خبراء مغاربة وأجانب يحذرون من مخاطر الإعلام الرقمي

معنينو: نعيش حربا إعلامية

نادية عماري

حذر خبراء وإعلاميون مغاربة وأجانب من التحديات التي يطرحها الإعلام الرقمي في العصر الحالي، في ظل تفشي الشائعات وتواتر قضايا السب والقذف والتشهير وتهديد الحياة الشخصية للأفراد، عن طريق ممارسات”عبثية”، تندرج خارج السياق الإعلامي السليم.

وأوضح الكاتب والإعلامي المغربي، محمد الصديق معنينو، أن الإعلام البديل أو “إعلام المساكين والمستضعفين” فتح المجال أمام المواطنين للتعبير والاحتجاج، لأن الدولة استولت على الإعلام العمومي وطوعته لصالحها، في وقت سمحت فيه التكنولوجيا الحديثة بنشر أنباء كاذبة وأخرى تهم السب والشتم والقذف، من طرف مستخدمين غير مهنيين لا تشملهم أخلاقيات المهنة.

وقال معنينو، في ملتقى”ايسيسكو” الثقافي الثالث، بعنوان:”مستقبل الإعلام: من الصحافة الورقية إلى الصحافة الرقمية”، مساء الثلاثاء، بالرباط: “الهواتف الذكية تعدت نطاق القذف، وأصبحت آلة سياسية تمكن من إسقاط أنظمة ومحاصرة أخرى، وتبني قرارات وحملات، منها على سبيل المثال، حملة المقاطعة التي انطلقت بالمغرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نحن نعيش اليوم حربا إعلامية، وهو ما تقاومه بعض الدول بقطع التيار من أجل إخماد جذوة الاحتجاجات”.

واعتبر الإعلامي المغربي أن الصحافة الورقية تعيش معركة وجود تستوجب قيام الدولة بمبادرات لحلها.

وزاد معنينو مبينا: “مبيعات الصحف في انخفاض، بتسجيل بيع 120 ألف نسخة يوميا، مما يؤكد أننا نقرأ فقط 6 دقائق في السنة، وهنا يطرح التساؤل، هل ما زلنا فعلا بحاجة إلى أحزاب تصدر جرائد يباع منها العشرات، بوجود دعم من الدولة يصل إلى 5 مليار؟ وبالتالي، فلا بد من إرادة سياسية قوية لمراجعة الموضوع وأتمنى شخصيا أن تتوفر الحكومة المغربية على هذه الإرادة”.

وأشار معنينو إلى أن الصحافة المكتوبة ما زال أمامها بعض الوقت لتحسن من وضعيتها، بتغيير أسلوبها وطباعتها لإيجاد طريقة تمكنها من مواكبة الانفتاح الرقمي، وبث أخلاقيات ومبادئ معينة، حتى لا تكون مصدرا للإزعاج وعدم الاستقرار.

في غضون ذلك، ذكر معنينو بتجربة بلاده في مجال الصحافة المكتوبة التي لعبت دورا أساسيا في دعم الحركة الوطنية خلال الاستعمار والتأسيس لدولة الحرية وحقوق الإنسان، بتوظيف إصدار مزدوج يهم اللغتين الفرنسية والعربية، في الصحافة المستقلة ثم الحزبية، رغم مطالب الحركة الوطنية التي كانت تنادي بتعريب الإدارة، لتنجح البلاد لاحقا في تعريب القضاء وتفشل في تعريب الإدارة والتعليم.

وحول أسباب تراجع الصحافة المكتوبة في مقابل الرقمية، أشار معنينو إلى تدني نسب القراءة في صفوف المواطنين، فضلا عن انتشار التكنولوجيا الحديثة والتي عززها ظهور الهواتف الذكية، التي خولت لكل مواطن أن يكون صحفيا دون الحاجة لمؤهلات أو بطاقة، وكذا الصحون الهوائية التي مكنتهم من السفر عبر دول العالم من دون الحاجة لجواز سفر أو تأشيرة.

وقال معنينو: “يحضرني هنا بدايات ظهورها في المغرب، والإرهاصات التي رافقته، حيث أصدر وزير الداخلية حينها رسوما على اقتنائها بقيمة 5000 درهم، تحسبا لما قد تحمله القنوات الأجنبية من رؤى وأفكار جديدة، قد تعمل على نشر التحريض في صفوف المواطنين، لكن الأمر لم يقف عائقا أمام الإقبال على هذه الصحون بشكل كبير”.

من جهته، أفاد رئيس تحرير صحيفة الجزيرة السعودية، خالد المالك، بعدم قدرة الحكومات مستقبلا على التحكم في الإعلام، بوجود فضاء إعلامي خال من القيود والقوانين.

وأشار المالك إلى ظاهرة”صحافة الموبايل” التي تمكن الجميع من الحصول على صفة صحفي وفني وتقني، من دون الحاجة إلى تخصصات وشروط كانت إلى وقت قريب ضرورية في الخطاب الإعلامي التقليدي.

وقال المالك إن من بين عيوب الإعلام الجديد هو اعتماده أساسا على فنيين وليس صحفيين، مما يبرر ضعف المحتوى وارتباك اللغة، مما يجعل القائمين عليه في دوامة إجراء تعديلات وأحيانا الهروب من المساءلة القانونية، في ظل انتشار الشائعات وعدم الدقة في الكتابة، في محاولة لإفساد الذاكرة عن طريق الخلط الحاصل بين اللغتين العامية والفصحى.

وبشأن تهديد إعلام التواصل الاجتماعي للصحافة المكتوبة، أوضح المالك أن القول باحتضار وأفول الصحافة أمر مبالغ فيه وتوصيف غير دقيق، لتجربة رائدة استمرت على مدى 4 قرون.

وأفاد مدير المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”، سالم بن محمد المالك، بتحولات عديدة زعزعت ثقة المواطنين في الصحافة، مما جعلها تتعرض لانتقادات ومناورات أثرت سلبا على سلطتها.

وقال المالك: “الصحافة تتعرض لهشاشة مهينة تحتم هيكلة نظمها، فالوسائل التكنولوجية والعوائق التواصلية أثرت على مصادر المعلومات، مما يفرض إعادة توضيح حدود مهنة ساهمت في تشكيل الذاكرة الجماعية للشعوب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى