دعوات في أصيلة لعالم منفتح متعدد الأطراف في مواجهة الحروب والصراعات
أوجار: دول عربية عاشت خرابا كبيرا نتيجة الجبن الغربي في دعم التحول الديمقراطي

أجمع خبراء وسياسيون ودبلوماسيون مغاربة وأجانب على ضرورة اتجاه دول العالم نحو منظور منفتح متعدد الأطراف بعيدا عن الثنائية القطبية، لإقرار السلم والأمن إقليميا ودوليا، في مواجهة الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة، وأبرزها الحرب الروسية- الأوكرانية الحالية، وذلك خلال الجلسة الثانية من ندوة بعنوان:”أي نظام عالمي بعد حرب أوكرانيا”، جرى تنظيمها اليوم الجمعة، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي ال43.
قوى مهيمنة
وقال عبد المنعم سعيد علي، رئيس مجلس الإدارة ومدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، ورئيس مجلس إدارة دار المصري اليوم للنشر، إن النظام العالمي مركز على جانبين، أحدهما يهم ممارسة القوى والسلطة بناء على منطق الخوف والتنافس، وفق منطق رابح وخاسر، والثاني يتصل بالحضارات، ويفرض التعاون بين جميع الأطراف في سياق المصلحة العامة المشتركة.
وسجل علي وجود قوى مهيمنة تحاول فرض سلطتها كما حدث بالنسبة لأميركا في أفغانستان، مشيرا في السياق ذاته إلى التنافس القديم بين أثينا واليونان القديمة لتتطور الأمور في العصر الحالي بتصاعد ونشوء أطراف قوية، فبعد إعلان الحرب تمت إعادة النظر في النظام العالمي، خاصة عقب فرض أميركا لسيطرتها على العالم، مما نتج عنه فقدان مشروعية الزعامة في 55 بالمائة من البلدان التي تعيش بناء على أنظمة قوية، وبالتالي إحداث انقسامات في العالم بناء على تباين الرؤى والسلطة والتوجهات.
وأضاف علي متسائلا:”ما هو موقع العرب من الحرب القائمة حاليا؟ وما الذي ينبغي القيام به؟ ولماذا يفترض بهم القيام بشيء ما رغم أنهم يفتقدون لأي مصلحة فيها؟”.
من جانبها، أفادت منى مكرم عبيد، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، بضرورة مقاربة الأزمات والصراعات في علاقتها بظواهر التغير المناخي والاحتباس الحضاري كموضوع جد حساس خاصة قبل انعقاد قمة المناخ “الكوب 27” في دورتها المقبلة في شرم الشيخ بمصر، لافتة إلى أن عددا من المنتديات الدولية لم تنجح في معالجة التغير المناخي وتأثيره على السلم والأمن والمخاطر التي تمثلها الظاهرة على القارة الإفريقية.
جانب من الندوة
ونبهت عبيد إلى عدم إدراج مسألة الأمن المناخي في جدول الأعمال المتعلق بالكوب المقبلة، لكونه يظل موضوعا”ثانويا” من طرف الدول الكبرى، رغم أهميته، داعية إلى تنظيم منتدى مواز ضمن إطار هذه التظاهرة الدولية الكبرى.
وأضافت عبيد:”لم تنجح الأمم المتحدة بدورها في إدراجه ضمن جدول أعمالها لأنه يثير الكثير من الجدل، في حين أن الدول الأطراف ترى ضرورة تخصيص المزيد من الوقت للنزاعات السياسية وليس التغيرات المناخية، وبالتالي فالدول الإفريقية مطالبة بمقاربة الموضوع لأنها الأكثر تضررا منه، وعلى الاتحاد الإفريقي أن يلتزم بالتزاماته الدولية وتعيين مفوض خاص سياسي يمثل جميع دول القارة خلال المؤتمر ويدعم الجهود المتعلقة بالمناخ، مع صياغة نص متعلق بالمعايير الكفيلة باحترام التنوع البيئي وتعزيز الشراكة بين المصالح المهتمة بقضايا المناخ”.
وأشارت عبيد إلى أن الحرب الروسية تظل محط اهتمام كبير رغم وجود نزاعات أقدم منها في إفريقيا، داعية إلى مقاربتها بشكل جاد للمساهمة في إنهائها، عن طريق إجراء مفاوضات وعقوبات على روسيا.
وزادت مبينة:” صناع القرار الدوليون مدعوون للتخطيط على عدة مراحل لتشجيع روسيا على الانسحاب من الحرب التي أعلنتها، فقد آن الأوان لإجراء مفاوضات وإيجاد حل متوافق عليه، ولابد من ممارسة ضغوط على أميركا لتدفع بعجلة السلام في المنطقة للتصدي لتصاعد الصراع وضمان بيئة أكثر استقرارا، أو فرض عقوبات للحصول على تنازلات وإلا فقد تتوسع ساحة الحرب مع تدخل الحلف الأطلسي، وهو الصراع الجاري الذي يسفر لا محالة عن تكاليف باهضة”.
جانب من الحضور
مقاربة بمعايير مزدوجة
بدورها، طالبت أنا بالاثيو، وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة، بالتدخل في حل الصراع الروسي- الأوكراني، من خلال إقرار ضغوط أوروبية يمكن أن تصل لحد فرض عقوبات.
وقالت بالاثيو:”هناك صراعات متجددة تدفعنا لاعتماد مقاربة بمعايير مزدوجة، في ظل سياق دولي متقلب يتسم بتراجع للغرب وعدم اهتمامه بالقضايا الحاسمة، نحن بحاجة لنظام عالمي مبني على قواعد علما أن الأوضاع الحالية غير متوازنة، وعلينا الفهم أن القضايا المطروحة للنقاش ليست أوروبية فحسب، بل تشمل مبادئ تكرس للشرعية الدولية، لذا ينبغي علينا مواصلة الحوار فنحن بحاجة لقنوات للحوار مع روسيا، وهي تحديات تواجهنا جميعا”.
من جهة أخرى، نوهت بالاثيو بدور الغرب الرائد في مجال الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، وهو جزء من الحل، علما أن الأزمات تؤثر على قطاع الطاقات وتهدد الانتقال الطاقي والأمن الغذائي وغيرها من المجالات الحيوية الحساسة.
جانب من ندوة أصيلة الأخيرة حول الأزمة الأوكرانية
وعبرت بالاثيو عن استغرابها من تفشي مشكل المجاعة في القارة الإفريقية وهي التي تمتلك ما يزيد عن 65 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة، مثمنة مساهمة المملكة المغربية في دعم مشاريع التنمية بالقارة، من ضمنها توفير المكتب الشريف للفوسفات ل 40 مليون طن من السماد، في إطار رؤية ملكية رائدة تولي أهمية كبيرة للقضايا الإفريقية في شموليتها.
تقزيم روسيا
من جهته، شدد محمد أوجار، وزير العدل السابق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، على أن النزاع الدولي تحكمه الإيديولوجية منذ انطلاق الأزمة الحالية، لافتا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان واضحا في خطابه في منتدى ميونخ وفي كل اللقاءات الدولية مع الزعماء الغرب، حيث يشير أن أوكرانيا خط أحمر، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وما رافقه من الترتيبات الجديدة للنظام الدولي الجديد، قبل بتحول عدد من الدول التي كانت تحت نفوذ روسيا، لكنه في المقابل لم يقبل أن يتطاول الغرب لجر أوكرانيا لفضاء التأثير الغربي، فهذا الوضوح كان أحد مرتكزات العقيدة الروسية الجديدة، بغرب مسكون بهاجس تقزيم روسيا في طموحها الجديد، من خلال جر الدول المتاخمة للحدود لدائرة التأثير الغربي، هي إذن عودة مكشوفة لصراع إيديولوجي قوي كنا نعتقد أن الغرب قد تجاوزه.
جانب من الحضور
وأضاف أوجار:”هو صراع في السنوات الأولى انتقل إلى الصف الثاني من الاهتمامات لاحقا، لنتحدث حاليا عن موت الإيديولوجية لصالح ثقافة رقمية جديدة وأزمات، أهمها الحرب ضد الإرهاب، والحرب ضد الإسلام. فانفجار الصراع الأوكراني هو عودة واضحة لما عشناه في القرن ال20، فهل هذه الإيديولوجية اليوم تشابه مثيلتها في القرن الذي انتهي؟ الجوهر يظل واحدا مع تصرفات جديدة حملها القرن الجديد، بتغيرات فكرية داخلية عامة نشهدها في تطور الإيديولوجية الشيوعية في الصين الشعبية مثلا”.
وزاد متسائلا:”الادعاء الغربي للانتصار للديمقراطية ضد الزحف الروسي يواجه سؤال المصداقية في كثير من الدول وأساسا في منطقتنا العربية، فهل تصرفت المجموعة الغربية بنفس الحماس لدعم مشاريع التحول الديمقراطي في بعض الدول العربية؟ يكفي الإشارة للخراب الكبير الذي عاشته تلك الدول نتيجة الجبن الغربي في دعم مشاريع التحول الديمقراطي. دفعنا دول للثورة هو تحول تاريخي لكن الغرب خذلنا في معارك التحول، هو إذن غرب يعتمد على ازدواجية في المعايير، فما يمارسه في أوكرانيا بالتشجيع على المواطنة والديمقراطية، كلها قيم تختفي حينما نقطع البحر الأبيض المتوسط خاصة حينما يتعلق الأمر بالعرب أو الأفارقة”.
وذكر أوجار بما خلفته الحرب الروسية من أزمة للجامعة المغربية، بوجود آلاف الطلاب ممن لا يتمكنون من متابعة الدراسة في أوكرانيا، في سياق أزمة الطلبة القائمة في المغرب وعجز الحكومة عم مقاربتها وحلها بشكل جذري.
وقال أوجار:”الحرب أعادت للمواطن البسيط الاهتمام بالشأن الدولي واتخاذ موقف في كثير من التحولات التي تجري في العلن، هناك إذن عودة قوية للسياسة والإيديولوجية أربكت حساباتنا وأولدت شجاعات في كثير من المواقف، وكمثال عليها، تغير مواقف دول خليجية لصالح روسيا بعدما كانت تدعم الموقف الأميركي، وكلها تفاعلات تفرض نفسها علينا في كثير من الأشياء”.
وسجل وزير العدل السابق انخراط المغرب في مساعي إيجاد حلول للتحول الرقمي قبل اندلاع النزاع الأوكراني، بإنجاز مشاريع في عدد من المناطق قائمة والتي تسهم اليوم في تحقيق الانتقال الطاقي الذي يبدو صعبا ومعقدا ويربك طموحات المغرب لتحقيق نموه الاقتصادي نظرا لثقل الفاتورة النفطية في الموازنة العامة للدولة، في ارتباط بتحول آخر يشمل الطموح الفلاحي للمغرب وتأمين الأمن الغذائي، علما أنه يشكل قوة فلاحية ناهضة، باستحضار البعد الإفريقي من خلال مبادرات لمشاريع فلاحية في إفريقيا.
مسؤولون حكوميون سابقون وخبراء يقاربون موضوع الأزمة الروسية الأوكرانية
وأوضح أوجار أن المغرب حاول إيجاد التوافقات الممكنة مع النزاع الأوكراني، إذ لم يحضر اجتماعا للتصويت بشأن الحرب، حتى لا يجد نفسه في موضع حرج، لكنه اتخذ موقفا واضحا حينما تعلق الأمر بالسيادة الترابية لأوكرانيا.
عالم صغير
من جانبه، أكد إريك ديريك، وزير الخارجية الأسبق في بلجيكا، أن الاتحاد الأوروبي لم يتموضع جيدا خلال هذا النزاع، علما أنه مرت عليه أزمات لكن هذه الحالية تعد هي الأكبر من نوعها، فهو يستفيد من انخراطه الحازم تجاه القضايا العالمية، ليخرج بدروس لتشكيل وتعزيز مؤسسته الأوروبية.
وقال ديريك إن الحرب صادمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يشهد أزمة كبرى كالتي يشهدها اليوم، مسجلا أن الحرب تكسر جميع التجهيزات والآليات القائمة على اتفاقيات للتطور نحو عالم يقوم على القوة والسيطرة دون احترام لأية أطراف.
واعتبر ديريك أن الحرب حينما ستنتهي ستكون الإنسانية في زمن آخر تحاول إيجاد الحلول لمشاكل أخرى وبطرق أخرى.
وأضاف الوزير الأسبق البلجيكي:” نتجه لعالم صغير قد يؤذينا على المستوى العرقي الاجتماعي والاقتصادي، نحتاج لأنظمة جديدة، وبلورة منهجية جديدة لإيجاد مكان للتوافق والتآزر مع خصومنا، وهو أمر صعب التحقق، لأن هناك مجموعة من الشراكات في الاتحاد الأوروبي وبالتالي من الصعب إيجاد توافقات حول إمكانية إطلاق نقاش بوساطة من بلد محدد، لأن لدينا هواجس أخرى، فهناك تشكلات سياسية تتحضر في كل بلد، فهذه الحرب في بعض ملامحها ليست جديدة لكنها موضوع فظاعة أعمق، خاصة أن المنهجية المتبعة من طرف بوتين تشمل سياسة للابتزاز، في سياق اللعبة الدائرة حول الغاز والبترول والحبوب، فبوتين يعتبر نفسه مبتزا بالقيام بمناورات على المستوى العالمي، وأيضا بطلا للأشخاص الذين عانوا من معتقدات معينة في العالم الليبرالي، فهو يريد أن يتجه لإعادة غزو الكرامة الوطنية واستعادة القيم الإنسانية والسلوكية، بحمل خطاب متعصب لم نشهده منذ النازية”.
ولفت ديريك إلى أن الحرب تؤدي لمشاكل أخرى بالنسبة للاتحاد الأوربي الذي يضم بلدانا تعتبر من أكبر الاقتصادات في العالم، بعدد كبير من السكان، إذ يخسر واحدا من الامتيازات الأساسية، وهي الاستقرار الاستراتيجي وأن يكون منطقة أمن وسلم عالمي.
وقال ديريك:”موقف أوروبا جد صعب، فحينما نطرح السؤال عما تفعله على المستوى الجيو سياسي، نجد أن الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي يظل مجرد حلم، وقضايا حقوق الإنسان قد تبخرت وهو أمر جد مؤسف، مما يفرض نقاشا بخصوص المنهجية السياسية التي تجعلنا نقنع البلدان الأخرى بحقوق الإنسان والديمقراطية، لذا ينبغي أن نكون منفتحين إزاء علاقتنا مع أميركا وإعادة دراسة مواقفنا مع الناتو ودراسة إمكانية تأسيس كيان عسكري، في إطار عالم بعيد عن الثنائية يطمح للانفتاح وتعدد الأطراف كحل وحيد لحفظ الأمن والسلم والرفاهية بالنسبة لسكان العالم”.
أقطاب للإصلاح
وشددت ماريا أوجينيا بريزويلا دي أفيلا، وزيرة العلاقات الدولية السابقة في السلفادور، على التأثيرات السلبية للصراعات، والمتمثلة في عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي والاقتصادي والولوج للنفط والأغذية، بوجود الدول المصدرة للنفط التي تحاول الدفاع عن مصالحها والمنتجات الأساسية، وفي مقدمتها روسيا وأوكرانيا أكبر قوتين من حيث إنتاج الحبوب مما يؤثر على أسعار المواد الأساسية عالميا.
وقالت دي أفيلا إن هناك 3 ميادين حساسة لها علاقة بالصراع الدائر، وتهم التضخم المالي، حيث تجاوزت معظم البلدان مستويات محددة من قبل البنوك المركزية نتيجة ارتفاع أسعار النفط مما يؤثر سلبا على استهلاك الأغذية الأساسية فضلا عن الجائحة والمجاعة والفقر الذي زادت حدته بحوالي 40 في المائة، إلى جانب تمزق النسيج المجتمعي وتباعد في ردود فعل الحكومات وعجزها عن إقرار إصلاحات مناسبة، وأزمات الحكم الرشيد، بانعدام ثقة المواطن في الزعماء والمؤسسات، وهو ما شهدته الانتخابات الأخيرة في البرازيل على سبيل المثال، بحدوث انشقاق بين اليسار واليمين.
وأشارت دي أفيلا إلى وجود 3 أقطاب للإصلاح، تشمل أساسا تطوير الصناعات التحويلية للحد من الاستهلاك وتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي، بالنظر لارتفاع كلفة المعيشة واعتماد سياسة ضرائبية عادلة، داعية إلى الاهتمام بقضايا الطفولة والمرأة بتعزيز دورها من أجل تعزيز السلام، والاستفادة من طاقاتها ومساهماتها البناءة في مجتمعاتها.
الفكر الاستراتيجي
بدوره، سجل ادريس الكراوي، رئيس جامعة الداخلة المفتوحة، وجود حرب جديدة وهي الفكر الاستراتيجي والمتمثلة في أربع خلاصات.
وزاد مبينا:”نسجل استمرار وتجديد دهاء الفكر الاستراتيجي الأميركي القائم على الاستثمار الذكي للحرب كضامن لاستمرار هيمنتها على العالم والإجابة على أزماتها الاقتصادية معتمدة على مركب صناعي عسكري قوي ومنظومة استثنائية للابتكار في مجالات حيوية هدفها ضمان استمرار هيمنتها وإضعاف منافسيها وعلى رأسهم روسيا والصين اعتمادا على مبدإ استراتيجية الخراب، وتهم الخلاصة الثانية تخلف الفكر الاستراتيجي الأوروبي في تحديد أعدائه، فاختياره لروسيا كعدو يمكن اعتباره خطيئة جسيمة ستكلف أوروبا الكثير على أكثر من صعيد”.
ويرى الكراوي أن الخلاصة الثالثة تكمن في تطور وعي مواطني عالمي جديد حول قطب عدو للشعوب وهو الغرب وعالم متعدد الأطراف لكن تواق لفك مختلف أشكال التبعية إزاء هذا الغرب، فيما تهم الخلاصة الرابعة، بزوغ معالم فكر استراتيجي على صعيد الأقطار غير الغربية، قوامها الاعتماد على الذات وتطوير جيل جديد من التحالفات وأقطاب قوية من التعاون والشراكة والاندماج.
وأشار الكراوي إلى خلق واقع دولي جديد يؤدي للإسراع بإصلاح منظومة الأمم المتحدة، بتوجهات ستكون لها انعكاسات على وتيرة إنجاز الأجندات الدولية سواء الانتقال البيئي أو الطاقي وتدبير القضايا الدولية الكبرى، كالهجرة والأمن الغذائي والجريمة المنظمة والإرهاب والتطرف، مما قد يؤدي لإطالة أمد بعض النزاعات أو تهميشها وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وأشار الكراوي إلى خلق واقع دولي جديد يؤدي للإسراع بإصلاح منظومة الأمم المتحدة، بتوجهات ستكون لها انعكاسات على وتيرة إنجاز الأجندات الدولية سواء الانتقال البيئي أو الطاقي وتدبير القضايا الدولية الكبرى، كالهجرة والأمن الغذائي والجريمة المنظمة والإرهاب والتطرف، مما قد يؤدي لإطالة أمد بعض النزاعات أو تهميشها وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
معركة الوقود والأغذية
وأفاد ماريانو فيرنانديز، وزير الخارجية السابق في الشيلي، بتوجه نحو الشعبوية في نظم الحكم في أميركا الوسطى، بوجود بلدان ثرية وغنية بالنفط في المقابل أخرى تشهد ازدياد عدد الفقراء، وهو أمر مؤسف، تفاقمت حدته جراء الجائحة والأزمة الاقتصادية والحرب الروسية.
وقال فيرنانديز إن روسيا مطالبة بأن تكون قدوة وهي العضو في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فديباجة الأمم المتحدة تنادي بحسن الجوار والتعاون والمصالح المشتركة، وحرمة الأراضي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكلها مسائل أساسية دوليا.
واعتبر فيرنانديز أن بوتين خاب ظنه وتقديره للأمور، حيث جعل من الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بطلا عالميا مدافعا عن الديمقراطية، كما أنه أعطى مشروعية جديدة للتحالف العسكري الأميركي- الأوروبي “الناتو”، مسجلا أنه لا يمثل أي قيمة بل السلطة والمصلحة وهو ما يزيد الصراع حدة بين روسيا وسائر الدول حول تعزيز الإطار المؤسساتي لحقوق الإنسان وقيم المواطنة.
وزيرة خارجية السالفادور السابقة في حديث مع وزير خارجية تونس الأسبق ونيس خلال فترة استراحة
وطالب فيرنانديز بضرورة تحليل أنماط ممارسة السلطة انطلاقا من تزايد الفاشية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية واستخلاص العبر من كل الكوارث والأزمات العالمية لتفادي تكرارها.
من جانبه، أكد حسن كوا، زميل أول ومدير برنامج الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية في بلجيكا، أن الحرب الروسية تطرح عددا من المعارك، أبرزها معركة الوقود والأغذية بتداعياتها من حيث الإخلال بالأمن الغذائي العالمي، وما تحمله من عواقب خطيرة على المنطقة، بوجود دول فاشلة في النطاق العربي، وشرائح مستضعفة تعتبر الأكثر عرضة واستهدافا لنتائج الحرب الكارثية، خاصة إذا ما طال أمدها.
وأضاف كوا:”نشير أيضا إلى أيضا معركة السرديات، من خلال سؤال من يتحمل المسؤولية عن نشوب الحرب، علما أن هناك إجماعا وتوافقا حول مسؤولية بوتين، على الرغم من أنه لا يوجد هناك توافق حول تحليل الطرف المسؤول وكيفية النظر للأسباب في الشرق الأوسط، فضلا عن معركة دور وسائل الإعلام الروسية، ودرجة تأثيرها في تفسير الأحداث، وأيضا معركة الاستقلالية الدبلوماسية والتي اتضحت بشكل جلي في رفض السعودية والإمارات لطلب أميركا بزيادة الإنتاج النفطي، ثم معركة الاهتمام، باستحواذ مجريات الحرب على الانتباه على حساب ما يحدث في ليبيا ولبنان واليمن وغيرها من الأقطار”.
وقال كوا:”علينا أن نولي أهمية كبرى للأفكار التي سترفع في قمة المناخ بشرم الشيخ، فنحن لا نعرف كيف ومتى ستنتهي الحرب، وبالتالي معرفة مدى تأثيرها على الوقود والأغذية”.
تخريب العالم
وشدد خير الله خير الله، كاتب وصحفي لبناني، على أن بوتين استطاع تخريب العالم الذي بات يعاني من أزمة طاقة ومواد غذائية، لكنه لم يستطع تحويل روسيا لدولة عظمى على غرار ما كان عليه الاتحاد السوفياتي سابقا.
واعتبر خير الله أنه ليس مسموحا لبوتين تحقيق انتصار في أوكرانيا، فسقوطها يعني سقوط هنغاريا وبولندا ورومانيا وأوروبا عموما، فهو لم ينظر لموقعها في الخريطة بشكل جيد ومدروس قبل اتخاذ قرار الحرب.
وأضاف خير الله:”الحرب كشفت ضعف روسيا وجيشها والسلاح الذي تنتجه، وكيف أن بوتين لا يعرف العالم ويرفض الاعتراف بانتهاء النظام السوفياتي لأسباب اقتصادية، غزوة أوكرانيا لن تؤدي لقيام عالم متعدد الأقطاب، كما أنه لا يمكن تجاهل أن روسيا بحاجة للحضن الإيراني كي يستمر في حربه ويتكل على قذائف مدفعية من كوريا الشمالية، فبوتين بدت شخصيته أقرب لشخصية صدام حسين الذي ارتكب أخطاء حينما غزا الكويت في 1990″.
ولفت خير الله إلى وجود نقطة مضيئة في الزخم المظلم المتعلق بالحرب وهي زوال الأوهام العربية فيما يخص الاعتماد على أميركا بشكل كلي من طرف السعودية والإمارات مثلا، بالبحث عن مصالحها في نطاق عام يتجاوز أميركا المترددة والحائرة.
وحول مضاعفات الحرب على الدول النامية، أفاد تاج الدين الحسيني، خبير سياسي وأستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، بأن تجميد إمكانيات روسيا وأوكرانيا يشكل خطورة حقيقية بالنسبة لاستقرار الاقتصاد العالمي، فروسيا ثالث دولة على التصنيف العالمي من حيث إنتاج الغاز والبترول وأوكرانيا سلة مهمة للغذاء العالمي.
رشيد الإدريسي القيطوني السفير المغربي الأسبق في براغ في حديث مع وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة أنا بالاثيو
وذكر الحسيني أن روسيا أعلنت الحرب على الأمن الغذائي العالمي وهو أمر خطير للغاية، متسائلا:”ما الذي ينبغي اتخاذه لتجاوز الوضع المقلق وأين هي تلك المؤسسات التي وضعتها الدول المتقدمة لتحقيق التوازنات في المجتمع الدولي؟ ولماذا تصرفون ملايين الدولارات في الحرب مع أن المؤسسات المهمة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم تأخذ بعد المبادرة؟، فالبلدان النامية تعاني دون أن تتحرك الدول المتقدمة لمعالجة الوضع قبل استفحاله، وهل على العالم ردع بوتين بوسائل لكنها غير منتجة؟، نحن بصدد التحول لتعددية الأقطاب والتمحور الأساسي للأقطاب الكبرى، فميزان القوى يتجه لصالح موسكو بوجود الصين والهند وإيران وكوريا الشمالية، وحتى الدول الحليفة لأميركا أصبحت تغير موقفها”.
وخلص الحسيني إلى أن الدول النامية اختارت أن تكون ضحية فطرية للعيش تحت الاستقرار بأي ثمن، في مقابل أميركا التي تعيش مزيدا من القوة والمناعة، مشددا على أن أوروبا تؤدي الثمن تدريجيا لكن من سيؤدي الثمن الأكبر هو الدول النامية.