خبراء في “منتدى اصيلة” : إفريقيا مطالبة بإصلاحات جذرية لمواجهة الحركات الانفصالية

أومالي: ندين عمل الجزائر على إطالة أمد النزاع المفتعل حول الصحراء

طالب باحثون وخبراء القادة الأفارقة بضرورة تحقيق تنمية شاملة في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية مع نهج خارطة طريق تستند لإصلاحات جذرية بهدف مواجهة خطر الحركات الانفصالية ومحاصرة نفوذ الإرهاب.

عالم مهيمن

وعرف أليون سال ، المدير التنفيذي لمعهد أفارقة المستقبل، بالسنغال، الاثنين، في الجلسة الصباحية لندوة”الحركات الانفصالية والمنظمات الإقليمية في إفريقيا”، في إطار فعاليات الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال43، الانفصالية بكونها فضاء متفرقا غير موحد بعيد عن الامتداد والاستمرارية في الزمن بهويات خاصة يمكن تمييزها، في علاقة بالنطاق السياسي المتعلق بالحكامة والسيادة على منطقة معينة.

وتساءل سال عن الخلفيات والأسباب العميقة للحركات الانفصالية وكيفية مواجهتها، معتبرا أن الأمر يرتبط أساسا بعنصرين اثنين هما الاضطراب الدولي والوضع غير المستقر في إفريقيا.

وزاد سال مبينا:”النظام عالمي يرتكز على سيادة أوروبا لتلتحق أميركا بركبها لاحقا، مما نجم عنه حروب وصفت بكونها عقابية لإفريقيا، مرورا بإنشاء هيئة الأمم المتحدة وإسرائيل، فالحرب الباردة التي مكنت من إنشاء عالم ثنائي القطبية، ليس فقط على النطاق العسكري بل أيضا الإيديولوجي، وفي مرحلة ثالثة عالم تهيمن عليه أميركا، كقوة اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية، امتدت لعشرات السنين، بظهور قوى أخرى تتمظهر في الصين التي تنافس القوة الأميركية في ميادين اقتصادية وعسكرية وثقافية، لإعادة تشكيل البناء الدبلوماسي في حلة جديدة”.

وأضاف سال:”نحن نتحدث عن عالم متناقض، بحدوث فرق بين القوة والهيمنة، وميلاد أنظمة إفريقية غير ناضجة في قارة عانت من الهيمنة قبل أن يتغير الوضع تدريجيا لتظهر كقوة قادرة على شجب الحركات الانفصالية، بعدما مرت من مرحلة فوضى لمقاربة استراتيجيات الاستقرار الذي لم يكن مهيكلا بالشكل الكافي، نحن في مرحلة لإعادة الهيكلة، في إطار حضارة إنسانية متصالحة، لكن في سياق مستقبل غير محدد”.

وحول أسباب انتشار الحركات الانفصالية في إفريقيا، عزا سال الأمر إلى العولمة التي جعلت من الاقتصاد هدفا جيو – سياسيا، لتعيد هيكلة خريطة العالم بالتأسيس لهويات جديدة، في ظل قارة تضم عددا كبيرا من الدول الهشة، إلى جانب إقرار عدم المساواة التي ميزت دول العالم الثالث، بتسجيل نسب فقر متزايدة، وهو ما يضعف الإطار الاجتماعي للشعوب.

ونبه سال من التهديد الجاد للحركات الانفصالية التي تمثل أنشطة مدرة للدخل لمقاولي الحروب من إرهابيين يتملكون ثروات هائلة عن طريق استغلال ثروات القارة الإفريقية، بذريعة القيادة النزيهة، من خلال تبرير أعمالهم بالحق في الشرعية وإقرار الحقوق الفردية والحرية.

وبشأن وسائل مواجهة الانفصال، أشار سال إلى ضرورة استحضار الوعي الجماعي والتفكير بطريقة صحيحة وفهم أسس التطورات الجيو -سياسية وهو ليس بالعمل الهين، مع اقتراح أساليب حوارية توافقية وحضور الجانب الأمني والعسكري لإقرار الأمن واستمرار الإنسانية.

انشقاق هوياتي

من جانبه، استعرض إيبوليت إريك دجون غيب، الباحث الكاميروني المختص في قضايا الأمن والسلم ، تجربة بلاده مع الحركات الانفصالية بسبب تقسيمها من طرف الاستعمار لقسمين أحدهما تحت الهيمنة الفرنسية والآخر تابع لبريطانيا، وهو ما استمر رغم حصولها على الاستقلال، لتجد نفسها في حالة انشقاق وضياع هوياتي، هم أساسا منظومة التعليم التي ظلت متأرجحة بين اعتماد اللغتين الإنجليزية في الشمال والجنوب الغربي للبلاد والفرنسية في باقي المناطق، بوجود أوضاع اجتماعية هشة لمواطنيها، ازدادت تأزما بالحرب الأهلية الكاميرونية التي شهدتها البلاد سنة 2017 والتي خلفت آلاف القتلى.

وسجل دجون غيب رفض الدولة الحوار مع انفصاليي المناطق الناطقة بالإنجليزية باعتبارهم إرهابيين، لكنهم في المقابل يعطون الحق لأنفسهم في الحصول على الاستقلال بدعم من جهات خارجية.

بدوره، اعتبر عبد الله ولد محمدي، الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في الشؤون الإفريقية،أن تأسيس دولة ليس بالأمر السهل لأنه أكثر من مجرد إلقاء خطاب أو كتابة بيان وتوزيع قطع سلاح على حفنة من المقاتلين المتحمسين لأن ذلك يمكن وصفه بأنه تأسيس لحركة انفصالية وليس دولة، علما أن الدولة هي فكرة قائمة على الجمع ومناقضة للفصل والتفريق، والتباين بين الفكريتين واضح في النتائج المترتبة على أغلب الحركات الانفصالية في إفريقيا، فالمشاريع التي قادتها كانت دوما فاشلة، كما حدث بجنوب السودان.

وأضاف ولد محمدي، في كلمة ألقها نيابة عنه، الكاتب الموريتاني عبد الله ولد باه،:”لما قرر الأوروبيون منح استقلال شكلي لدول تحمل تناقضات وأسئلة حول الهوية والشرعية كما أن أغلبها كان يفتقد للشرعية التاريخية، حينها بدأت تبرز حركات انفصالية تقتات على التناقضات، وكان فشل الدولة الوطنية أكبر محفز لفكرة الانفصال”.

وذكر ولد محمدي أن الحركات لانفصالية في أغلب غرب إفريقيا تتشابه في كثير من التفاصيل، مركزا على مصيرها المتشابه وهو مصير يلامس مستقبل المنطقة ويعد أكبر تحد جيواستراتيجي يواجه إفريقيا والمغرب العربي، لتتحول لبؤر تسيطر عليها شبكات تهريب السلاح والبشر والجماعات الإسلامية المسلحة والمتطرفة كتنظيمي القاعدة وداعش.

وأشار الكاتب الصحفي الموريتاني إلى دول في غرب إفريقيا من بينها غينيا بيساو وليبيريا وكوت ديفوار عرفت تحول حركات من مشروع سياسي انفصالي إلى حلقة ضمن شبكات إجرام عالمية يمتد نشاطها لتشكل خطرا حقيقيا على الأمن القومي، معتبرا أن الحركات الانفصالية كانت مطية الفساد الأولى، في إشارة إلى جبهةًالبوليساريو، التي تقوم بتربية الوهم وممارسة أنشطة إجرامية لا تختلف عن مثيلاتها في غينيا مثلا، من خلال انخراطها في شبكة إجرام دولية واسعة، وتوطد العلاقة بينها وبين الجماعات الإرهابية في الساحل الإفريقي، ليتقلد عدد مقاتليها مناصب قيادية في القاعدة قبل سيطرتها على مالي في 2012.

وقال ولد محمدي إن خطر الانفصال لا يزال موجودا في غرب إفريقيا وسيبقى الخطر ماثلا، ليكون أفضل طريقة للقضاء عليه هو التنمية، مضيفا:”اعتقد أن المغرب فهم ذلك حينما رفع شعار التنمية في الصحراء لمواجهة ديماغوجية الانفصال”.

إضعاف الدول

من جانبه، انتقد جون كلود فليكس تشيكايا، الباحث الكونغولي في معهد الأمن والمستقبل بأوروبا، تصريحا لجوزيف بوريل، ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي حول التخوف الأوروبي من إفريقيا باعتبارها”غابة”، لافتا إلى أنه يترجم ظاهرة الهيمنة والرغبة في القيادة، وهو ما ترفضه إفريقيا التي تسعى لتولي قيادة نفسها.

وسجل تشيكايا أسفه من العدد المهول للانقلابات الحاصلة في دول إفريقية، بوجود مشاكل في التنمية والاقتصاد وأيضا على مستوى تنظيم الدولة مما يعكس مشاكل على صعيد القيادة، محذرا من إذكاء التطرف وإضعاف الدولة ومصادرة الحق في التدين وتضمينه في قالب سياسي وهو ما تهدف له الجماعات المتطرفة.

وطالب تشيكايا باعتماد خيارات سياسية وتحريك النقاشات للمساهمة في إعادة بناء الدول التي تعاني من ارتباك وضعف على مستوى القيادة، في مواجهة التطرف الذي يهدف إلى تجزيء الدولة أو المنطقة، والبحث عن الزعامة السياسية والثقافية والعقلية لاتخاذ قرارات أحادية مرتبطة بالتحديات الراهنة.

من جهته، قال أدويي ماثيو أومالي، رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في إحدى الجامعة النيجيرية، إن الحركات الانفصالية ليست الحل الأوحد لحل المشاكل التي تتخبط فيها القارة الإفريقية، خاصة أن العالم يذهب باتجاه الإدماج والتوحد والعمل المشترك وليس التفرقة، بوجود مجتمعات إفريقية ترغب في خلق هويتها الخاصة، وليس تقسيمها لأجزاء متناحرة ومتباعدة.

وشجب أومالي التمييز الذي تخص به أوروبا القارة الإفريقية، والنظرة الدونية لها، مطالبا بضرورة استنهاض الهمم ونسيان الاحتلال الذي ولى عهده، والعمل على تملك القرار بعيدا عن أي تحكم خارجي.

واعتبر أومالي أن مشاكل الانفصال في نيجيريا كانت بسبب استغلال الثروات الطبيعية وأبرزها النفط، ليتم تداركه بنهج برامج تنموية لفائدة المواطنين مع إطلاق مصالحات وطنية.

وأدان أومالي دور الجزائر في استمرار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية وإطالة أمده، عوض المشاركة في الموائد المستديرة حول الملف والمساهمة في تنمية القارة في سياق اتحاد إفريقي قوي ومنسجم.

وثمن أومالي التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن أنبوب الغاز بين كل من المغرب وموريتانيا ونيجيريا مما سيمثل منفعة ليس فقط بالنسبة لإفريقيا بل لعدد من الدول حول العالم.

وطالب الخبير النيجيري بضرورة إطلاق نقاشات ومفاوضات وحوارات لمقاربة مشكل الجماعات الانفصالية وتحقيق تقدم ملموس في القارة.

التأطير والحوار

بدوره، سجل فيكتور بورغيس، الوزير السابق للشؤون الخارجية والتعاون بالرأس الأخضر، وجوب تقبل التنوع، موضحا أن المشكل لا يكمن فيه بل طريقة التعامل معه ومع تمظهراته داخل القارة.

وانتقد بورغيس، في الجلسة المسائية للندوة، دعوات عدد من القادة الأفارقة بشأن الاقتداء بنمط الدول المتقدمة والأوروبية وهوما يمثل قصا ولصقا غير ناجع، مشيرا إلى أن إفريقيا مطالبة بالعودة إلى ما كانت عليه في الفترة ما بعد الاستعمار مع تبني طريق سلس قابل للحياة.

وأفاد بورغيس بضرورة فهم ودراسة موضوع الحركات الانفصالية وإيجاد حلول مناسبة لمواجهتها، وهي التي تحاول دوما تقديم ذرائع توافق خط سيرها لتبرير ما تقوم به، مع إدماج المنظمات الإقليمية لمساعدة الدول المعنية بنهج مقاربات شمولية تربط الواقع بالنطاق الرسمي للدولة، في سياق التزام ثابت وخبرة وحوار بناء مع الابتعاد عن الحساسيات الوطنية.

واعتبر بورغيس أن القيادة السليمة والحكيمة لا تنتج عن طريق نتائج الانتخابات، بل من خلال تحقيق التنمية في أبعادها الشمولية، داعيا إلى التفكير بشكل جاد في تأطير الفاعلين الحزبيين مع خلق فضاء للحوار بين أحزاب المعارضة.

ولفت ياسين عبد الرحمن ، الباحث الليبي في الشؤون الإفريقية والقضايا الاستراتيجية ، إلى تغيير الحرب العالمية الثانية لشكل العالم، والسير في منظومة دولية عبر خلق التوازنات بين دول الحلفاء والمحور بظهور الاشتراكية كمفهوم سياسي توسعي ينتشر بشكل سريع خاصة في إفريقيا وظهور حلف الناتو مما كان له انعكاسات على الدول الإفريقية.

وقال عبد الرحمن:”المرحلة المقبلة تتسم بعدم الاستقرار، مما يظهر جليا في تفاعلات البنين وكوت ديفوار وغينيا وشرق إفريقيا، شخصيا، لست متفائلا وسيكون هناك توظيف حقيقي للحركات الانفصالية على كل المستويات والزج بها في حروب وصراعات، نتمنى أن تلعب التجمعات الإقليمية دورها وتقوم بدور إيجابي لمواجهة الأوضاع القائمة”.

تمرد وإرهاب

من جانبها، أفادت راكي تالا ديارا، نائبة رئيس المجلس الوطني الانتقالي في مالي، ووزيرة التشغيل والوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة سابقا، بوجوب التعاون جنوب- جنوب على المستوى الأمني، مما يمكن من تحدي المشاكل المشتركة التي تعاني منها مختلف دول القارة الإفريقية.

وأضافت ديارا أن المشاكل المسجلة تهم ليس فقط الانفصال بل أيضا التمرد والثورة والإرهاب.

وزادت مبينة:”بدت ملامح الانفصال واضحة للعيان في سنوات ما بعد الاستقلال، بالنظر للتمييز الاجتماعي، مستدلة على الوضع في مالي، حيث كان الفرنسيون يعتبرون أن أصحاب البشرة البيضاء في مالي لا يمكن إدارتهم من طرف أصحاب البشرة السوداء، مما أدى لتقسيم طبقي، وبالتالي إقرار مفهوم التعالي لدى طبقة عن أخرى.

واعتبرت ديارا أن مفهوم الديمقراطية في إفريقيا لم يكن معروفا بالقدر الكافي قبلا، ليترسخ لاحقا بناء على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المقرر من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتواتر إقرار مختلف الحريات الفردية وحرية الصحافة وحرية الإضراب والحريات النقابية وكلها مفاهيم مرافقة لتيمة الديمقراطية، وهو ما جعل المواطن الإفريقي تواقا للتقدم ومتطلبا من خلال مشاركته الفعالة في البرامج التنموية التي تقرها مختلف البلدان.

ودعت ديارا الدول الإفريقية للقيام بمجهودات مضاعفة من أجل الارتقاء بأسس البحث الزراعي والعلمي والأكاديمي لأن كل الثورات التي استيقظت لاحقا كانت بسبب غياب التقدم والتنمية.

ونوه ابراهيم غربة بيماكا، المدير العام للمركز الوطني للتعاون ومواجهة المخاطر الأمنية بالنيجر، بتجربة بلاده في مجال التصدي للتهديدات الانفصالية باعتماد خطة وطنية وسياسة شمولية للمصالحة، وهي التي كانت تضم عددا من حركات التمرد ذات طابع إثني إقليمي، يمثلها الطوارق في الشمال، وأخرى في الحدود مع ليبيا.

وأشار بيماكا إلى تدبير النيجر لكل هاته التمردات عبر مفاوضات مباشرة وتدابير عملية تشمل التنمية الاقتصادية وتدبير المناطق التي شملها التمرد، وبالتالي تم انخراط كل المحاربين في تلك الحركات في الإدارة والمؤسسات ليكون دورها هو إقرار الأمن، ليصبح عدد منهم عمداء وآخرون فاعلون سياسيون على المستوى الوطني.

من جهته ، خلص علي باحيجوب، مدير المركز الأورو -متوسطي والدراسات الإفريقية، إلى أن سبب انتشار الحركات الانفصالية وعدم الاستقرار على مستوى الساحل مرده لكونه أكبر من أوروبا، وبالتالي فهو غير متحكم به بسبب العمليات غير الشرعية التي تمر منه، من ضمنها المخدرات والاتجار بالبشر والأسلحة.

وندد باحيجوب بدعم الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية عوض المساهمة في تقدم اتحاد المغرب العربي الذي لم يعد يعمل إطلاقا منذ أمد، مشيرا في المقابل إلى عمل المغرب على دعم مصلحة القارة الإفريقية من دون مزايدات سياسية ضيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى