تعنيف الرجال بالمغرب.. ممارسات منافية للاستقرار الأسري

يطال الجانب الجسدي والنفسي والقانوني

نادية عماري

يمثل تعنيف الرجال مسألة خارجة عن إطار المألوف في المغرب مقابل تنامي وتيرة العنف الممارس بحق النساء، الذي يركز على السلطة الممنوحة للرجل في مجتمع ذكوري يكرس للأفضلية، مما يشكل في أحيان كثيرة حاجزا أمام إفصاح الأزواج عن تعرضهم لأصناف مختلفة من العنف.

صراع دائم

“بدأت حياتنا الزوجية بشكل جيد نسبيا يغلب عليها طابع المودة والاحترام قبل أن تنقلب تدريجيا لجحيم لا يطاق وصراع شبه يومي لأسباب واهية”، هكذا يكشف سعيد (اسم مستعار) عن جزء من معاناته، مستحضرا شريط ذكريات سيئة جمعته بطليقته.

يقول في حديثه لـ”صحراء ميديا المغرب” إنه كان حريصا على استقراره الأسري من أجل ابنه الوحيد، حيث كان يحبذ دائما أن يعيش في جو أسري إيجابي، بعيدا عن المشاحنات والمشاكل، ليقرر في نهاية الأمر الانفصال كحل يمنحه العيش في طمأنينة ويبعد عن صغيره الوقوع في مشاكل نفسية تؤثر على نفسيته وتحصيله الدراسي ومستقبله لاحقا، بناء على نصيحة أصدقائه.

يعتبر سعيد أن جشع زوجته السابقة كان سببا رئيسيا في خلافاتهما التي تطورت لعنف نفسي من خلال السب والشتم والقذف بحقه، والذي تعدى حدود منزل الزوجية ليصل إلى الشارع، على مرأى ومسمع الجيران والمارة.

يضيف قائلا: “لم أخف عنها يوما وضعيتي الاجتماعية والمادية، كانت تعلم أني مجرد عامل بسيط، لا أتقاضى راتبا خياليا يمكنها من الارتقاء، لكن أنانيتها الزائدة ورغبتها في الظهور دائما بشكل مبالغ فيه، لتقلد إحدى قريباتها المرتبطة بزوج ثري، جعلتها تعمد إلى تعنيفي بكلمات جارحة، لم تكتف بهذا الحد بل كانت تتبعني لمقر عملي وتطالبني بمصاريف كثيرة، وحينما أقابلها بالرفض، تبدأ بالصراخ وإطلاق سيل من السباب والشتائم المخلة”.

سيطرة وضغط

يرى أستاذ علم الاجتماع، الهادي الهروي أن بعض الزيجات أصبحت تطالب الأزواج بأكثر من حقوقهن الزوجية، منهن من تمادين في ممارسة أنواع السيطرة والمنافسة والضغط على أزواجهن، بما ينافي معايير الحياة الزوجية السليمة.

وحول إمكانية الحديث عن ظاهرة أو حالات معدودة، يقول لـ”صحراء ميديا المغرب”: من الملاحظ أن هذه الممارسات المنافية للروابط الزوجية تجاوزت الحالات المعزولة بحيث أصبحت ظاهرة سوسيولوجية قابلة للقياس والتحليل والإحصاء من حيث ترابطاتها بمؤشرات التحولات السوسيو- اقتصادية وتحول القيم والأسرة”.

يميز الباحث الاجتماعي بين أسباب ذاتية لها علاقة بالحالة النفسية والمزاجية للزوجين والتي تتأثر غالبا بالمحيط العائلي كسبب للتوتر والتحريض على الزوج، وفقا للتمثل الشعبي الرائج (الرجال ما فيهم ثقة)، الذي يعزز تصور الزوجة في شريكها كشخص خائن كاذب غير جدير بالثقة والمسؤولية.

يعتبر الهروي أن فتور الحياة الجنسية يسبب لدى العديد منالزوجات عذابا نفسيا يدفعهن إلى القلق والاكتئاب المؤدي إلىتحويل حياة الزوج إلى جحيم ومقاطعته، أو اللجوء للسحروالشعوذة والدجل، إضافة إلى تفوق الكثير من الزوجات طبقيا أوانتماء أسريا يشعرهن بالتفوق.
وبشان الأسباب الموضوعية، يشير إلى عدم إيفاء الزوج بحاجاتالبيت وتجهيزه بالشكل الذي يضاهي تجهيزات جاراتها أوصديقاتها وتلبية حاجاتها الخاصة من وسائل التجميلوالاستهلاك، فضلا عن مطالبته بوضع ما يتقاضاه شهريا أويوميا من مال بالبيت ومحاسبته على كل درهم يصرفه.

يشمل العنف ضد الرجال مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية دون استثناء، رغم عدم وجود إحصائيات وأرقام رسمية تفيد بعدد الرجال الذي يتعرضون للتعنيف من طرف زوجاتهم، ليظل الفاعل الجمعوي طرفا أساسيا في المعادلة من خلال عمله على الاستماع وتقديم الدعم النفسي والاستشارة القضائية.

عنف قانوني

في سياق متصل، استقبلت الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال 25 ألف حالة عنف منذ تأسيسها سنة 2008، ما بين 20 إلى 25 بالمائة منها حالات عنف جسدي، لتسجل في غضون السنة الحالية 3000 حالة لرجال معنفين، بطرق عديدة تشمل الضرب والجرح واستعمال أدوات حادة وأخرى منزلية والاستعانة بالإخوة والجيران.

وحول أنواع العنف الممارس، يقول رئيس الشبكة، عبد الفتاح بهجاجي لـ”صحراء ميديا المغرب”: “هناك عنف قانوني ناتج عن تطبيق مدونة الأسرة، وما يلحق الزوج من أذى جراء بنود فيها، ومنها ما يتعلق بقضايا النفقة، حيث يحكم في كثير من الأحيان بمبالغ تفوق مستواه المعيشي، وهنا تحضرني قصة رجل حكم عليه بأداء 2500 درهم والحال أنه يتقاضى راتبا شهريا لا يتجاوز 2200 درهم، مع ذكر العنف الحاصل في تقدير المتعة والذي يصل إلى ملايين الدراهم ثم عدم وجود سلم محدد على الصعيد الوطني، يضمن المساواة أمام القانون، في ظل سلطة القاضي التقديرية، حيث نجد مثلا موظفا حكم عليه بأداء 2000 درهم في الدار البيضاء وآخر بمبلغ 3000 درهم في أغادير وهكذا”.

يرى بهجاجي أن الظلم الذي يطال الرجل يشمل كذلك الجانب المتعلق بالحضانة بعد انفصال الزوجين، فيحرم من رؤية أبنائه بدعوى تغيير الزوجة السابقة لعنوانها من مدينة لأخرى، وهو ما يشكل معاناة مزدوجة للطليق الذي يصبح لزاما عليه إحضار عون قضائي واتباع مسطرة إجراءات أخرى.

ويعتبر أن العنف ليس بالأمر المستحدث بل كان دائما منتشرا لكن الصورة النمطية عن الرجل”السي السيد”تمنعه من الإفصاح وتقديم شكوى في الموضوع.

يقول بهجاجي: “في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لم تكن أغلب النساء يشتغلن خارج بيوتهن، لكن مع المساواة الحاصلة حاليا والتحولات المجتمعية السائدة والضغوطات المعاشة أصبح الأمر معلنا بشكل واضح، بعدما كان الرجال يحملون ملفاتهم إلينا ويسردون معاناتهم مستخدمين ضمير الغائب، أصبحوا الآن أكثر تفتحا وتصالحا مع الواقع”.

ويعزو العنف ضد الرجال لغياب ثقافة الحوار داخل الأسرة مما يساهم في ظهور مشاكل عديدة تبدو مقاربتها سهلة في حالعمد الزوجان للتواصل فيما بينهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى