أصيلة تحتفي بالشاعر الكاميروني بول داكيو الفائز بجائزة “تشيكايا أوتامسي”

شرف الدين ماجدولين: الجائزة تعزز عمق المغرب الإفريقي

بحضور عدد من المثقفين والأكاديميين المغاربة والأجانب، نظمت مؤسسة منتدى أصيلة، مساء السبت، احتفالية خاصة بالشاعر الكاميروني بول داكيو الحائز على جائزة “تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي” في دورتها ال12، وذلك ضمن فعاليات الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال43.

انحياز لأسلوب مختلف

وقال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إن الاحتفالية تمثل تحية رمزية لمسار شاعر إفريقي بارز، هو بول داكيو، الأديب والمناضل والناشر، والفاعل الثقافي المرموق، الذي جاء تتويجه بجائزة “تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي” في دورتها الثانية عشرة، بوصفه اعترافا بما تمثله كتاباته من تجربة فنية استثنائية، وحساسية فريدة في حقل الشعر الإفريقي الفرنكوفوني، ولما تستبطنه دواوينه الخصيبة والغزيرة والمسترسلة في الزمن من سجايا جمالية أخاذة.

وأفاد بن عيسى أن موسم أصيلة الثقافي الدولي، ومنذ إحداث جائزة الشاعر والمسرحي الراحل “تشيكايا أوتامسي” من قِبَل مؤسسة منتدى أصيلة سنة 1989، شهد لحظات احتفاء قوية، بأسماء شعرية إفريقية رائدة، ممن توجت أعمالهم بالجائزة التي حملت اسم رمزٍ شعري فذ، نهض بدور جوهري في الثقافة الإفريقية، لأجل ترسيخ جماليات مختلفة للخطاب الشعري، نابعة من روح عالم الجنوب، ومعبرة عن قيمه وأحلام شعوبه وقضاياهم، ليشكل بذلك منجزا أدبيا أضحى اليوم من أهم إنجازات الثقافة الإفريقية، وأكثرها ترجمة وانتشارا عبر ثقافات العالم.

محمد بن عيسى والشاعر السنغالي لامين صال والشاعر الكاميروني بول داكيو، الحائز على جائزة”تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي”، خلال احتفالية تسليم الجائزة

 

وأضاف بن عيسى:”هكذا اختارت لجان التحكيم المتعاقبة لـ”جائزة تشيكايا أوتامسي” منحها لكل من إدوار مونيك، وروني ديبيست، ومازيني كونيني ، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وجون باتيست لوطار، وفيرا دوارطي ، وعبدالكريم الطبال، ونيني اوسندار، وفامة ديانسين، والمهدي أخريف، وجوزي غيبو، وأمادو لمين صال ، وهي أسماء تنتمي لأجيال وتجارب شعرية مختلفة، ولبلدان إفريقية ممتدة من المغرب إلى جنوب إفريقيا، مرورا بمصر وجزيرة موريس ونيجيريا وهايتي والكونغو والسنغال والكونغو -برازافيل وكوت ديفوار والرأس الأخضر”.

وسجل أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة أن اختيار تجربة بول داكيو، يمثل انحيازا لأسلوب مختلف في الكتابة الشعرية الإفريقية الفرنكوفونية، بالنظر إلى انتصاره الواضح لممكنات التشكيل والتجريب الشعريين، وتعبيره عن انشغالات الذات الفردية والجماعية ببصيرة كاشفة، علما أنه كتب عن الذات والمنبت وعن المحيط الجغرافي والآمال والخيبات، وعن الجمر وعن الرماد، وبدأ في أشعاره وتأملاته الفكرية، وكأنما هو مشدود إلى نداء خفي لا أرض له، ولا جغرافيا، ولا زمن، ولامنتمي ،إلا الهوية الإنسانية المطلقة في تعددها ووحدتها.

وزاد مبينا:”لا أخفي تأثري الشديد بالصلة التي جمعت شاعرنا المتوج اليوم “بول داكيو” بمن تحمل الجائزة اسمه، فيليكس تشيكايا أوتامسي، الذي كان بحق أحد رموز موسم أصيلة وأحد عناوين الوفاء لها ولرسالتها. فلا أنسى مثلما لا ينسى من حضر دورات عقد الثمانينيات حضوره المنتظم، وفعاليته، وما كان يكنه من عواطف لهذا الفضاء التي غرس فيه بعضا من شغفه بالحلم الإفريقي. إننا إذ نحتفل مجددا بشاعر كبير وبصديق لتشيكايا أوتامسي نوجه تحية لذكراه ولشغفه الإبداعي ولشخصه الكبير. لذلك أجدني ممتنا للجنة التحكيم ولرئيسها الشاعر الكبير أمادو لامين صال على المجهود الذي بذلوه لأجل الانتهاء إلى هذا الاختيار الذي يشرف الجائزة ويصون ذاكرتها، ويوافق ما تسعى إلى تكريسه من أهداف شعرية وثقافية”.

الشاعر الكاميروني بول داكيو الحائز على جائزة”تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي”

 

المغرب..قارة العقل والقلب

من جهته ، شدد أمادو لامين صال، شاعر سينغالي ورئيس لجنة تحكيم الجائزة، على أهمية الشعر كملاذ للحب والأمل ومستقر للأحلام والحقيقة والمشاركة والكرم، فضلا عن كونه يجلب الحرية والعدالة.

وأشاد صال بمكانة المغرب في قلوب كل الأفارقة، باعتباره تجاوز حدود المملكة ليصبح”قارة للعقل والقلب معا”، مثمنا في الوقت ذاته بمبادرات محمد بن عيسى في مجال الثقافة والتلاقح الحضاري كهدية من القلب استقطبت الجميع دون استثناء.

وقال صال:”أحيي أصيلة التي كرمت تشيكايا أوتامسي، الشاعر الكبير، والجائزة التي تحمل اسمه هنا تكرم أصيلة وتكرّم المغرب وتكرّم إفريقيا وتكرّم العالم”.

واعتبر صال أن الجائزة مستحقة لمن وصفه ب”صديق وشقيق الأمس واليوم والمناضل من أجل الشعر والحرية.

وأضاف صال:”بول داكيو ، الحائز على جائزة “تشيكايا أوتامسي” لعام 2022 هو مقاتل من أجل الشعر، فهو يتملكه ويعمل على تجسيده واقعيا، هو إذن سيد الكلمة، وترشيحه للجائزة يعني ترشيح شاعر كبير عرفه العراب تشيكايا.

وثمن صال اختيار هيئة تحكيم الجائزة التي يترأسها باعتباره الاختيار الصحيح، والذي يجعل تشيكايا أوتامسي يشعر بالراحة، لأنه كان رجلاً متطلبًا، داعيا الفائز إلى الاستمرار في إدهاش المتلقي بإنتاجاته الفذة.

وأشاد الشاعر السينغالي بدور الشعر في تغذية الروح أولاً وقبل كل شيء، واكتساب نظرات مستقبلية مليئة بالحب والأمل، في ظل ما تشهده المجتمعات من تأزم في عالم مخيف، لكن الأمر يفرض مواجهته بإيمان راسخ عوض الاستكانة والاستسلام والهروب إلى الأمام، فالإيمان يظل عنصرا مهما في تحقيق التوازن الإنساني والتعامل مع تيمتي الخير والشر.

وقال صال:”لا يمكن الإقرار بهزيمة الإنسان، بل يجب العمل على درء كل المخاوف. لقد ولدنا لنحب بعضنا البعض ونعيش معا، والذين يؤمنون بغير ذلك لن ينتصروا مهما كانت أسلحتهم، هناك أجيال ناشئة تراقبنا وتستمع إلينا، فدعونا نصنع لهم أفضل ما في كل العوالم”.

جانب من الجمهور الحاضر

 

واعتبر صال أن الشعر يظل النبراس الذي يمكنه إضاءة كل شيء وتنوير الروح وتغذية العقل، فهو حالة نعمة تتجاوز دائمًا أعمال السياسيين، مضيفا:”يجب أن نعطي كل مكان للفكر والخيال الإبداعي والمعرفة، وما عدا ذلك يظل مستشفى كبيرا لضحايا السياسة والهيمنة والمال. نحن نعيش اليوم في مخازن الأجهزة والمأساة، ونستعيض بالأمر بالوجود في أصيلة فهي ملجأ دائم للبعث والإيمان بالإنسان”.

التعدد الثقافي

من جهته ، قال المثقف والأديب السنغالي، أبو مباو، عضو لجنة تحكيم الجائزة، إن اختيار داكيو من ضمن عدد كبير من الشعراء الأفارقة ليس من باب الصدفة، حيث يرجع الأمر لأسباب عديدة، أبرزها قوة الإبداع الشعري بما يحمله من لغة متميزة إلى جانب دفاعه عن التعدد الثقافي وتمازج الأجناس.

وأكد مباو أن داكيو يمثل المثقف الكبير الذي سقط في حب أصيلة ومختلف الثقافات والحضارات الخارجية والممتدة عبر المتوسط والمنطقة المغاربية إلى مصر الفرعونية، في مسارات متقاطعة، تترجم حاجته الملحة لمزيد من التعلم واللقاءات المثرية والغنى الحضاري.

داكيو يتسلم جائزة”تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي”

 

وثمن مباو اهتمام المغرب ببعده الإفريقي،مشيرا إلى تدشين الملك الراحل الحسن الثاني للمسجد الكبير في دكار سنة 1964، في إطار رؤية استراتيجية متميزة ومستمرة بقيادة الملك محمد السادس، مما يعكس أسس وعناصر التعاون المشترك والعلاقات القوية التي تجمع بين المغرب ودول الجنوب عموما والسنغال خاصة، والتي تعكس نموذجا متفردا وجيدا للتعاون والتقارب بين البلدين.

بدوره، سجل شرف الدين ماجدولين، باحث وعضو لجنة تحكيم الجائزة، أن الجائرة تعد بمثابة معبر ليس فقط لتسليط الضوء على إبداع شاعر من طينة الكبار، بل معبر لإدخال شعر بول داكيو للغة العربية، لكونه جسرا ممتدا يمكن أن يتداوله القراء الآخرين، مشيرا الى أن فكرة الجائزة لا تقدم لشاعر فقط، بل لشاعر يعكس روح الجنوب وإفريقيا، وهي خاصية جعلت داكيو يبدو مرشحا بامتياز للدورة الحالية، فهو يحمل إفريقيا جرحا بين ضلوعه دائما.

وذكر ماجدولين أن جائزة “تشيكايا اوتامسي للشعر الإفريقي” هي انتصار للشعر والشعراء من الأعلام والقامات الكبيرة، وهي أيضا جسر لربط المغرب بعمقه الإفريقي أكثر فأكثر وتعزيز انتمائه للقارة الإفريقية كواقع وكأمل في المستقبل وكوفاء.

زيارة خاصة للحديقة التي تحمل اسم الشاعر الراحل أوتامسي وسط أصيلة

 

توطيد العلاقات الإنسانية

من جانبه، أعرب الشاعر الكاميروني المتوج بالجائزة، بول داكيو، عن افتخاره واعتزازه بحصوله على الجائزة التي تمنح في موسم أصيلة الذي أضحى منذ سنوات مهرجانا عالميا بامتياز ومنبرا للحوار والتبادل والتقاسم والتقارب بين الثقافات والحضارات والشعوب، مضيفا أن له الشرف أن يتوج ضمن قائمة الجائزة التي تضم شعراء أفارقة كبار ولكونها تغطي كل إفريقيا.

واعتبر داكيو أن قيمة الجائزة أيضا تتمثل في كونها تمنح في المغرب وتحت رعاية الملك محمد السادس في هذه الظرفية المهمة التي تحتاج فيها إفريقيا إلى توطيد العلاقات الإنسانية والثقافية بشكل أكبر.

وأكد داكيو أن موسم أصيلة بالقيمة الثقافية الكبيرة التي يحملها يشرف إفريقيا، ويعكس القيم التي حملها الشاعر تشيكايا اوتامسي ودافع عنها وما ميز كتاباته من دفاع مستميت ضد التفرقة والعنصرية.

وشهدت الاحتفالية تسليم الجائزة فضلا عن تنظيم زيارة خاصة للحديقة التي تحمل اسم الشاعر الراحل تشيكايا اوتامسي وسط مدينة أصيلة.

أطفال أصيلة بتابعون حديث الشعر الإفريقي

 

ولد بول داكيو سنة 1948 في بافوسام بالكاميرون، وتابع دراساته الجامعية في اختصاص علم الاجتماع، قبل أن ينشر أول مجموعاته الشعرية سنة 1973. لتتوالى إصداراته الشعرية تباعا من سبعينيات القرن الماضي إلى العشرية الثانية من القرن الحالي، من أشهرها: “أسلاك الصباح الشائكة” (باريس 1973)، و”صرخة بصيغة الجمع” (باريس 1976)، و”شدو الاتهام” (باريس 1976)، و”ظلال الليل” (باريس 1994)، و”موروني ذلك المنفى” (ياوندي 2002)، ثم “أصوات الغياب” بالاشتراك مع ايفلين فانسان، (باريس 2019).

وينتمي داكيو إلى رعيل من الشعراء الأفارقة الفرانكوفونيين، ممن لهم مواقف نبيلة من قضايا التحرر والعدالة والديمقراطية في البلدان الإفريقية، وفي طليعتها النضال من أجل إلغاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وقد مثلت قيمته الشعرية الرفيعة، بحسها الإنساني، ومناصرتها لأحلام المستضعفين عبر العالم، علامة مضيئة في التجربة الشعرية الإفريقية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى