“الجرائم السيبرانية” بالمغرب…وآخر صيحات النصب والاحتيال
حب وخدع وبيع وشراء وهمي

رغم ما وفرته وسائل التواصل الاجتماعي من مساحات للتعارف والتواصل وتوفير فرص للعمل من خلال خلق منصات للبيع والشراء وغيرها، إلا أن استخدامها لا يخلو من الوقوع في مخاطر، أبرزها النصب والاحتيال لينتهي المطاف بالشخص إلى الوقوع في مشاكل وأحيانا أزمات نفسية لم تكن في الحسبان.
احتيال باسم”الحب”
“كنت أعتقد أن الحظ تبسم لي أخيرا وأنني سأعيش حياة ملؤها الحب والمودة والاستقرار العاطفي بعد عدد من الخيبات”، تحكي ليلى )اسم مستعار(، 30 سنة، وهي تستحضر بأسف وحسرة شديدين تجربتها”الفاشلة والمخيبة للآمال” مع الزواج الإلكتروني.
تقول ليلى إنها لجأت لمواقع التعارف قصد الزواج آملة في التواصل مع شخص جاد يقدر الحياة الأسرية ويكون سندا لها في الحياة، ظنا منها أن هذه المواقع تعرف تسجيل ناس موثوقين يحملون نفس الهدف النبيل.
فشلها في الزواج كما هو متعارف عليه بالطرق التقليدية دفعها لتسجيل معطياتها الشخصية في إحدى المواقع المتخصصة في التعارف، خوفا من التقدم في السن ومطاردة شبح العنوسة لها، علما أن أغلب معارفها من زميلات الدراسة والأقارب والجيران تزوجن ولهن أطفال.
تضيف ليلى:”تلقيت رسالة عبر حسابي بموقع التعارف من طرف مواطن أجنبي عبر لي عن رغبته في التواصل معي، مؤكدا رغبته في الارتباط بمغربية، لمعاينته لتجربة ناجحة لزميل له في العمل”.
توطدت العلاقة بين ليلى وشريك حياتها”الافتراضي”، ليتبادلا أرقام هواتفهما لمزيد من التعارف، حيث أوهمها بأنه سيزور المغرب قريبا لترتيب إجراءات الزواج واقتناء شقة فخمة كهدية لها”.
تضيف مبينة:”كنت أشعر بفرحة غامرة لم أكن أتوقع أنها ستنقلب لكابوس مؤلم خلال أيام قليلة، وثقت به وظننت أنني التقيت بالشخص المناسب، لكن الأمور سارت عكس المتوقع، ذات يوم سألني عن ذوقي في الملابس والأحذية وغيرها من الإكسيسوارات النسائية، لأفاجأ بعدها في اليوم التالي، بكونه يطلب مني اسمي وعنواني، قائلا إنه قد اقتنى لي عددا من الهدايا ويرغب بإيصالها لي، لم أحبذ الفكرة صراحة، لأنني لم أكن طامعة فيها، لكنه أصر علي بحجة أنها تمثل عربون حب ومودة، قبل أن يرسل لشخص آخر رقمي الهاتفي، بدعوى أنه يمثل شركة دولية لنقل البضائع”.
تواصلت ليلى مع موفد الشركة المزعوم الذي أوهمها أنه سيحل بالمغرب وسيعلمها بتوقيت وصوله، على أن تمده لاحقا بعنوانها ليجلب معه الأغراض المرسلة.
تقول ليلى:”في اليوم المفترض، أخبرني بوصوله ثم طلب مني إرسال مبلغ مالي بقيمة 5000 درهم لكي يتمكن من تمرير الأغراض عبر الجمارك، وهو ما قمت به دون تأخير، ليكرر الطلب مجددا بطلب مبلغ أكبر، مسجلا أن الطرد البريدي يضم مبلغا ماليا مرسلا، وهو ما دفعني للرفض وطلب المبلغ من”الشريك المزعوم” الذي قال لي إنه يتعذر عليه القيام بذلك لكونه مسافر حينها خارج البلاد، طالبا مني ضرورة التصرف أو الاقتراض من شخص ما لإرسال المبلغ الإضافي بشكل فوري، وإلا سيتم تعريضي رفقته للمساءلة القانونية لأن الطرد يحتوي على مبالغ مالية غير مصرح بها لدى الجمارك، في محاولة لإخافتي”، لتفطن ليلى متأخرة إلى أن الأمر يهم عملية نصب واحتيال بسلب أموالها.
تسجل ليلى تعرضها لصدمة نفسية كبيرة غير متوقعة، علما أنها كانت ترسم آمالا كبيرة على هذا”العريس الوهمي”الذي برع في التمثيل والنصب عليها دون عناء.
حاولت الشابة رفع شكوى قضائية ضده لكنها سرعان ما تراجعت عن قرارها حينما علمت لاحقا بتعرض عدد من الفتيات للنصب بطرق مماثلة، باسم الزواج، معتبرة أن القانون في هذه الحالة لا يحمي المغفلين، فضلا عن ضرورة توكيل محام يقوم بالإجراءات اللازمة وهو ما يفرض مصاريف مالية إضافية لا يمكنها تأديتها.
“بيع وشراء وهمي”
تعبر سعاد عن امتعاضها الشديد من تعرضها لعملية نصب جراء رغبتها في شراءأفرشة خاصة بالصالون المغربي، عبر قناة مختصة في البيع والشراء بمنصة رفع الفيديوهات”يوتيوب”.
تقول سعاد إنها دأبت على مشاهدة هذه القنوات التي تحمل بين الفينة والأخرى”هميزات” )بيع بثمن في المتناول( تهم تأثيث المنازل من أفرشة وتجهيزات ومعدات كهربائية للمطابخ وغيرها، وهو ما دفعها للتواصل مع رقم هاتفي لإحدى السيدات تقطن في مدينة بعيدة عنها، لشراء الأفرشة المذكورة، والتي لم يكن يتعدى ثمنها 450 درهم.
“اتصلت بها وأخبرتني بإرسال المبلغ لها إضافة إلى المبلغ الخاص بالنقل على أن تقوم بدورها بإرسال الأثاث لي، لأفاجأ بأن رقمها الهاتفي خارج التغطية لاحقا، لم أكن أتوقع تعرضي للنصب، علما أن المبلغ ليس كبيرا جدا ليجازف المرء هكذا، كما أنه لن يمكنها من العيش مدى الحياة أو يضمن لها مستقبلها”، تضيف بنبرة ساخرة.
لم تتخذ سعاد أي إجراء لاسترجاع مالها لأنها تعتبر أن الأمر يهم فقط مبلغا زهيدا، لتكتفي بالتواصل مع صاحبة القناة المختصة في البيع وتحذيرها حتى لا تعاود نفس السيدة الكرة مع ضحية آخر وكي لا تفقد القناة مصداقيتها لدى المتابعين.
خدع وحيل لتحقيق مكاسب مادية
يعرف هشام بوقشوش، باحث في علم الاجتماع، النصب والاحتيال السيبراني أو الالكتروني على أنه نوع من الاستيلاء عن طريق الخداع باستعمال كل أنواع التدليس الإلكتروني، مركزا على الصفة التفاعلية للفعل الذي يقع بين فردين يشتركان في فعل إجماعي واحد ولفترة قصيرة يكون أحدهما مستخدما لأسلوب الاستمالة أو الإغراء من اجل تحقيق مكاسب مادية معلومة غالبا، ونادرا معنوية مكنونة، حيث يستغل “المجرم” كل قدراته ومهاراته العلمية والنفسية الاجتماعية باستعمال الخداع والحيل، والتي مبناها ومصدرها الأساسي ربط وبناء العلاقات مع الضحايا وهو ما يتطلب مهارات عقلية وذهنية تمكنه من نسج حباله وتصوير أوهام لضحاياه، والتي يستعين فيها بكل مهاراته اللغوية وفعاليته الذاتية، وبيع الوهم في قالب تمثيلي عاطفي.
ويقول بوقشوش ل”صحراء ميديا المغرب”، إن النصب السيبراني يتم عبر الهندسة الاجتماعية من خلال استغلال ثقة شخص بغية الحصول على المال بشكل مباشر أو على معلومات سرية تمكنهم من ارتكاب جريمة لاحقة وتشكل وسائل التواصل الاجتماعي القناة المفضلة لديهم، ولكن قد يتواصلون أحيانا مع الضحايا المحتملين عبر الهاتف.
ويضيف الباحث في علم الاجتماع:” وتستهدف بعض عمليات الاحتيال جمهورا عريضا للإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا وأخرى تستهدف أشخاصا محددين وهو ما يسمى بالتصيد الاحتيالي والتصيد الاحتيالي الصوتي عبر الهاتف والتصيد الاحتيالي عبر الرسائل النصية القصيرة أو قرصنة بريد الشركات الالكترونية أو عمليات الخداع الرومانسية أو الابتزاز الجنسي أو الاحتيال في مجال الاستثمار عبر الضغط”.
تحولات اقتصادية وديمغرافية
وسجل بوقشوش أن اتسام المجتمع المغربي بتحولات اقتصادية وديمغرافية وتزايد التفاوت في مستويات الدخل وتقييد الإنفاق في القطاع الخاص وانخفاض السيولة المالية واعتماد جل المؤسسات على الرقمنة في الخدمات والأداء يمثل حافزا لارتفاع هذا النوع من الجرائم، في ظل انتشار الأمية الرقمية وإحداث دورات لإعداد البرمجيات الخبيثة والفيروسات الحاسوبية وتلقف البيانات الشخصية والمالية وبيع البيانات والمتاجرة بالمعلومات المالية، لتظهر ثقافة فرعية تضم شبابا ومراهقين يرتكبون أعمال احتيال مالي بالحواسيب، مما قد يجعل من حالات التأذي الفردي من الجريمة السيبرانية هي أكثر من حالات التأذي من الجريمة التقليدية، وكل هذا يتزامن والانحسار الذي تعرفه التدابير القانونية للتصدي لهذا النوع من الجرائم في ظل صعوبة إثبات الأدلة لتحقيق العدالة الجنائية على الرغم من التعاون الدولي في هذا الصدد لتبقى الجريمة السيبرانية تحديا قائما ومتزايدا.
وأوضح بوقشوش ألا شيء يبرر الجريمة السيبرانية سواء كان الفقر والحاجة أو تأزم الأوضاع الاقتصادية وتداعياتها على الأفراد والمجتمعات، لأن الأمر مرتبط بالاختلال الذي مس منظومة القيم والعادات وظهور مفاهيم جديدة وسائدة خاصة تلك التي تذهب إلى جعل المال هو الأساس في ضبط العلاقات والقيم والتراتبية الاجتماعية والارتقاء الاجتماعي السريع وبأقل جهد ممكن، وشيوع قيم الفردانية والجشع الذي تغذيه الحداثة في ظل عنف اجتماعي يجعل من الفضاء السيبراني الفضاء المفضل للأفراد على كل الفضاءات والمؤسسات ولساعات كبيرة مما يجعل الجريمة الالكترونية تمتد مفاصلها.
الزجر بمقتضى القانون
من جانبه، أشار المحامي الطاهر بوزيد، إلى أن الفصل 540 من القانون الجنائي يجرم الفعل الإجرامي السيبراني في شموليته أيا كانت الطريقة المرتبطة بجلب منفعة مالية عن طريق سلك سبل احتيالية، تتيح معلومات مغلوطة للضحية للسقوط في عملية النصب أو تحصي معلومات صحيحة بتقديم معلومات خاطئة أو إخفاء أخرى صحيحة.
وأوضح بوزيد ل”صحراء ميديا المغرب” أن الفصل 447 من القانون الجنائي يشير إلى الجرائم الإلكترونية، التي تشتمل على استعمال المعطيات الشخصية المرسلة من طرف الضحية عبر الأنترنت والابتزاز باستخدام الصور، حيث أن القانون يعاقب الفاعل الذي قام بتسجيل شخص ما عبر مقاطع فيديو أو أخرى صوتية ب”واتساب” وقام بتوظيفها نيابة عنه، من 6 أشهر إلى 5 سنوات.
وقال بوزيد إن المشرع المغربي قام بتعديل جديد في الفقرة الثانية من الفصل 447 من القانون الجنائي، بعد تواتر حوادث نشر الصور والفيديوهات الخاصة بالغير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستحضرا قضية”حمزة مون بيبي” التي شغلت الرأي العام الوطني والعربي، والتي تهم قضية نصب وابتزاز وتصوير لأفراد.
وحول المسطرة المتبعة من طرف ضحايا الجرائم السيبرانية، ذكر المحامي بوزيد أن هناك محضر معاينة يتم من طرف مفوض قضائي، مسجلا أن الأمر يهم إما تقديم شكاوى عادية أو أخرى مباشرة.
وزاد مبينا:”الشكاوى العادية تتم لدى وكيل الملك والتي تحال بدورها على الشرطة القضائية التي تستمع للضحية والمتهم معا، في حين ترتكز الشكاوى المباشرة على الاستدعاء المباشر باتباع قانون المسطرة الجنائية الذي يحمل شروطا شكلية، وتعد الأكثر نجاعة لأنها تحمل الهوية الكاملة للمتهم وتسرع من الإجراءات التي قد تأخذ وقتا أطول”.
وأضاف بوزيد:”من الضروري أيضا وجود ضمانات مالية يحددها القاضي ليتأكد من جدية المشتكي الذي يطالب بوضع كفالة مالية يحددها القاضي حسب التبعات المادية لعملية النصب، من 2000 إلى 30 ألف درهم، يتم إرجاعها لاحقا للضحية إذا كان الحكم لصالحه، وفي حال صدور حكم قضائي مغاير، تتم مصادرتها للخزينة العامة”.