما أن الكاتب لم يكتف فقط بالعينة من خلال التركيز على مجلس واحد من مجلسي البرلمان أو على فئة دون أخرى من الأسئلة أو جعل كل ذلك متاحا للقارئ فقط من خلال إحالات عامة على معطيات كمية خاصة، أو على اختصاص دون آخر من اختصاصات هذه المؤسسة، بل حاول مقاربة كل ذلك بدءا بالحصيلة في علاقة بحقوق الإنسان على مستوى التشريع من جرد وتقديم لمقترحات القوانين ولمشاريع القوانين وللاتفاقيات الدولية، مرورا بالحصيلة في علاقة بآليات المراقبة من خلال الأسئلة البرلمانية ولجان التقصي والمهام الاستطلاعية ومناقشة الميزانيات الفرعية من زاوية حقوق الإنسان، وصولا إلى مختلف المبادرات الموازية للبرلمان في مجال حقوق الإنسان، حيث توقف عند اللقاءات التشاورية والندوات واللقاءات الدراسية والعرائض واللجنة الموضوعاتية المؤقتة حول المساواة والمناصفة، بالإضافة إلى مستويات العلاقة بباقي المؤسسات الدستورية.
واعتبرت مروازي أن “البرلمان وحقوق الإنسان، مرجعيات وممارسات” عملا تأسيسيا بامتياز، لأنه، وإن حدد مجاله في البرلمان بمجلسيه، وإطاره الزمني في الولاية العاشرة وموضوعه في المنجز التشريعي والرقابي في علاقة بحقوق الإنسان، فإن محتواه المعرفي يتجاوز ذلك، ليبسط ، ليس فقط أمام البرلماني بل لجميع الفاعلين، مؤسساتيين وغير مؤسساتيين، دليلا لتعزيز المعرفة بمجال حقوق الإنسان، ويتيح مرجعا يقدم ترصيدا عمليا للاختصاصات الموكولة للبرلمان حين يتقفى المؤلف تفاصيل أثرها في العمل التشريعي والرقابي على مدى زمني يتحدد في خمس سنوات العمر المُؤطِّر لكل ولاية تشريعية.