المكتبة الوطنية تتسلم خزانة كتب الوزير والدبلوماسي الراحل العربي المساري

معنينو: كان حريصا على التحرر من القيود المفروضة عليه في السياسة والوزارة والسفارة

جرى مساء الجمعة، تنظيم حفل تأبين للصحفي والوزير والدبلوماسي الراحل محمد العربي المساري، عرفانا بمساهماته في مختلف المجالات التي شغلها والمناصب التي تقلدها، بمناسبة إهداء خزانة كتبه الخاصة للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية.

وأجمع صحفيون ورفاق درب الراحل على تفرد مساره كعلم من أعلام المغرب، عمل على خدمة وطنه بدفاعه عن قضاياه إلى جانب كفاءته العالية وأخلاقه وحسن تعامله في المواقف.

من أعلام الذاكرة المغربية المعاصرة

وقال محمد الفران، مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، إن المساري يمثل علما للذاكرة المغربية المعاصرة، فهو الصحفي والسياسي المحنك والذي بصم على مسار متميز.

وأضاف الفران:”حينما نفقد رجلا من رجالات بلدنا، تنفطر القلوب وتنطفئ منارة من منارات الوطن، لكنه في المقابل يظل خالدا جيلا بعد جيل، بفضل قيمه وأخلاقه وأبحاثه”.

وسجل الفران أن المكتبة تحمل عبئا ثقيلا وهي تقوم بتأبين علم من أعلام الثقافة والصحافة والإعلام، تميز بتعدد مجالات اهتماماته في العمل الدبلوماسي والمسؤوليات الحزبية والإدارية، حيث لمع اسمه في صحيفة “العلم” ليتدرج من محرر إلى رئيس تحرير ، إلى جانب ارتباط اسمه أيضا بحرية النضال وحرية الصحافة في المغرب، إذ عمل على تطوير المهنة ومواكبة تطورات تكنولوجيا الإعلام والصحافة الإلكترونية في البلاد.

واعتبر مدير المكتبة الوطنية أن المهمات السياسية والمهنية للمساري لم تثنه عن تأليف عشرات الكتب والدفاع عن حرية الإعلام والفكر والإبداع، ليصبح رئيسا لاتحاد كتاب المغرب ل 3 ولايات متتالية.

وزاد مبينا:” خصاله بوأته الحصول على عضوية لجنة الصحافة من طرف اليونيسكو لسنوات 2002 و2003 و2004، إتقانه للغة الإسبانية جعل منه مرجعا في المغرب للقضايا المتصلة بإسبانيا وتاريخ العلاقات بين البلدين”.

متحرر من القيود

بدوره، شدد الكاتب والصحفي الصديق معنينو، على أن الراحل قضى70 سنة في تجميع خزانته، علما أنها تشمل مختلف المكونات التي امتزجت في شخصيته، من صحافة وبرلمان ودبلوماسية ووزارة وسفارة، والتي انعكست على خزانة كتبه التي أراد تقاسمها مع الجميع.

وأوضح معنينو أن المساري كان صديقا لوالده وتتلمذ لديه في المدرسة التي أسسها في مدينة طنجة في أربعينيات القرن الماضي.

وقال معنينو:”المساري كان حريصا على التحرر من القيود المفروضة عليه في السياسة والوزارة والسفارة، حيث كان يختلي بنفسه ويعطي ملاحظات ويعالج قضايا، لقد كان في نهاية حياته شخصا صامتا، فحينما ألم به المرض، شعر بالأنفة وعزة النفس، كان يعمل على التغلب على وضعية صحية صعبة، انطلاقا من ذلك الشعور القاضي بضرورة المحافظة على صورته البهية، مستشعرا أنه في طريقه إلى الرحيل”.

وأضاف معنينو بنبرة مازحة:”كان يحب المبادرة والهدوء معا، هو شعلة من العمل على النقيض من عبد الإله ابن كيران، الذي يخرج هاته الشعلة للناس، كما أنه كان لطيفا عكسه أيضا”.

مهووس بحب الوطن

من جهته، أفاد عبد الجبار الراشدي، القيادي بحزب الاستقلال، أن تسلم المكتبة الوطنية لخزانة المساري يعد إضافة نوعية للرصيد الفني الذي تكرسه، لما تحمله من ثروة القراءة والبحث والإنتاج والتأليف، باعتبارها تضم حوالي 3500 إصدار في السياسة والأدب والفن والتاريخ وبلغات متعددة، فضلا عن مؤلفات له، آخرها”إسبانيا الأخرى” والذي يسائل النخب في البلدين لتجاوز الخلاف والأفكار المسبقة والقطع مع مواقف إسبانية ماضوية تشير إلى المغرب كامتداد لعمقها.

وأكد الراشدي أن المساري اهتم كثيرا بالتاريخ والجغرافيا لفهم الواقع واشتغل على دول الجوار ودافع بشراسة على الصحراء المغربية في مختلف كتاباته ومشاركاته في المنتديات الوطنية والدولية.

ولفت الراشدي إلى اهتمام الراحل أيضا بدراسة الصورة الذهنية للإسبان وتمثلاتهم عن المغاربة، بالإضافة إلى رصده لأباطيل الآلة الإعلامية الجزائرية وفق نفس الآلية التي تشتغل منذ زمن إلى حدود اليوم رغم الصدإ الذي أصابها.

وأضاف الراشدي:”هو وطني كبير ورجل دولة مهووس بحب الوطن، دافع عن المغرب الديمقراطي والحرية والكرامة، قدم إسهامات وازنة على مستوى الصحافة والنشر والتي كانت هي الرئة التي يستنشق منها هواء الحرية، هو أيضا شخصية اجتماعية، تتميز بقيم الكرامة والكفاءة ونكران الذات ومتابعة أدق التفاصيل، لم يكن أبدا ليسعى وراء المناصب، بل هي التي كانت تختاره، رجل جمع بين الأخلاق والتواضع والسمو والدعابة والجدية”.

وسجل الراشدي أن الراحل كان متحمسا للتغيير حينما تقلد منصب وزير الاتصال لكن جيوب المقاومة واجهته بشراسة، قبل أن يقرر تقديم استقالته، في إشارة إلى المواقف “المتسلطة” لوزير الداخلية الأسبق ادريس البصري.

رجل”شاسع”

من جانبه، شجب الكاتب والصحفي طالع سعود الأطلسي، تداول كلمة”فقيد”، لكون المساري أعطى امتدادا لحياته بإهداء خزانة كتبه للمكتبة الوطنية، والتي ستظل خالدة، معتبرا أنه فقط”مغادر”، لا يراه المقربون منه لكنهم يحسون بوجوده معنويا وحسيا.

وأشار الأطلسي إلى أن علاقته بالراحل انطلقت فعليا سنة 1977 في جريدة “العلم”، وعمره لم يتجاوز حينها 22 سنة، لكنه كان يحس بتعامله اللطيف مع زميل في مستوى عمره وليس مع شخص أكبر منه أو يتكبر عليه.

وقال الأطلسي:”المساري رجل”شاسع” ورجل حيوات، عميق الفكر والمشاعر، أنيق ورشيق وشيق، يتحدث بحذر ويقدم معلومات وتفاصيل، لكنه في المقابل يكره الجهل، وينتفض بوجود شخص ما يعانده عن جهل بالأمور، لم يكن متعاليا، وكان حريصا على المال العام أثناء ممارسته لمهامه الوزارية”.

وعن علاقته بمحيطه الأسري، أضاف الأطلسي:”كان يدير أموره الأسرية مع أبنائه بمسؤولية، فرغم مسؤولياته الكثيرة، كان حريصا على متابعة مسار أبنائه وأن يكونوا ناجحين في حياتهم الدراسية والعملية.

وخلص نجل الراحل، نزار المساري، إلى أن الاحتفاظ بالكم الهائل من كتب والده”معجزة”، لكونه كان يوزعهم، مسجلا هوسه بجمعها وتأثيث مختلف الغرف بها.

وتميز الحفل بحضور شخصيات سياسية وطنية بارزة، حيث تم التوقيع على عقد هبة بين ورثة المساري، ممثلين في شخص نجلته منى المساري، والمكتبة الوطنية الممثلة في مديرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى