“نقابة الصحافة”: التغطية الإعلامية لحادث ريان شهدت”انزلاقات” مهنية

سجلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية حصول انزلاقات فيما يخص احترام أخلاقيات المهنة، من خلال رصدها للتغطيات الإعلامية لعملية إنقاذ الطفل ريان أورام، وهي خروقات مترتبة أحيانا عن جهل الصحافيين المهنيين بالقواعد المهنية، وأحيانا أخرى بتجاوزها عمدا بحثا عن الإثارة أو جلب المشاهدات أو التنافس على السبق الصحفي.

وأشارت النقابة في تقرير لها حول تغطية الحادث، تلقى”صحراء ميديا المغرب”، نسخة منه، إلى مجمل الخروقات التي تم رصدها في تغطية الصحف الإلكترونية لفاجعة الطفل ريان، والتي تنوعت بين مخالفة بنود المسؤولية المهنية والمسؤولية إزاء المجتمع، وتشمل أساسا تناقل العديد من المواقع الإخبارية بثا حيا بعناوين مختلفة تدعي الوصول إلى الطفل ريان والاقتراب من إخراجه من البئر، وهي أخبار تكررت على مدار الساعة منذ بدء فريق الإنقاذ عملية الحفر حتى لحظة الإعلان عن الوفاة، لتبرز هذه العناوين بكثافة لدى موقعي “شوف تيفي” و”آش واقع”.

وسجلت النقابة حصول تضارب في المعلومات وخلق لبس لدى الجمهور المتابع لتطورات الحادثة وطنيا ودوليا، جراء هذا  السلوك، حيث جرى نقل مباشر لهذه التغطيات على العديد من القنوات الإخبارية العربية وأبرزها قناة “الجزيرة” و”العربية” و”الغد” و”العربي”.

كما عمد موقع “الجديد نيوز” إلى نشر تسجيل على حسابه في “تويتر” بعنوان “لحظة إخراج الطفل ريان ونقله لتلقي العلاج اللازم”، فيما تبين أن الخبر زائف، وأن التسجيل قديم لا يرتبط بحادثة محاولة إنقاذ الطفل ريان، بل يعود إلى توثيق عملية إنقاذ نفذتها فرق الدفاع المدني العراقية لطفل سقط داخل بئر بعمق 35 متراً في منطقة تازة جنوبي محافظة كركوك، في 31 دجنبر 2021، فضلا عن نشر موقع “سوس بلوس” الإخباري صورة يدعي أنها لفريق الإنقاذ المغربي أخذت بواسطة طائرة الدرون، وهو ادعاء غير صحيح، إذ إن الصورة قديمة وتعود إلى توثيق عملية إنقاذ طفل سقط في بئر في إدلب السورية في مارس 2021، ولا علاقة لها بعملية إنقاذ الطفل المغربي ريان نواحي شفشاون.

واعتبر التقرير أن هذه الممارسات السالفة الذكر تتنافى مع محور “المسؤولية المهنية” من نص الميثاق الوطني لأخلاقيات الصحافة، الذي ينص على مبادئ رئيسية وهي: البحث عن الحقيقة من خلال نشر معلومات صحيحة مستقاة بطرق سليمة ومعالجة بشكل، وتجنب الاختلاق والتضليل ونشر الأخبار الكاذبة أو فبركة الصور أو الفيديوهات، والافتراء والتحايل على المتلقين في الصحافة والمواقع الإلكترونية، وتجنب تزوير المعطيات من خلال التزام المنابر الإعلامية بالنزاهة في الإعلان عن تغطياتها الموجهة لشركائها وللجمهور.

وسجل التقرير أيضا أن تصوير الطفل ريان في قاع البئر بوجهه الدامي، وفي وضعية إنسانية صعبة، شكل ضررا بمشاعر عائلته، وقد نقلت عدد من المواقع الإلكترونية هذه الصور وهي: “le360″ و”شوف تيفي” و”أخبارنا” و”الزنقة 20″ و”هبة بريس” و”ماروك ميديا” و”أنتلجينسا”، لافتا إلى أن هذه الممارسة تعد خرقا لمبدأ الحق في الصورة، حيث لكل شخص الحق في تملك صورته وطرق استعمالها من طرف الغير، اللهم إذا كانت الصورة المستعملة تدخل في إطار ضرورات الإخبار أو مبررة موضوعيا بمصلحة عامة، أو إذا كان المعني بالأمر شخصية عمومية، أو موافقا على التقاط صورته واستعمالها، لكن هذه الشروط لا تتحقق في حالة الطفل ريان فهو قاصر في وضعية مأساوية.

وذكرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن محاورة أسرة الطفل وهم في وضعية إنسانية جد صعبة، وملاحقتهم وتصويرهم وهم في حالة من التأثر الشديد وطرح أسئلة عليهم لا تمت للمهنية الصحفية بصلة، وقد أتى هذه الممارسة جل المواقع الإلكترونية التي كانت في موقع الحادث، ‏يمثل انتهاكا لمبدأ احترام الكرامة الإنسانية المنصوص عليه بالميثاق الذي يأتي تفصيله: “من واجب الصحافة احترام كرامة الإنسان في كل التغطيات الإخبارية نصا وصورة وصوتا، ولا يجوز استغلال لحظات الضعف الإنساني أو الإعاقة العقلية أو الجسدية لخرق مبدأ احترام الكرامة الإنسانية، كما لا يجوز نقل صور البشاعة أو العنف أو التشوهات الجسدية، ويجب تجنب التقارير التي من شأنها أن تشكل ضررا لمشاعر الضحايا أو ذويهم، وخصوصا في الحوادث والكوارث الطبيعية والجرائم والحروب”.

وشدد المصدر ذاته على أن تصوير واستجواب أطفال قاصرين وهم في حالة صدمة ووضعية نفسية صعبة، جراء التأثر بالحادث، وكذا نشر صور قاصرين عبر أشرطة مصورة بمحيط عملية الإنقاذ، بغرض الإثارة المجانية، دونما الأخذ بعين الاعتبار لوضعيتهم النفسية أو سنهم، يتنافى بشكل قطعي مع مبدأ حماية القاصرين، حيث ينص الميثاق على وجوب حماية القاصرين وصورهم في قضايا حساسة اجتماعيا، وتجنب أن يكونوا موضوع فيديوهات يتم استدراجهم لها بغرض الإثارة المجانية، أو أن يكونوا هدفا لأشرطة مصورة تتضمن العنف والميوعة وانحدار القيم الإنسانية.

على صعيد ذي صلة، أوصى التقرير بتكوين الصحافيين في مجال أخلاقيات المهنة، سواء عبر إحداث تكوينات أساسية في معاهد التكوين العمومية والخاصة، أو من طرف المقاولات الإعلامية، إلى جانب تعميم ميثاق أخلاقيات المهنة على جميع الصحافيين وإنتاج دلائل مساعدة، والتزام المؤسسات الإعلامية الصارم بالتقيد بأخلاقيات المهنة، واضطلاع رؤساء التحرير ومدراء النشر بمسؤولياتهم في “فلترة” المعالجات الإعلامية التي لا تحترم أبجديات العمل المهني ولا تلتزم بأخلاقيات المهنة.

وسجلت النقابة أيضا حزم المجلس الوطني للصحافة في تطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانونه الأساسي ضد المخالفين لأخلاقيات المهنة سواء الصحافيين أو المقاولات المشغلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى