وهبي: الحريات الفردية مصلحة وطنية لا تتعارض مع الدين الإسلامي

عد تحديث قوانين الأحوال الشخصية كفيلا بتسريع النمو الاقتصادي

قال عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير العدل، إن الحريات الفردية مصلحة وطنية تستجيب لمقتضيات الحداثة ولا تتعارض مع الدين الإسلامي، مسجلا أنهما يشتركان في القيم العليا نفسها والتي تشمل الحرية والكرامة والمساواة والعدل والمحبة والرحمة والحكمة وغيرها.

واعتبر وهبي، مساء اليوم الثلاثاء، في لقاء فكري حول موضوع:”الحريات الفردية بين القيم الكونية والثوابت الوطنية”، نظمه مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، بالمكتبة الوطنية بالرباط، أن موضوع الحريات الفردية لم يعد ترفا فكريا كما يحاول البعض اختزاله بل هو مصلحة وطنية وحاجة مجتمعية.

وأشار وهبي إلى أن المغرب شهد ثورة ناعمة جعلته يتبوأ مرتبة متقدمة في العمران والصناعة والرياضة وغيرها، محققا طفرة حضارية أدهشت الكثيرين وأثارت حفيظة الكثيرين، مضيفا:”وإن كان المغرب يتطلع اليوم ليكون قوة جذب  للمال والأعمال فإن تحديث القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية كفيل بتوفير المناخ الملائم لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي والتنمية البشرية وخلق بيئة عمل مشجعة على الابتكار.

وميز الوزير بين الدين والفهم التاريخي للدين، على اعتبار أن الدين شعور نابع من فطرة كل شخص بنحو عفوي يتناسب مع شخصيته وفقا لتعاليم القرآن، مستندا على الآيات القرآنية:” لا إكراه في الدين ولكل وجهة هو موليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “، في حين أن الفهم التاريخي للدين تخترقه وجهة نظر تسلطية مفادها أن الدين نمط واحد وشاكلة واحدة وجهة واحدة، مما يعني الإكراه والإكراه مكروه قرآنيا.

وزاد مبينا:”يخطئ من يدرج الحريات الفردية ضمن الكماليات التي يمكن تأجيلها لما بعد كسب معارك الديمقراطية أو تأجيلها، فالحريات الفردية هي الجبهة الأساسية لمعارض التقدم كلها، كما أن الديمقراطية صراع سلمي على السلطة بين التكتلات الكبرى إلا أن المواطن هو اللبنة الأساسية في البناء الديمقراطي، حيث لا وجود لإرادات حرة من دون إرادة حرة خالصة ومستقلة، كذلك وهو ما يحيل إليه ستار معزل الاقتراع حيث يتم عزل الفرد رمزيا عن سلطة الجماعة أثناء التصويت”.

وشدد وهبي على أن الحداثة مشروع الدولة والمجتمع والحضارة الإنسانية، إلا أن مبدأها الأساسي أن يستعمل كل شخص عقله بنفسه دون وصاية أو حجر أو تسلط، كتعاقد اجتماعي أساس للدولة الحديثة والذي لا يتحقق إلا بين ذوات تحترم استقلالية بعضها.

وسجل المسؤول الحكومي أن أساس التنمية يقوم على إزاحة العوائق أمام النمو العقلاني والوحداني، وهو ما تؤكده آيات القرآن، لافتا إلى أن الإنسان خلق لينمو غير أنه ينمو بأسلوب يختلف، لذا تفشل كل محاولات تنميطه. وأكد وهبي أن المؤسسات التي تلغي الحريات الفردية تنتج أشخاصا يجترون ما يسمعون دون قدرة على الإبداع ويمثلون خطرا على التنمية نفسها.

وأفاد وهبي أن منبع الفتن يكمن في تدخل الأفراد في حياة بعضهم والبعض، وهو نمط التسلط الذي حاول البعض شرعنته بدعوى شرع الله، إلا أن المغاربة بنباهتهم فطنوا إلى أنه شرع اليد، مما يعني الفوضى والفتنة، وتلك هي الحقيقة المرة التي جعلت التاريخ الإسلامي يبدو في سياق مظلم وفق تنبؤات إحدى الأحاديث النبوية.

وقال وزير العدل:”بالرغم من أن مفهوم الحريات له مفعول تداولي وفق ما يعيشه الزمن، إلا أن ما يعيشه المغرب من تحولات يجعل الموضوع يتعلق بالانتقال الاجتماعي وأهم التحولات التي تهم النمو المتزايد للمجالات الحضرية مقابل القروية، ونزوع الأفراد للاستقلالية في المدن وانخفاض نسبة الخصوبة إلى 2 في المائة، وتأخير سن الزواج، مما يجعل البالغين يبحثون عن استراتيجيات بديلة، كما أننا أصبحنا أمام الأسرة الأبوية وأسرة القرابة والأسرة الأبنائية وبلا أطفال مما أنتجها المجتمع الحديث، وبالتالي علينا العمل على إعادة قراءة الدين والقيم بما يتوافق مع المتغيرات دون أي مصادمة مزعومة بين الحقوق الكونية والثوابت”.

وأكد وهبي أن المغرب شهد إصلاحات قانونية مهمة لتحديث العلاقات المهنية والاقتصادية وتخليق الحياة العامة والقضاء على الفساد المالي والإداري، إلا أن ورش إصلاح القانون الجنائي بقي مؤجلا، وبقيت الحياة العامة للمغاربة تحت قانون جنائي متقادم ومسيء لمجمل المكتسبات الديمقراطية والحداثية التي حققها الشعب بإرادة ملكية وحماس وطني.

وزاد مبينا:”إن انخراط المغرب بإرادة قوية في بناء الدولة الاجتماعية يعد دعوة صريحة لإصلاح القانون الجنائي بمنطلق الدفاع عن الحريات الفردية، حيث أن كل التشريعات الحديثة التي انصبت على تطوير الحقوق الاجتماعية تتضمن مبدأ التضامن بين الأفراد المستقلين”.

وأوضح المسؤول الحكومي أن الدولة الاجتماعية سعت إلى الحد من الفقر وتحرير الفرد من سلطة العوز وتوفير شروط صحية وتعليمية للأفراد، فضلا عن كونها تفتح أمام المواطنين المجال في الحقوق الثقافية والاعتراف بأن كل شخص يستطيع أن يشيد ظروف حياته ويساهم في تحسين جودة الحياة الاجتماعية وفق الطريقة التي تجمع بين المبادئ العامة للتحديث والهويات الخاصة، حيث تكمن أهمية هاته الدولة التي يدشنها المغرب اليوم في سن سياسة تمنح الإمكانيات الضرورية لتصبح للفرد حرية تقوي لديه المواطنة النشطة، فإشباع ضروريات العيش العصري هو المدخل الذي يمكن المواطن من العيش باستقلالية كإبداع متجدد في علاقته بالمجتمع.

وقال وهبي إن توسيع الحريات الفردية في مشروع إصلاح القانون الجنائي هو انسجام مع التداعيات الاجتماعية والمعيش الواقعي لأدوار الفرد المغربي داخل الحياة العامة، كفاعل في المواطنة النشطة، بمساهمته في خلق الثروة وتنمية فائض القيمة وتأدية الضرائب والحماس في الدفاع عن انتمائه.

ولفت وزير العدل إلى أن المجتمعات الغربية الحديثة ليست أول من دافع عن الحريات الفردية، والتي كانت حاضرة في المجتمعات القديمة من خلال 3 مبادئ أساسية.

وأضاف وهبي:”الأول هو إظهار المميزات الفردية التي تعطي قيمة للفرد والمبدأ الثاني هو تثمين الحياة الخاصة كمقابل للحياة العامة، والمبدأ الثالث هو أنها مجتمعات كانت تعطي القيمة لعلاقة الفرد بذاته واتخاذها كموضوع للمعرفة والتغيير”، مؤكدا أن الإسلام مجد وصان الحريات الفردية، فلا توجد في الدين الإسلامي مؤسسة تتوسط بين الخالق والإنسان المؤمن، علما أن الأخير له الحرية وفق تجربته وظروفه وخصائصه في عيش إيمانه ومعتقداته بمرجعية القرآن والحديث النبوي، خاصة ان غياب هاته المؤسسة هو في العمق تكريس لمبدإ الحرية الفردية الذي جاء به الدين الإسلامي، وهو ما ترجم إلى أشكال عديدة للحرية الفردية يقرها القرآن والحديث النبوي.

واعتبر وهبي أن الدفاع عن الحريات الفردية في مشروع القانون الجنائي ليس من باب تقليد نمط حياة الفردانية أو مجرد تأثر سطحي بثقافة الآخر، بل هو دفاع عن الواقع الاجتماعي وامتداد نوعي وحضاري لتاريخ الأمة الإسلامية، مسجلا أن الدفاع اليوم عن الحريات الفردية في إطار مشروع إصلاح القانون الجنائي ليس ترفا فكريا أو قضية نخبة، بل هو من صميم الدفاع عن التنمية الشاملة والمستدامة لمجتمع تواق للتقدم والازدهار، دلك أن كل الأوراش المنجزة تهدف لتحقيق التقدم الاجتماعي، بمعنى ان المغاربة لا يريدون تنمية تختزل في النسب والأرقام والبيانات الشكلية، بل ينشدون التقدم الاجتماعي.

وشدد وهبي على أن المغرب في حاجة اليوم لتعميق كل مكتسباته التي أصبحت واقعا معيشيا، ويمضي في إقرار متقدم للحريات الفردية بما ينسجم مع التحولات المجتمعية والثقافية.

وذكر الوزير أن تحريض الناس على التدخل في الحريات الشخصية لبعضهم البعض لا يعني مجرد انتهاك للكرامة الإنسانية، حيث يتم التعامل مع الناس باعتبارهم قاصرين يحتاجون للحجر والوصاية، بل إنه انتهاك لأحد حقوق الله، الحق في الثواب والعقاب، لا سيما بخصوص القناعات الشخصية.

وقال وهبي:”حينما نسعى لإجراء أي إصلاح أو تجديد في منظومة الحقوق والحريات، فإنما نسعى لتحقيق الأمر في إطار من الاحترام التام والتوفيق بين الثوابت الدستورية للمملكة ومختلف المرجعيات المجتمعية، وفي حال الاختلاف، نحتكم إلى مؤسسة إمارة المؤمنين تحقيقا لمقاصد الدين واستلهاما لروحه في الحرية والكرامة والعدل والمساواة بين الناس، دلك أن الملك باعتباره أميرا للمؤمنين هو الكافل لحقوق المواطنين والضامن لحرياتهم بمقتضى الدستور، في إطار من الالتزام بثوابت الدين ومنظومة قيمه، وهو ما يفسر تشبث ملوك المغرب إلى اليوم بمبدإ الشرعية وتشديدهم على أنهم لا يحلون حراما ولا يحرمون حلالا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى