بنعتيق: من الضروري إحداث”ثورة هادئة” داخل الاتحاد الاشتراكي

عد إنتاج المال للمؤسسات التمثيلية خطرا على الديمقراطية

قال عبد الكريم بنعتيق، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إنه من الضروري إحداث ثورة هادئة لفهم ما يجري داخل الحزب والتفكير في صياغة مشروع مستقبلي.

وأفاد بنعتيق، أمس السبت، في ندوة نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، إحياء للذكرى ال30 لوفاة بوعبيد، بعنوان:” أي مستقبل للاتحاد الاشتراكي” بوجوب الاجتهاد في إطار البحث على آليات جديدة تنطلق من خصوصية المرحلة، في ظل تغير كل من المجتمع والفاعل والعقلية والمغرب بشكل عام، بحيث لا يمكن التفكير بعقلية 59 أو 75.

وأضاف بنعتيق:”كل التجارب الحالية يمكن الاستفادة منها، لكن التجربة الأقرب لنا هي تجربة أميركا اللاتينية، التي اعتمدت على مبدأ الديمقراطية وتداول السلطة، فكل الأحزاب تشتغل من مرجعيات، لكن الأحزاب الاشتراكية نهجت منطق التعامل مع المجتمع من خلال المجتمع المدني، فمثلا، لا يمكن التفكير إلا من خلال ثوابت، بالنسبة للمغرب هناك 3، أولها ملكية حافظة لوحدة المغاربة واستقرارهم، ثم إسلام معتدل وسطي، والوحدة الترابية، أما غيرها فكلها مواضيع قابلة للنقاش”.

وأشاد القيادي الحزبي بخصال بوعبيد، باعتباره يمثل رجل دولة بكل المواصفات، لكونه قائدا سياسيا ساهم في المفاوضات بعد الاستقلال ووضع اللمسات الأولى للدبلوماسية المغربية قبل أن يكون زعيم حزب، كان وزير الاقتصاد والمالية وساهم أيضا في وضع اللبنات الأولى لاقتصاد وطني مستقل عن إرث الاستعمار.

ونفى بنعتيق وجود مرحلة ذهبية في تاريخ حزب ما، الذي يعد مسارا وسلوكا وواقعا يوميا لتدبير الصعوبات.

وقال بنعتيق:”هناك مسارات تناقش وتدرس ويجري تقييمها من طرف فاعلي، بوعبيد كان مبدعا للحظات وكل المسارات والمنعرجات، سنة 59 كان منعرجا أساسيا في تاريخ المغرب عندما خرجنا من حزب الاستقلال أحدثنا قطيعة وأنتجنا مشروعا آخر مغايرا من حيث التوجه التقدمي اليساري خدمة للجماهير وكان منعرجا أساسيا في تاريخ المغرب”.

وأشار بنعتيق إلى وقوع اصطدام حينها، حيث كانت الدولة منزعجة من وجود هذا المشروع الجديد داخل المجتمع، وهو ما أدى الحزب ثمنه من اعتقالات ومنفى واغتيالات، لكنه عبر دائما عن اصطفافه لجانب الجماهير، رغم تعرضه أيضا لمرحلة صعبة تمثلت في توقيفه، فضلا عن كون الدولة كانت عاجزة عن استيعاب حزب يريد الديمقراطية وإعادة توزيع الثروة، ودولة ضامنة متضامنة قريبة من الجماهير الشعبية وليس دولة تقوم بتدبير إرث استعماري محض، كقناعة تبناها، قبل أن ينتبه بوعبيد لوجود صراعات داخلية تعيق هذا المسار وتوقفه، من خلال صراع بين الجناح النقابي والسياسي والمقاومة، ففكر حينها في المؤتمر الاستثنائي ل75 الذي شكل نقلة وتحولا كبيرا ولم يكن اختيارا سهلا لأنه سيحدث قطيعة مع رفاق الأمس نظرا للجمود السياسي.

وأضاف بنعتيق:”المؤتمر كان لحظة مفصلية، فلأول مرة تتم صياغة مشروع متكامل به اجتهادات متميزة، بمعنى ولادة حزب اشتراكي ديمقراطي طرح الإشكالات الكبرى من المسألة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية، إلى جانب تفكيره في عملية تنزيل جريئة لهذا التعاقد الجديد ولأول مرة وثيقة مفصلية في تاريخ المغرب السياسي، اعتمدت على قنوات الوجود في المجتمع بشكل فعلي، وليس إنتاج الأدبيات، بالإضافة إلى صياغة آليات تنظيمية جديدة واعتبار أن أذرع الحزب هي القنوات مع المجتمع، ليفكر أيضا في العمل النقابي ودور الشباب والمجال التلاميذي والطلابي وتنظيم قطاعات نسائية وكانت لديه الجرأة للبحث عن بديل نقابي فجاءت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل”.

وأوضح بنعتيق أن الحزب لم يكن معزولا عن السياق السياسي، علما أن كل الأطر الحزبية كانت لديها علاقة بالنقابة، وكان هناك دائما نوع من التلاقي بين الإطار الحزبي والامتداد الاجتماعي.

وقال بنعتيق:”الدولة آنذاك لم تقبل أن يكون حزبا ديمقراطيا اشتراكيا يريد أن يساهم في التنمية، جاءت سنة 1979 والتي اتسمت بالتعامل بالقمع الشرس مع إضرابات الصحة والبريد والتعليم، كما رفضت إضراب 81 وكل القيادات تعرضت للاعتقال في الدار البيضاء والرباط، كمحاولة للقطع مع كل الإطارات الوسيطية كي لا تبقى لها علاقة بالمجتمع، جاء أيضا اعتقال القيادة الحزبية، وتجاوز شكله المادي ليصبح معنويا حينما زورت الدولة الانتخابات البلدية في 83 والتي شكلت ضربة نفسية للاتحاد، حيث خرجنا من مرحلة أخرى للقمع الشرس”.

وسجل بنعتيق  إبداع الراحل بوعبيد، والذي بدا جليا من خلال تنظيم المؤتمر الرابع الذي لم تخل فترته من جراحات واعتقالات وتعذيب وطرد تعسفي، ومع ذلك قبل أن يشارك في حكومة وطنية من أجل الصحراء كوزير دولة مع كافة زعماء الأحزاب آنذاك، معتبرا أن القضية الوطنية أكبر من قضية حزب، وهو ما كان يجهر به دائما.

وأوضح بنعتيق أن ذكاء الاتحاد الاشتراكي ظهر حينها في التمييز بين الخصم والوطن، الخصم الذي يهم كل القوى المحافظة التي لم ترد أن تكون ديمقراطية ناشئة في المغرب والاتحاد هو الذي كان يقود هذه الفكرة.

وقال بنعتيق:” حينما وصلنا لمؤتمر 89 بدأ من جديد الصراع بين الجناح النقابي والسياسي ومكثنا ل 11 سنة دون مؤتمر إلى حدود سنة 2000، ولكن في التسعينات، وقعت مستجدات كبيرة أولها إضراب عام أدى لأحداث فاس 1999، فقدنا الراحل بوعبيد وتحمل بعدها اليوسفي المسؤولية، ثم سجلنا عودة الفقيه البصري ومجموعة من المغتربين، ليستمر الصراع والتوافق، ودخلنا مرحلة التناوب التوافقي، لكن ليس بناء الحزب من داخل المجتمع”.

ودعا بنعتيق إلى إعادة النظر في المقررات التنظيمية والانفتاح ليس بالشكل الانتخابي بل المجتمعي وإدماج المجتمع في اختيار قادة الحزب، مع التمييز بين الانتماء السياسي والتنظيمي، أي إشراك المجتمع في انتخاب الكاتب الأول، مادام أن هذا الحزب يرغب في الوجود داخل المجتمع، فهذا الأمر يحتم عليه أن يمنح الحق للمناضل في صياغة القرار الداخلي.

وطالب أيضا بالحفاظ على مكتسبات الاقتراع السري بشروط، حيث لا يمكن الاشتغال بمنطق بنية مغلقة، واستمرار التفكير  في الخلية والفرع والكتابة الذي أصبح متجاوزا، بل الاشتغال في إطار المنتديات.

على صعيد ذي صلة، اقترح بنعتيق تنظيم عدد من المنتديات السنوية، تهم الشباب وتطرح فيها قضايا على شكل ورشات، تخرج بخلاصات، ثم تنتخب أجهزة سنوية تقوم بالتدبير، بحضور الطلاب والتلاميذ والجمعيات وأيضا منتدى نسائي سنوي، وآخر ثقافي إعلامي رقمي، يشهد الاشتغال على صورة الحزب، وآخر سياسي سنوي.

وأفاد بنعتيق بعدم إمكانية الانتظار لأربع سنوات لإنتاج وثيقة سياسية والمجتمع يشهد تحولات، مما يفرض تنظيم منتدى سنوي لتحيين المرجعيات والتفاعل مع المجتمع وصياغة برامج، وأيضا منتدى حقوقي سنوي يتناول التراجعات الحاصلة ويروم تحسين الحقوق وتطويرها، فضلا عن تحقيق مصالحة مع الذات، حيث يجب على كل الاتحاديين إيجاد فضاء للنقاش لأن لا أحد يملك الاتحاد لوحده، لكونه حزبا للجميع دون استثناء.

وذكر القيادي الحزبي أن الاستقلالية عن الدولة هي نقاش مشروع يشكل عمق الإشكال الحالي في علاقة بالحقل الحزبي والسياسي، وبالتالي لا يمكن أن يظل الأمر مقتصرا على نقاش نخبوي معزول، بل العمل على خلق جبهة عريضة لمحاربة توظيف المال في الاستحقاقات الانتخابية.

وأضاف بنعتيق: مشكلتنا أن الانتخابات تنتج نخبا بعيدة وبدون مشاريع في جزء كبير منها، إذا بقي المال ينتج المؤسسات التمثيلية فهذا خطر على الديمقراطية، الاتحاد عليه قيادة جبهة عريضة للتحسيس والوعي والنقاش وليس انتظار فترة الانتخابات، قبلها بأربع سنوات، لأن ذلك سيؤدي لإنتاج وسطاء قادرين على الدفاع على مشاريعهم، دون نسيان قوة اليسار في الطبقة الوسطى التي تعاني يوميا، علما أنها هي التي تضمن الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي ورفع القيود عن الديمقراطية المحلية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى