تشغيل الأطفال بالمغرب.. معاناة صامتة وواقع مرير

نادية عماري

يعتبر تشغيل الأطفال ظاهرة مقلقة في المغرب، لكونها تشمل أعدادا كبيرة ممن يجري استغلالهم في ميادين مختلفة، على الرغم من تشديد القانون للعقوبات بحق المخالفين من سجن وغرامات مالية.

فقر ومعاناة

يحرص محمد، البالغ من العمر 12 سنة، على التنقل بشكل شبه يومي من محل سكنه إلى محطة ترامواي باب لمريسة بمدينة سلا، حاملا كيسا بلاستيكيا صغيرا يحتوي على علب معدودة من المناديل الورقية، من أجل بيعها والحصول على بضع دراهم، للمساعدة في توفير المصاريف اليومية لأسرته الصغيرة.

يحكي بنبرة حزينة: “كنت أتمنى متابعة دراستي لكن الظروف القاهرة حالت دون ذلك، فحالتنا المادية سيئة للغاية، والدي مصاب بمرض عضال يلزمه الفراش، ويحتاج لأدوية ومصاريف كثيرة، ووالدتي تضطر للخروج بحثا عن عمل كخادمة في المنازل، حيث تمكث في أوقات كثيرة في مدخل السوق المركزي للمدينة، في انتظار قدوم أي سيدة تبحث عمن يقوم بأعمال منزلية نيابة عنها”.

بالنسبة لمحمد، توفر المناسبات والأعياد الدينية فرصة سانحة للعمل وكسب بعض المصروف الزائد، حيث يكثر الرواج التجاري، مقارنة مع باقي الأيام الأخرى، ليقوم بتسويق الأكياس فضلا عن البهارات ومواد غذائية بسيطة.

يعتبر اسماعيل، 15 سنة، نفسه محظوظا لأنه يعيش في وسط عائلي متوازن، رغم العوز والحاجة، إلا أن أفراد العائلة لا يبخلون على والدته بتقديم المساعدة المادية والدعم النفسي، بعد وفاة والده إثر أزمة قلبية ألمت به.

يقول بابتسامة عريضة: “صحيح أن والدتي لا تلزمني بالعمل لكنني أود مساعدتها عن طواعية، فهي تقوم بصنع أشكال محددة من الحلويات التقليدية المغربية (كيك، قراشل، رغايف معسلة ، وبغرير)، لأبيعها عصرا، على مقربة من المنزل، حيث أنصب طاولة صغيرة لعرضها أمام المارة، بسعر مناسب”.

رغم إقبال الناس على ما أسماه بـ”المشروع المتواضع”، إلا أن اسماعيل لم يخف رغبته في التسجيل بإحدى مؤسسات التكوين المهني مستقبلا، من أجل ضمان عمل قار يساعده على تأمين مصروف المنزل، ويؤمن الراحة لوالدته كي لا تظل مضطرة لبذل مجهود مضن.

طفولة مغتصبة

سعيا منها لتحقيق ربح سريع وسهل، تقوم بعض الأسر التي تنحدر من البوادي والمناطق النائية، باستغلال أطفالها في التسول، فتنتقل للمدن الكبرى في أوقات متفرقة من السنة، لممارسة مهنتها، قبل العودة لمقر سكنها، واستثمار ما جنته من مبالغ مالية طائلة في اقتناء مواشي ودواب وأوعية عقارية.

وتشمل الظاهرة كراء رضع واستغلالهم، حيث يتم تخديرهم باستخدام مشروب منوم، مع وضع وصفات طبية غير حقيقية، لاستجداء عطف المارة، عن طريق النصب والاحتيال.

حوادث عنيفة

تتعدد قصص التعذيب والتنكيل التي تطال العديد من العاملات المنزليات القاصرات اللواتي يتم استقطاب غالبيتهن من القرى للعمل في المدن والحواضر الكبرى، لساعات طويلة، في غياب أبسط شروط العيش الكريم.

تقول فاطمة (اسم مستعار): “تعرضت للتحرش الجنسي مرارا في بيت مشغلتي من طرف زوجها، كنت أحاول تفاديه من دون جدوى، إلى أن قررت مغادرة المنزل والبحث عن عمل آخر في ظروف مناسبة”.

وحول إمكانية تقديم شكوى لضمان حقها، تضيف مبينة: “لن أستفيد شيئا، في غياب وجود أدلة ملموسة ترصد ما أعانيه، في أحسن الأحوال، ستكتفي صاحبة المنزل بطردي، هذا إن هي لم تفكر في الانتقام مني وتلفيق تهمة لي بهدف سجني، فهي تثق فيه ثقة عمياء”.

تدخل الدولة

يعتبر تشغيل الطفل القاصر جريمة يعاقب عليها بموجب القانون، وتنص المادة 23 من القانون رقم 19-12 الخاص بتحديد شروط الشغل للعمال المنزليين بالسجن ما بين شهر وثلاثة أشهر ، واداء غرامة مالية، تتراوح ما بين 25 و30 ألف درهم، بحق أي شخص تبث تشغيله لأطفال تقل أعمارهم عن 16 سنة.

في غضون ذلك، اعتمد المغرب المخطط التنفيذي للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2016 -2020، الذي يهدف لتقوية هذا الإطار القانوني، عن طريق تنظيم دورات تكوينية لفائدة أعوان تفتيش الشغل، وحملات تحسيسية للفاعلين في المجال، بتخصيص وزارة الشغل والإدماج المهني لـ3 ملايين درهم، لدعم مشاريع الجمعيات التي تنشط في مجال محاربة تشغيل الأطفال.

ومكنت هذه الشراكة ما بين سنتي 2017 و2018 من إنقاذ 440 طفلا، منهم 104 من الإناث، من ممارسة العديد من المهن، فضلا عن 776 طفلا وطفلة من العاملين في الأشغال الخطيرة، تتراوحةأعمارهم ما بين 16 و18 سنة.

وتطمح البلاد للقضاء على ظاهرة تشغيل الأطفال في متم سنة 2025، عن طريق إطلاق سلسلة من المشاورات الوطنية مع مختلف القطاعات الوزارية وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات المعنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى