سياسيون ودبلوماسيون يرصدون في أصيلة دور حرب أوكرانيا في بناء نظام عالمي جديد

وزير العدل المغربي: دول العالم الثالث أكبر ضحاياها

تناول خبراء ومفكرون وسياسيون مغاربة وأجانب تحولات النظام العالمي الجديد بعد الحرب الروسية- الأوكرانية الحالية،  وانعاكاساتها على تحديات الصراع المسلح في أوروبا وفكرة القطبية المتعددة، في سياق الحرب الأميركية- الصينية الغير معلنة حول أحقية الهيمنة العالمية، مقابل موقف عربي يتميز بنضج الوعي والحفاظ على مصالحه مع القوى الغربية، وذلك في ندوة بعنوان”أي نظام عالمي بعد حرب أوكرانيا؟”، جرى تنظيمها مساء الخميس، على هامش موسم أصيلة الثقافي الدولي ال43.

مواقف من الحرب

وأشار محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إلى ملامح القطبية الجديدة الذي ظهرت للوجود إثر حربِ أوكرانيا، بين الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) وذراعه العسكري (حلف الناتو) من جهة، وروسيا وحلفائها، والأطراف الدولية الداعمة لها من جهة أخرى. وهو الاستقطاب الذي أفضى إلى تَشَكُّلِ نزوعٍ ظاهر إلى عدم الانحياز في المواقف إزاء الحرب الأوكرانية لدى العديد من دول الجنوب، وبصفة خاصة البلدان العربية والإفريقية، التي تراوحت مواقفها بين الحياد الحذر أو عدم التورط في إبداء موقف واضح من الوضع القائم.

وقال بن عيسى:”وبديهي أن ما بات نتعرَّفُ عليه هنا وهناك، من مستجدات في المواقف السياسية، لا ينْعَكِسُ بوضوح في خريطة التحالفات القادمة. فثمة في الظاهر محورين، لكن علاقةَ الأطراف بهما شديدة التعقيد، إذ لم  تعد هناك قاعدة ولا منطقٍ دائمٍ للتَّحالف ولا للقطيعة، بعد أن هيْمَنت محاذير عديدة جعلت المواقفَ تبدو ظرفية، والعلاقاتِ انتقائية في طبيعتها، ومبنية على مصالح الأقطار، بصرف النظر عن صلاتها السياسية التقليدية. وهو ما انعكس في قرارات أوبيك الأخيرة، مثلما تجلى في قرارات العديد من البلدان العربية والإفريقية، التي صارت تدرك أن بَلْوَرَة موقف من الحرب لا يقتضي الاصطفاف مع طرف ضد طرف، وإنما تغليب منطق الحوار مع الطرفيْن بما يضمن عدم التورط في تعميق الأزمة وتحصين المكاسب الوطنية”.

محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة

وأضاف بن عيسى:”إنها المستجدات التي أنذرت ببداية تَحَوُّلٍ في النظام العالمي الموروث منذ الحرب العالمية الثانية، مع تبلور شكل مستحدث من الصراع السياسي، مستند إلى مرجعية فكرية، عبر السجال المتنامي تدريجيا حول النموذج الليبرالي الغربي.  ومن ثمَّ عودة التكتلات العسكرية والأمنية والسياسية المناصرة أو المعارضة له”.

النظام الجديد للهيمنة

من جانبه، ذكر عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أن الأزمة اليوم هي حلقة جديدة من مسلسل الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، و “يقظة متأخرة” من روسيا على انضمام عشرة دول سابقة في الاتحاد السوفياتي لحلف الناتو، وهو ما ظل يعتبره بوتين استهدافا مباشرا لروسيا و “سعي النظام الجديد للهيمنة” الذي يعاكس سياسته المبنية على استرجاع “القوة والمكانة” لروسيا. متسائلا:”فهل حقا هو صراع عسكري جديد بين روسيا وأمريكا حول الهيمنة العسكرية والاقتصادية داخل النظام العالمي الجديد؟ أم هو الصراع الجديد القديم على القيم؟ وصراع المنظومات الإيديولوجية القديمة الجديدة: شيوعية /رأسمالية، ليبرالية /اشتراكية؟ما هي تداعيات الحرب الاقتصادية وتأثيرها على الأزمة الغذائية وارتفاع الأسعار والتباطؤ الاقتصادي في المنطقة الأوروبية؟ وما هي الآثار الاقتصادية لهذه الحرب على القارة الإفريقية على المستوى الاقتصادي الغذائي والصحي؟”.

ولمقاربة هذا الصراع من زاويته الإيديولوجية، سجل وهبي أن العديد من المدارس الفكرية أكدت محورية الصراع الإيديولوجي في هذه الحرب أكثر من صراع الهيمنة العسكرية والاقتصادية، واعتبرت أن هذه الحرب والأزمة العالمية حلقة جديدة على مستوى الصراع الإيديولوجي، ومحاولة لهيمنة جديدة من الليبراليين بعدما كادت أن تنهار هذه المنظومة بسبب الأزمات الاقتصادية الجديدة وبسبب تداعيات أزمة كوفيد 19. بل اعتبر بعض الكتاب الكبار أن الحرب الروسية الأوكرانية،(منحت الحياة من جديد لليبرالية الغربية، وأجبرت قواها على ترتيب نفسها مُجددا، بل منحتهم فرصة تاريخية لإعادة بناء نظام عالمي بدا أنه في طريقه نحو التفتُّت والانهيار).

وشدد وزير العدل على أن الصراع الأيديولوجي القديم الجديد، تجدد قبيل الغزو العسكري حتى أن البعض يجزم بأن روسيا شرعت قبيل الحرب في الانتقام من النظام اللبرالي القائم، فجردت رأسماليين روسيين من يخوت وتتبعت ثرواتهم بالخارج بادعاءات محاربة الفساد، عكس قادة الغرب الليبراليين الذين يشهرون ورقة الحرية ويعتبرون أن الليبرالية نظام وسطي معتدل؛ ليعيد التاريخ نفسه، إذ ظل الليبراليون دائما ينعتون ما سواهم من أركان المشهد السياسي على أنهم النقيض لوسطيتهم.

جانب من الحضور في الندوة

خسائر العالم الثالث

وأشار وهبي إلى خسائر دول العالم الثالث الاقتصادية أمام هذه الحرب المعلنة بالوسائل العسكرية والسرية بالوسائل السياسية، والتي تشمل ارتفاع أسعار النفط وأزمة غذاء وشيكة وخطر حدوث تباطؤ اقتصادي في المنطقة الأوروبية.

وسجل المسؤول الحكومي وجود سبب قوي للخوف من أن الحرب في أوكرانيا، ستؤدي إلى تباطؤ الاقتصادات الأوروبية، الأمر الذي سيخلخل التوازنات الاقتصادية في العالم ومنها المغرب، حيث النتيجة المباشرة هي انخفاض الطلب داخل أوروبا على المنتجات الأجنبية، بما في ذلك المنتجات المغربية، بالإضافة إلى أزمة التصدير من داخل أوربا في اتجاه الخارج.

وتساءل وهبي:”ما هو موقعنا من هذا النظام الجديد السائر في التشكل، هل سيكون لنا كعالم ثالث دور؟أم أن التاريخ يعيد نفسه، إذ لم يكن لنا دور حقيقي وفاعل منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يُمنح لنا تاريخيا أي موقع نرغب فيه داخل ذلك النظام؟ فدول العالم الثالث ومنها المغرب ستكون لا محالة أكبر ضحية لهذه الحرب، لاسيما الدول الإفريقية”، لافتا إلى تأثيرها على المستويات الطاقية والصحية والغذائية وأيضا التضخم.

وقال وهبي متسائلا:” أين الصين من كل هذه التغيرات التي يعيشها النظام العالمي الجديد؟ ولماذا ركنت إلى تعزيز موقعها الجيواستراتيجي والتمدد الصامت اقتصاديا وسياسيا؟ وماذا عن دورها المستقبلي لحسم الصراع في اتجاه أي طرف تسنده الصين؟ أو بعبارة أخرى هل “الواقعية” ستدفع الصين للتحالف مع واشنطن عسكريا وقيادة مشتركة للنظام العالمي الجديد اقتصاديا؟ أم العكس؟ مما سيرفع من حدة التدخل العسكري وانفلاته لمناطق عالمية مختلفة؟”.

واعتبر وزير العدل أن العالم يدخل مرحلة جديدة بعيدة عن شعارات رفض الهيمنة واحترام الشرعية، أو حتى تحرير الإنسان، بسبب حرب متعددة الأطراف ومتشعبة الأبعاد، ومجهولة المصير والنتائج.

مرحلة انتقالية

بدوره، أفاد مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني الأسبق، بتداعيات الحرب على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط على اقتصاديات المنطقة والعالم بشكل شمولي، علما أن  ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى نتائج تتجاوز البعد الاقتصادي في المنطقة.

وأشار المعشر إلى أن كل الدول العربية كانت تعاني في السابق من مشاكل البطالة والأمن الغذائي والطاقة وكانت قادرة على مواجهتها، لكن الأوضاع تغيرت حاليا، بظهور مستجدات طارئة، خاصة بعد تفشي وباء كوفيد 19، ليصبح التهافت أكثر على الأموال ومواجهة التحديات بشكل فردي، مسجلا أن الدول الخليجية المصدرة للنفط ستلمس الأزمة بشكل أكبر من غيرها، علما أنها تعتمد عليه بشكل كبير، في غياب تنويع مصادر الثروات.

مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني السابق

وقال المعشر:”نحن في مرحلة انتقالية لا ثابتة، هناك أمور عديدة طرأت على عالمنا، ما يجري حاليا هو تشكيل جديد للعالم في ظل التغير المناخي والتكنولوجيا الحديثة وصعود الصين كدولة كبيرة وكلها أمور تلقي بنفسها على الساحة”.

وأضاف المعشر متسائلا:”أين أوروبا وأميركا والعرب من كل ما يجري؟ وهل سنبقى مجرد متلقين لما يحدث أم أن لنا دورا لم يظهر بعد في تكوين مجريات عالم جديد؟ صحيح أننا كطرف عربي لسنا فاعلين بشكل رئيسي في مجريات الأحداث الراهنة، وهو ما سيطول مستقبلا بالنسبة لنا لوجود سياسات فاعلة”.

وأكد ناصيف حتي، وزير الخارجية والمغتربين السابق في لبنان، أن العالم يبدو في إطار بلورة نظام جديد بتغير ملامح الصراعات الجارية وتحول أنظمة التحالفات.

وقال حتي إن رئيس الوزراء الهندي أشار إلى ضرورة الانحياز في سياق دول معينة، تجنبا للوجود العنيف على الساحة والغير المحسوب العواقب، في سياق توجهات أخرى يجب الرجوع إليها حتى نتعامل بشكل سليم وصحي مع الأزمات المستقبلية المماثلة.

وسجل حتي ضرورة تطوير أنظمة تعتمد على الإنتاجية وليس المال فقط الآتي من النفط لوحده، مطالبا الأنظمة العربية بمنح المساواة للمرأة، كأداة ضمن أخرى تجعلهم قادرين على التعامل مع التحديات المطروحة، من قبيل كورونا والحرب الروسية وغيرها، فضلا عن  بناء دول حداثية تعددية ديمقراطية، معبرا عن تخوفه من تضاءل قدرة الدول العربية تدريجيا على المواجهة إن استمرت في التواري إلى حدود الخروج من دائرة التنمية الإنسانية كاملة.

تكتلات اقتصادية وسياسية

من جهته، أفاد خوصي ميغيل إنسلوثا، وزير الخارجية الأسبق في الشيلي والأمين العام لمنظمة الدول الأميركية سابقا، بإنشاء تكتلات اقتصادية وسياسية في أميركا اللاتينية شبيهة بالاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، مما يسمح بالتوصل لنتائج أفضل على مستوى القيادات لدراسة الأوضاع المشتركة وتأثيراتها على عدد من المجالات.

ونبه إنسلوثا إلى أن الفقر مازال حاضرا بقوة في عدد من الأقاليم، مما يشكل تهديدا للأفراد في سياق العالم المتقلب، قائلا:” نحن أيضا ضحايا التطرف العنيف والكراهية والتمييز العنصري واستعمال الأسلحة الحديثة منها والتقليدية، بحيث لم نستطع التخلص من الصراعات والحروب، مما يفرض علينا تعزيز التعاون عالميا لمواجهة التحديات المشتركة المتعلقة بقضايا البيئة وتغير المناخ”.

وقال إنسلوثا:”كلما ظهرت أزمة نقول إن الأمر يشمل فرصة قد تؤدي بنا لتحسين الأوضاع، غير أن الأمور ليست كذلك، فهناك أطراف فاعلة اقتصادية وسياسية تريد أن تهيمن وتفرض قراراتها مما يزيد الأوضاع تعقيدا، فقبل 30 عاما، كنا نتحدث عن تناقضات بين الاتحاد الأوروبي وأميركا وآسيا، أما الآن أصبح الصراع بين الصين وأميركا وهو من المستجدات التي ينبغي إثارتها والوعي بها”.

وسجل وزير الخارجية الأسبق في الشيلي أن أمريكا تقود الثورات غير أن الصين تحل محلها في الصراع بين القوى المركزية، بوجود كتلة تحاول السيطرة على الكتلة التي تمثل القوة العظمى التقليدية، وهو ما يلاحظ أيضا في المجال العسكري. متسائلا:”كيف السبيل لأن نعيش في عالم خال من هيمنة ونحن بحاجة لنظام عالمي جديد حتى تستطيع كل دولة أن ترفع صوتها”.

من جانبه، لفت أحمد عبد الرؤوف ونيس، وزير الخارجية التونسي الأسبق، إلى أن حرب أوكرانيا وضعت حدا مع الانتقال من الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي، تلك الفترة الانتقالية التي كانت مشوشة لأنها لم تنجح في إدراج جميع الدول الأوربية شرقا وغربا في منظومة واحدة لا أمنيا ولا اقتصاديا، لتتبقى بعض الدول المحايدة.

جانب من الحضور

وسجل ونيس عودة أوروبا لتقسيم جديد كان يتهدد هذه  الوضعية الانتقالية اللاثابتة واللا متأكدة من غاياتها، فالوضع الأوروبي ما بعد الحرب العالمي كان أشد ما يخشى اندلاع حرب بين المعسكرين، بحيث كان الاتفاق الاستراتيجي يتغلب على جميع التصرفات والمبادرات السياسية، حيث مبدأ المصالحة والحوار يفوق كل السياسات تجنبا لاندلاع حرب، مشيرا إلى التغلب على أزمة كوبا في أكتوبر 1962، بفضل الحوار والاتفاق الاستراتيجي ليقع سحب الصواريخ من جوار القطبين، أميركا في كوبا والاتحاد السوفياتي في تركيا وبريطانيا، وهكذا أصبحت مبادئ الاتفاق الاستراتيجي بين القطبين تعلو جميع السياسات.

تطور التسلح

وأفاد ونيس أن التطور النوعي للتسلح قضى على الاعتدال والتغلب بالوسائل السياسية عن جميع الحسابات في الساحة الأوروبية، مسجلا الجهل بالقدرات الاستراتيجية الحقيقية للدول، علما أنها لم توظف الأنواع الجديدة من السلاح، فنصيب قليل من الأسلحة من النوع المتطور وقع اختبارها في الساحة الأوكرانية.

واعتبر ونيس أن الحرب الحالية تشمل أيضا التشويش على شبكات الإعلام وتطوير الأجهزة الإلكترونية كنوع جديد من الهجوم المبطن، مشيرا إلى أن 30 دولة أوروبية في الناتو رفضت إقامة نظام أمني مشترك بينها شرقا وغربا وهو أمر غير مفهوم.

وتساءل ونيس:” هل يجوز أن نرفض الأمن الذاتي للدول الأوروبية وأن ندرك الأخطار التي قد يتصورونها بحكم توسع حلف الناتو وتحول الساحة الاستراتيجية من جانب واحد ودون سقف ولا نهاية؟”.

واعتبر وزير الخارجية التونسي الأسبق أن النظام بعد حرب اوكرانيا يحمل أخطارا في نشر سياسة القوى ويسعى لإعادة ميثاق الأمم المتحدة من جديد، وهي أبعاد تتم معاينتها في الساحة الأوروبية، داعيا الدول العربية إلى إقامة مفاوضات مع شركائها الرئيسيين في خضم هذه التحولات الخطيرة حول 3 مسائل، وهي  مستقبل الأورومتوسط ومصير قضية فلسطين والضمانات المتعلقة بنظام الحياد.

وأكد  جيم غاما، رئيس مجلس الجمهورية سابقا ووزير الخارجية الأسبق في البرتغال، عدم إمكانية التنبؤ بمصير الحرب الحالية التي تدخل مرحلتها الثانية بحلول فصل الشتاء المقبل.

وأشار غاما إلى الأساليب التكتيكية الموظفة في الحرب عن طريق استعمال المدفعية مقابل الصواريخ ومنظومات إطلاق الصواريخ الصغيرة وذات مسافة متوسطة أو استعمال المدفعية لاستهداف الثكنات والمستودعات العسكرية، والأهداف المدنية، وهو ما يؤسس  لمستقبل الصناعة.

واعتبر غاما أنه لا مجال لوساطة أو تدخل منظمات دولية لحل الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا، فكل طرف يريد فرض هيمنته والرؤية الاستراتيجية التي يتملكها.

وقال وزير الخارجية البرتغالي الاسبق:”بعد انتهاء الحروب القاسية، يمكن ربما أن تبدأ مرحلة جديدة، بالمسير قدما نحو العالم الجديد المؤسس لقوى جديدة ونظريات حديثة”.

“بلطجة جيو سياسية”

وحول تداعايت الحرب على أوروبا، قال عبد الكريم بنعتيق، باحث بمركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية في باريس ووزير منتدب سابق مكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج، :”أوروبا اكتشفت أنها تعيش نقصا كبيار في حال نشوب حرب داخلها على مستوى الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة والتي تزود المقاتلات جوا بالبنزين والناقلات والتنسيق رغم وجود الوكالة الأوروبية للأسلحة، والميزانية التي تخصصها للتسليح، فكل الدول تتجه فرادى للسوق الدولية، كما أن أوروبا لا تستطيع لوحدها إيجاد غطاء عسكري دفاعي، بوجود خلافات جوهرية بين المحاور الأوروبية، (ألمانيا وفرنسا) التي تؤمن أن أي استقرار يمر من خلال التفاهم الاستراتيجي مع روسيا، في حين ترى دول المعسكر الشرقي أن الصراع هو مع روسيا أساسا.

وأضاف بن عتيق:”موسكو عازمة منذ مدة على ضم أوكرانيا كامتداد طبيعي لأمنها الاستراتيجي، كما أن بوتين مقتنع أن تفكيك الاتحاد السوفياتي كان خطأ قاتلا، والصين متحفظة تريد صراعا ثنائيا مع واشنطن، وتعي بان هناك حصارا تكنولوجيا عليها مما دفعها لتتحول لقوة بحرية في ظرف 16 سنة”.

واشار بن عتيق لمشكل آخر يطفو للسطح بين تركيا وقبرص، فبمجرد اكتشاف البترول في شرق البحر الابيض المتوسط، تدخلت تركيا للتنقيب عنه، معتبرة أن اتفاقية لوزان التي رسمت الحدود بينها وبين اليونان مجحفة، وهي بالتالي لا تسمح لقبرص بان تكون لها منطقة اقتصادية خالصة، مسجلا أن الأمر يهم أزمة قد تؤدي لمنزلق دولي كبير، فهناك نظام موجود لكنه هش ومفكك، وكل التكتلات تبقى تابعة مادام أن الكبار لم يحسموا بعد في مآل هذا الصراع.

من جانبه، أوضح مصطفى حجازي، خبير مصري في الاستراتيجية السياسية، أن هناك عالما جديدا تشكل بعد الثورة الفرنسية والحربين العالميتين الأولى والثانية وسقوط حائط برلين وبداية الألفية الجديدة بالدخول لعصر المعلوماتية، في إطار ثنائيات كالحكم والسلطة والعدل والسلام، وفق عالم يتحول إلى نطاق الفرد يبني الجماعة، بتبني “ثنائية الذكاء والوباء” في عالم اضطر ليصطف بمنظومات علمية على أننا كوكب واحد ولدينا مصير واحد، بمنأى عن فكرة الهيمنة السياسية التي تتآكل.

وسجل حجازي أن الجانب الحقيقي من العالم سيتشكل من التكنولوجيات الجديدة التي ستغير العالم، خاصة مع التحول للجيل السادس من الانترنت، بآلات ذاتية التعلم، وهو تغير اجتماعي عميق، بين بشر وآلة أكثر قدرة على المنافسة، مما سيكون له تأثير على المجتمعات.

وأفاد حجازي أن روسيا ستخرج من الحرب الراهنة كما خرجت من الحرب الباردة، بل إمبراطورية من الدرجة الثانية قادرة على المناوءة مرة أخرى، كطرف يستطيع الحصول على ما يريد في إطار “بلطجة سياسية وجيوسياسية”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى