محمد بن عيسى يتوج بجائزة بطرس غالي للدبلوماسية والسلام
تسلمها في حفل شهد حضور وزير الخارجية المصري

تسلم محمد بن عيسى، وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الأسبق،”جائزة الإنجاز في مجال دبلوماسية حل الصراعات، والديمقراطية وحقوق الإنسان”،التي تمنحها مؤسسة ” كميت بطرس غالي للسلام والمعرفة “، خلال الحفل السنوي الذي نظمته المؤسسة، مساء الأحد بالقاهرة.
ويأتي قرار مجلس أمناء المؤسسة بمنح الجائزة لابن عيسى تقديرا لدوره المتميز وإسهامه في مجال الدبلوماسية وثقافة السلام، فضلا عن تفوقه في عمله مما منحه مكانة مميزة دوليا.
قيمة استثنائية شخصية
وأعرب بن عيسى، في كلمة له، بالمناسبة، عن شعوره بالاعتزاز والسعادة، بتسلمه للجائزة، متقدما بشكره للمؤسسة المنظمة ولأعضاء مجلس الأمناء فيها، وفي طليعتهم رئيسُه ممدوح عباس، على اختياره في دورة العام الحالي، لنيل هذه الجائزة، وعلى ما غمروه به من تشريف وتكريم لحملها.
واعتبر بن عيسى أن تأثره بهذه الالتفاتة الكريمة يتخذ معنىً وبعداً مضاعفاً، نظراً لمكانة ورمزيةِ المؤسسة المانحة، واعتباراً للقيمة الاستثنائية للشخصية الفذَّة التي تحمل هذه الجائزة إسمَها، شخصية الراحل بطرس بطرس غالي، رجلِ الدولة الذي منح لوطنه مصر كل ما يقتضيه واجب الإخلاص والوفاء، وظل تعلقه بقيم الشعب وثوابت الدولة في مصر، تعلقاً راسخاً ومتأصلاً.
بن عيسى يسلم على ليا غالي زوجة بطرس غالي
واستحضر بن عيسى بعضا من ذكرياته عن غالي الذي عرفه وجمعته به علاقات طيبة، اتَّسمت بالود والتقدير.
وقال بن عيسى:”عرفته في مراحل مهمة ودقيقة وغنية من مساره الزاخر بالحضور الوازن وبالعطاء الوفير. وخَبَرت معدنه الأصيل، سواء وهو يتولَى مهامه كوزير للدولة في الشؤون الخارجية بدولة مصر الشقيقة، أو حين أصبح أمينا عاماً لمنظمة الأمم المتحدة، أو حين عاد لمواصلة عمله الثقافي، على رأس المنظمة الدولية للفرنكوفونية بباريس”.
وزاد مبينا:” ومازلت أذكر كيف كان، خلال عهده في وزارة الخارجية المصرية، يعطي أهمية بالغة للقارة الإفريقية، سواءً على مستوى القضايا ذات الطابع الإنساني، أو بخصوص موضوعات وملفات ورهانات جيوسياسية. ولعله كان في طليعة من أعطوا للدبلوماسية المصرية نفسا متجددا في الاهتمام والعناية بالملف الإفريقي، بكل تشعباته المتعددة وخلفياته الإستراتيجية المتجددة.ولقد عرفت فيه أيضا رجل دولة بشخصية قوية، وكاريزمية جاذبة، وقدرت فيه دائما صموده وثباته على المبادئ، ووفاءه للقناعات الحقوقية التي آمن بها في حياته، كما في عمله”.
دفاع عن قيم العدل والكرامة الإنسانية
وتناول بن عيسى مساعي غالي وجهوده المتواصلة، وهو أمين عام للأمم المتحدة، من أجل كل القضايا الإنسانية الكبرى، ولاسيما اهتمامه الشديد بقضية فلسطين، وانشغاله القوي بالأزمات والمعضلات ومظاهر المعاناة الإنسانية في عدد من مناطق القارة الإفريقية، مشيدا بشجاعته في الدفاع عن قيم الحق والعدل والكرامة الإنسانية. ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر، إصراره على نشر تقرير الأمم المتحدة حول “مجزرة قانا”، التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في لبنان عام 1996، رغم اعتراض قِوى دُولية عظمى على نشر ذلك التقرير. فكان ما كان بعد ذلك، مما سيكتبه التاريخ من وقائع وأحداث، عن مواقف الرجال في المراحل الصعبة والحرجة، التي تُختبر فيها الإرادات الصلبة.
يتسلم الجائزة وبدت إلى جانبه الفنانة يسرى
واستحضر بن عيسى صورةٌ طريفة إلى جانب الراحل بطرس غالي، وهو وزير للثقافة في الحكومة المغربية. وقال ” عند ترشحه، رحمه الله، لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، لم يتأت الحصول على أغلبية الأصوات المطلوبة، رغم عدة دورات للتصويت من لدن أعضاء مجلس الأمن الخامس عشر”.
وأضاف بن عيسى:”تبين أن مفتاح الحسم يلزمه صوت واحد فقط، هو صوت جمهورية الزايير (جمهورية الكونغو الديمقراطي حاليا)، التي كان يقودها الرئيس موبوتوسيسيكو. فكان أن اتصل الرئيس حسنى مبارك رحمه الله بجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طالبا تدخله لدى الرئيس موبوتو، بحكم الروابط الشخصية المتينة بينهما،لأجل تصويت الزايير لصالح بطرس بطرس غالي، وهو ما استجاب له ملك المغرب، وتم المراد على النحو المطلوب”.
الأخوة المغربية- المصرية
وارتباطا بنفس الموضوع، أشار بن عيسى إلى أن هناك تفصيلة بسيطة ساقتها الأقدار صدفة، ولكنها تعكس هذه الأخوة المغربية- المصرية، فقد حدث أن كانا معاً في مؤتمر قمة “شايو” للفرنكوفونية، حيث قام خلال أشغالها، بتمثيل الملك الراحل الحسن الثاني، في حين كان الراحل بطرس غالي يمثل الرئيس حسني مبارك، وكان لهما قبل تناول الغذاء، اجتماع في مركز المؤتمرات التابع للخارجية الفرنسية، الذي كان يقع في شارع كليبر بباريس.
وقال بن عيسى:”أذكر أن العزيز الراحل بطرس بطرس غالي، كان يتحدث مع رئيس الجمهورية اللبنانية إلياس الهراوي، حين تم التصويت في نيويورك على شخصه، كأمين عام للأمم المتحدة، وبلغني الخبر عبر مصادري الخاصة قبل أن تتناقله وكالات الأنباء العالمية. فدلفت نحوه بكل فرح لأزف إليه الخبر الطيب فردَّ علي رحمه الله بقوله: “إنت بتهزر؟”، لكنَّه سرعان ما شعر من خلال نبرةِ كلامي وملامح وجهي، أن الأمر كله جد في جد. وكم كانت فرحتنا كبيرة بوصول أول عربي وإفريقي، إلى تولي أرفع منصب أممي”.
وأفاد بن عيسى بوجود ذكريات طيبة أخرى تجمعه بغالي بمرور السنوات، وحين أصبح وزيرا للشؤون للخارجية والتعاون، حينها كان غالي، يشغل مهامه على رأس المنظمة الدولية للفرنكوفونية، خلفا للرئيس السنيغالي المغادر عبدو ضيوف، إذ لم ينقطع تواصلهما.
ونوه بن عيسى بخصال غالي الذي ظل دوما مصريا خالصا، وعربيا صادقا، مؤمنا بولائه الشديد لمصريته، وبانتمائه لعروبته، مثمنا أنه كان إنساناً ذا خصال فكرية وأخلاقية راقية جدا، ويحسب له أنه ساهم بشكل فعال، في تركيز مكانة مصر في أكثر من موقع رفيع، يليق بها وبتاريخها المجيد.
وجدد بن عيسى شعوره بالاعتزاز الكبير، وهو يحمل جائزة تُمنح باسم هذا الرجل الألمعي، مسجلا أن التشريف سيظل حدثاً مشهوداً في حياته، خالداً في ذاكرته، ومخلداً أيضا لدى أسرته الصغيرة والكبيرة.
وأعرب بن عيسى عن متمنياته لمؤسسة “كيميت بطرس بطرس غالي للسلام والمعرفة”، دوام التوفيق والنجاح لمواصلة الرسالة النبيلة التي نذر لها غالي، جهده وفكره وحياته.
شكري: غالي ساهم في نشر الفكر المستنير
من جانبه، أبرز سامح شكري، وزير الخارجية المصري، أن مؤسسة “كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة” ساهمت في إثراء الحياة الثقافية ونشر الفكر المستنير سيرا على نهج قامة مصرية عظيمة هي الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة.
محمد بن عيسى مع وزير خارجية مصر سامح شكري قبيل بدء الحفل
وذكر شكري أن غالي يعد من أعلام مصر ليس على المستوى الوطني فقط ولكن على المستوى الدولي، كما أنه كان مكرسا حياته لخدمة قضايا السلام الدولي والتنمية خصوصا في إفريقيا، مشيرا إلى أنه قدم إسهامات جليلة في المجال السياسي والقانون.
وأشاد شكري بمساهمة غالي في توثيق العلاقات مع الدول الإفريقية، وما قدمه لمصر والعالم من جهود في مجال السلام يجب أن يكون نموذجا للقضاء على الاستقطاب في العالم.
وهنأ شكري كلا من محمد فائق وزير الإعلام السابق ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق، ومحمد بن عيسي وزير الخارجية ووزير الثقافة السابق بالمملكة المغربية على تكريمهما من طرف المؤسسة.