دعوات في”أصيلة” لتسريع وتيرة الانتقال الطاقي والبحث عن طاقات نظيفة بديلة

معمر يشيد بجهود المغرب في مجال إنتاج الغاز والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في أفق2025

دعا خبراء وباحثون ومسؤولون مغاربة وأجانب، الأربعاء، إلى ضرورة تسريع وتيرة الانتقال الطاقي والبحث عن طاقات نظيفة بديلة في سياق الجهود الدولية المبذولة لمكافحة التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة، وذلك في الجلسة الثانية للندوة الرابعة حول موضوع:”تأثير الطاقة على التوازنات السياسية والاقتصادية الدولية”.

تحديات جيو سياسية

وأفاد محمد المختار محمد الحسن، وزير البترول والمعادن والطاقة بموريتانيا سابقا، ومدير التكامل والتنمية الاقتصادية في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي اسيا التابعة للامم المتحدة( الاسكوا ) ، بوجود إكراهات ونقاط ضعف ذات طابع سياسي يتسم بكثرة الحروب والأزمات في العالم بأسره وبصفة خاصة في المنطقة العربية.

وأضاف الحسن أن هناك إكراهات مالية في خضم أزمة مالية تضرب دول العالم، علما أن المنطقة العربية ليست بمنأى عنها، مشيرا إلى تسجيل إكراهات اقتصادية منها ما يتعلق بالتغير المناخي وأزمات العالم من قبيل كورونا وغيرها، إلى جانب ظهور الأزمات الاجتماعية بما فيها قضايا المساواة وإشكاليات عميقة أخرى تتطلب معالجة مناسبة لتجاوزها.

من جانبه، ذكر فرانسيس بيرين، مسؤول في مركز السياسات من اجل الجنوب الجديد بالرباط،أن الطاقة تفرض بدورها تحديات تكنولوجية وجيوسياسية واقتصادية وبيئية ومناخية واجتماعية.

واستعرض بيرين 6 عوامل ضغط أساسية فيما يخص التحديات الجيو – سياسية، منها الحرب الأوكرانية- الروسية وما لها من انعكاسات طاقية على الغاز الطبيعي والبترول والكهرباء والطاقة النووية، مشيرا إلى الضربات الروسية على مراكز توليد الكهرباء في أوكرانيا.

وزاد مبينا:”العامل الثاني يهم قضية إيران باعتبارها قوة غازية وبترولية في الشرق الأوسط، والتوترات التي شملت مراكز نفطية في السعودية عقب انسحاب أميركا سنة 2018 من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة العمل بالعقوبات المفروضة على طهران، ثم استئناف مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا، فالتحالف الإيراني -الصيني- الروسي في مواجهة أميركا، على خلفية إجراء إيران لمفاوضات مباشرة في فيينا مع كل من الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا لإحياء الاتفاق النووي”.

واعتبر الخبير الفرنسي أن العامل الثالث يهم دولا من الشرق الأوسط المصدرة للغاز، وعلاقة بعضها باندلاع نزاعات وصراعات، من قبيل النزاعات البحرية بين تركيا واليونان بسبب اكتشاف الغاز، وإسرائيل وتركيا ومصر، لافتا إلى حدوث ثورتين إيجابيتين، تتمثلان في عودة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل وإسرائيل ولبنان.

وأضاف بيرين:”العامل الرابع يهم الأزمة الليبية التي لم تنته رغم جهود المغرب الدبلوماسية التي تلعب فيها المملكة دورا مهما”، معتبرا أن احتياطات النفط في ليبيا ليس سبب الحرب وإنما أحد مفاتحها.

ويشمل العامل الخامس، وفق بيرين دائما، قطع الجزائر سنة 2021 لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، لتقوم في نوفمبر من السنة ذاتها بإيقاف إمدادات الغاز عبر الخط المغاربي.

وسجل بيرين أن العامل السادس يشمل الطاقة الكهربائية التي لا يتم التحدث عنها كثيرا والتي لها تحديات هي الأخرى في القارة الإفريقية.

من جهة أخرى، استعرض بيرين مشكل سد النهضة الاثيوبي وما خلفه من قلق وتخوف لدى كل من مصر والسودان حول حصتهما من مياه النيل، إلى حد التلويح بالحرب بين مصر واثيوبيا، نظرا للأهمية القصوى التي تمثلها مياه النهر للقاهرة، معتبرا أن الطاقة يمكن أن تكون سببا للتوترات وبالتالي انعكاسات سلبية على المنطقة والعالم.

وحول مشروع الغاز المغربي النيجيري، أشار بيرين إلى وجود دعم سياسي دولي وآخر من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”سيدياو”، لمساهمته في تنمية الدول المعنية، فضلا عن تطوير القطاع الصناعي والتأثير إيجابا على المجال الفلاحي وحل مشكل الأمن الغذائي.

وركز بيرين على ضرورة تسريع إنتاج الغاز بوتيرة مقبولة دون تأجيل في ظل بحث القادة الأوروبيين والاتحاد الأوروبي عن بدائل للغاز الروسي، لكن الأمر يصطدم بالتوقيت والظرفية الزمنية، التي تتطلب دراسات في الموضوع، علما أن ضغط الحرب الروسية- الأوكرانية يفرض إيجاد حلول بديلة على المدى القصير والفوري، وهي نقطة يجب الاشتغال عليها.

وأشار بيرين إلى إمكانية لعب روسيا لدور الوساطة في إطار التقارب بين المغرب والجزائر، لعلاقتها الجيدة مع الجانبين، وهي نقطة تبدو ممكنة التطبيق نظريا، لكنها ليست بالسهلة على المستوى العملي، لأن الأمر لا يعتبر من أولويات روسيا خلال الفترة الراهنة، علما أنها منشغلة بحربها على أوكرانيا.

وأوضح بيرين أن الأزمة مع الجزائر دفعت المغرب لتعزيز اكتشافاته من الغاز عن طريق تسريع الاستثمارات للتنقيب عليه في عدد من المناطق حول المملكة، لافتا إلى دور جائحة كورونا التي دفعت بدورها كثيرا من الدول للبحث عن بدائل طاقية، في سياق انخفاض الاستهلاك على مستوى الغاز والبترول إبان حالة الطوارئ الصحية.

وأشاد بيرين بمشروع الغاز بين السنغال موريتانيا على الحدود البحرية بين الدولتين، مما سيجعل من نواكشوط الثالثة إفريقيا على مستوى إنتاج الغاز، مثمنا في السياق ذاته مشاركة الجانبين لمواردهما الطبيعية مستقبلا، في إطار ذكاء متوافق بشأنه من أجل تسريع المشروع، وهو ما سيؤهلهما معا لإنتاج وتوريد الغاز بدءا من سنة 2023.

وأشار بيرين أيضا إلى التقارب التركي -الإسرائيلي حول ملف تصدير الغاز، وهو ما يؤكد عزم تركيا على استعادة نفوذها في شرق المتوسط، معتبرا أن مقاطعة مصر ودول خليجية لقطر في سياق أزمة سابقة لم يكن ليؤثر على التعاون القطري- الإماراتي حول الغاز، الذي يمكن أن يكون فاعلا في العلاقات وتنمية العلاقات الاقتصادية والدولية.

التوازن الطاقي

بدوره، تساءل دلي أشيرو، أستاذ محاضر في العلوم السياسية بنيجيريا، حول تأثير الكثافة السكانية على قدرة الدول على تحقيق التنمية المستدامة، معتبرا أن ارتفاعها يزيد من صعوبة وتكلفة الاعتماد على مصادر الطاقة بتكلفة منخفضة.

وشدد أشيرو على أهمية تحقيق توازن طاقي لكونه من أولويات القارة الإفريقية في سياق أزمة الطاقة العالمية، وهو ما يستوجب مواكبته أيضا بالعمل على إرساء استقرار سياسي واقتصادي، يعود بالمنفعة على الرأسمال البشري والمصلحة العليا لدول القارة، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر بالنسبة لها هو توظيف مواردها بالشكل الأمثل في غياب تكنولوجيا فاعلة لمواكبة تدبير النفط مثلا في نيجيريا، مع البحث عن طاقات نظيفة بديلة، وإعادة هيكلة السياسات العمومية القائمة بتصبح أكثر نجاعة وقابلية للتطبيق بشكل سلس ومرن.

واعتبر أشيرو أن استغلال وتوزيع الطاقة يفرض أيضا الاهتمام بالبنيات التحتية كتحدي يستوجب تطويره، فضلا عن التركيز على مشاكل الأمن في سياق مجتمعات تعاني من عدم المساواة وغياب الاستقرار ومشاكل مرتبطة بالأمن الغذائي وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية.

وطالب أشيرو الدول الإفريقية ببناء شراكة وثيقة فيما بينها مع إرساء أسس التعاون جنوب- جنوب في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك بالإضافة إلى تطوير التعليم وجعله في صلب قضايا التنمية.

حكامة جيدة

من جهته، ذكر يونس معمر، المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء سابقا، والشريك المؤسس لإحدى الشركات الاستشارية والاستثمارية في مجال الطاقة بإفريقيا، أن التقدم حاليا يظل مرتبطا بالحكامة الجيدة وتوفير أسس الطاقة، كعنصر أساسي لتحقيق التطور والازدهار.

وأضاف معمر:” عدد من الدول أدركت أهمية خلق بدائل طاقية جديدة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وبداية العهد الصناعي، وهو ما ركزت عليه دول الاتحاد الأوروبي، ليعوض الفحم بالبترول والغاز اللذان سيأخذان مكانة أكبر في المسألة الطاقية الدولية”.

وأوضح معمر أنه إذا حلت مشكلة روسيا غدا مثلا فالأمر لا يعني أن مساهمتها في الطاقة ستعود لسابق عهدها، خاصة أن أوروبا أدركت ضرورة البحث عن بدائل أخرى وتنويع موردي الغاز تخوفا من الوقوع في أزمات مماثلة في سياق نظام دولي متقلب ومتغير، لافتا إلى دور إفريقيا وما يمكن أن توفره على مستوى الطاقات المتجددة، في إشارة إلى مشروع أنبوب الغاز المغربي- النيجيري وما يوفره من فرص تنموية هائلة وعائدات جيدة للقارة.

وشدد معمر على ضرورة العمل على تسريعه بتوظيف التكنولوجيات الحديثة التي تسمح بربح الوقت من حيث الإنتاج والاستهلاك، والاحتكام لعامل القرب لكل من أوروبا وإفريقيا مما يشكل عاملا مساعدا على تطوير المشروع ونجاعته.

وزاد مبينا:”المشروع سيسمح بتوفير الطاقة وضمان تقدم اقتصاد كل دولة على حدة، وهو شي مهم، فضلا عن منطق رابح- رابح باستفادة من مردود إضافي، هي إذن فرصة تاريخية لتوظيف الموارد الطاقية لإفريقيا والمساهمة في بلورة حلول لتحديات مشاكل الطاقة على المستوى الأوروبي، خاصة أن دولها تعاني من عدم الاستقرار في غياب شريك لا يمكن الاعتماد عليه مرة أخرى وهو روسيا”.

ونوه معمر بجهود المملكة المغربية في مجال إنتاج الغاز، حيث تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في أفق سنة 2025، وفق رؤية حكومية، تركز على الاستقلال الطاقي على مستوى الغاز وبالتالي امتلاك القدرة مستقبلا على توريده باتجاه السوق الأوروبية.

وقال معمر:”دولنا تخلف موعدها مع التاريخ، فمن المؤسف أنها مستمرة في استيراد المواد الأولية من أوروبا في الوقت الذي يمكنها تأمينها في ظل الغنى الطبيعي الذي تمتلكه وتوفرها على موارد هائلة، يكفي فقط أن تتخلى عن تأخيرها وتسرع من وتيرة عملها وتذهب بالسرعة القصوى في تجاه إنتاج الطاقات والانتقال الطاقي، لأن الأمر سيتطلب وقتا أطول”.

النظام البيئي

من جهته، تناول محمد زيدوح، عضو مجلس المستشارين وعضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال، الأزمة المناخية وتجلياتها العديدة في ارتفاع الحرارة وقلة التساقطات والجفاف والاحتباس الحراري، في سياق أزمات اجتماعية واقتصادية وفلاحية وغذائية، مما ينعكس على العمل لتطوير الطاقات المتجددة وإيجاد أخرى نظيفة وبديلة، متسائلا حول كيفية مواجهتها علما أنها تؤثر بشكل مباشر على النظام البيئي العالمي.

ودعا زيدوح إلى اعتماد رؤية ونظام تعليمي لتحقيق توازن طاقي، إلى جانب التقليص من الاستعمالات غير المفيدة لعدد من الأنظمة، والتفكير في الطاقات المتجددة، واستبدال الطاقات الملوثة بالنظيفة، اعتمادا على سياسية إيكولوجية حقيقية وأخرى فلاحية، مسجلا أن الأزمة المناخية تفرض تغيير نظام العيش واعتماد الطاقات النظيفة، وهو الدور الذي يسند للمؤسسات التعليمية التي ينبغي عليها تعليم الناشئة وتطويرهم من أجل احترام البيئة، خاصة أن الإضرار بها من خلال العمل على تلويث الهواء ينتج عنه تفشي عدد من الأمراض التنفسية والمتعلقة بالشعب الهوائية.

وقال زيدوح:”العالم يستهلك 80 في المائة من احتياجاته من مادتي البترول والغاز والفحم، وهنا لا بد أن أشير إلى دور المغرب الفعال تحت قيادة الملك محمد السادس من أجل جعل الطاقات البديلة رافعة للاقتصاد بهدف خلق فرص الشغل لفائدة الشباب، هي رؤية سياسية سديدة،بوجود القانون 13-09 المتعلق بالطاقات المتجددة حول إنتاج الكهرباء من مصدر متجدد، حيث يضع إطارا قانونيا لإنجاز واستغلال منشآت إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر طاقة متجددة، من طرف الأشخاص الذاتيين أو المعنويين، من القطاع العمومي أو الخاص”.

وطالب زيدوح الدول الإفريقية بنشر ثقافة”المدن الخضراء” التي تقلل من آثارها البيئية من خلال تقليل النفايات، وتوسيع إعادة التدوير، وخفض الانبعاثات، وزيادة كثافة المساكن مع توسيع المساحات المفتوحة، وتشجيع تطوير الأعمال التجارية المحلية المستدامة، معتبرا أن الأمر يستوجب الجدية لضمان المصلحة البيئية قبل الاقتصادية، مع وجود إرادة دولية لمكافحة ظاهرة التغيرات المناخية بانعكاساتها السلبية.

اهمية افريقيا في التحول الطاقي

وشدد بيير ريار، مدير مجموعة chariot transition energy بالمغرب، على أهمية مكانة إفريقيا في التحول الطاقي، والذي يعتبر الغاز عموده الفقري، مشيرا إلى الموارد المهمة التي تمتلكها كل من موريتانيا والسنغال والتي يجري توظيفها بالشكل الصحيح، في مقابل إهدارها في نيجيريا على سبيل المثال، وهو ما يشكل أمرا دراميا، يحرم 600 مليون إفريقي من قابلية الولوج لمواد أولية أساسية، من ضمنها الطاقة الكهربائية.

وأفاد ريار بتخصيص أوروبا ل 600 مليون دولار من أجل الاستثمار في الطاقات المتجددة في القارة الإفريقية من أجل توظيفها محليا وأيضا للتصدير، لافتا إلى أهمية المساهمة في الانتقال الطاقي للقارة بالاستثمار في الطاقات المتجددة، وأيضا الهيدروجين الأخضر في موريتانيا على وجه الخصوص، كمشاريع على المدى الطويل.

وأشاد ريار برؤية المغرب في تنويع مصادر التموين الخاصة بالغاز الطبيعي خلال السنوات المقبلة، قصد تطوير عرضه، عبر استئناف عملية استغلال خط الأنبوب المغرب العربي – أوروبا”، حيث يتوقع ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في البلاد إلى 1.1 مليار متر مكعب بحلول عام 2025.

وأشار ريار إلى وجود تحديات اقتصادية وبيئية تفرض إطلاق دراسات تجيب على المعايير الدولية والأنظمة المغربية، لتصبح الصناعة المغربية والإفريقية عموما أكثر تنافسية مقارنة مع أوروبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى