أخنوش.. الملياردير الطامح لكسر هيمنة “الإسلاميين” في 2021

عينه على تغيير معادلة "37-125"

بعد الزخم السياسي الذي عاشه المغرب عقب انتفاضات الربيع العربي التي هزت المنطقة، وجسدت حركة 20 فبراير نسخته المحلية في سنة 2011، ظن الكثير بأن البلاد دشنت مرحلة جديدة لا مجال فيها لغير السياسيين من ذوي التجربة الميدانية لتصدر المشهد وقيادة الحكومات، وهو ما تحقق بالفعل مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، وخلفه سعد الدين العثماني، غير أن هذه “القاعدة” الجديدة يتوقع العديد من المراقبين كسرها، ويرشحون عزيز أخنوش، رجل المال والأعمال، الذي يرأس التجمع الوطني للاحرار، للقيام بذلك، وإنهاء “هيمنة” الإسلاميين على الانتخابات لولايتين متتاليتين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: هل يتحقق ذلك وانتخابات 2021 على مرمى بصر؟

“تاجر” وسياسي

عزيز أخنوش، الوزير القوي في حكومة العثماني، القادم من قطاع المال والأعمال، يبدو أن طموحاته السياسية تتقوى كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية، التي انخرط بقوة في الإعداد المبكر لها، عبر حملات تواصلية تجوب المغرب طولاً وعرضاً، وصفها خصومه ب”السابقة لأوانها”.

في سنة 1961 بتافراوت (جنوب المغرب)، رأى أخنوش النور وسط عائلة أمازيغية محافظة داخل الإقليم المعروف بحنكة أبنائه في التجارة والأعمال، وهي الجينات التي تحكمت في توجهه الدراسي ومكنته من الحصول على شهادة جامعية في التسيير الإداري بجامعة “شيربروك” بإقليم كيبيك في كندا. 

تسلم أخنوش مباشرة بعد حصوله على الدبلوم الجامعي الكندي إدارة ثروة عائلته التي راكمها والده حماد أولحاج أخنوش، طيلة عقود من العمل والاجتهاد. وحول أخنوش مختلف مشاريعه التجارية إلى مجموعة قابضة أطلق عليها إسم “آكوا” تجمع عشرات الشركات المتخصصة في توزيع البنزين والاتصالات والخدمات، والتي بنى نجاحاته المالية والتجارية فيها قبل أن تؤهله لولوج عالم السياسية كأحد “التكنوقراط” القريبين من السلطة، من باب رئاسة جهة سوس-ماسة-درعة خلال سنة 2003 ليبدأ مشوار الصعود السياسي.

وشكلت سنة 2007 الانطلاقة السياسية الفعلية لأخنوش بعد تعيينه وزيرا للفلاحة والصيد البحري، في حكومة عباس الفاسي، الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال، باسم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي سيتخلى عن قبعته السياسية بعد انتخابات 2011 ليتسنى له دخول حكومة عبد الإله ابن كيران الأولى كتكنوقراط، وهي الحكومة التي سيلتحق  بها حزب التجمع الوطني للأحرار في نسختها الثانية بعد خروج حزب الاستقلال منها في 2013.

وأحدث وزير الفلاحة والصيد البحري دينامية كبيرة في القطاع الفلاحي بعد إطلاق مخطط المغرب الأخضر في سنة 2008 والذي حظي بدعم العاهل المغربي الملك محمد السادس، واستهدف جعل القطاع رافعة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المغرب، مبنية على استراتيجية تروم استكمال عدة مشاريع كبرى على الصعيد الوطني منها خلق فرص الشغل ومكافحة الفقر وحماية البيئة، باعتماد مقاربة شمولية ومندمجة لكل الفاعلين في القطاع الفلاحي.

بطل “البلوكاج” وإزاحة ابن كيران 

سيقفز اسم أخنوش مرة أخرى للواجهة في سنة 2015 بعد الجدل الذي أثير حول صندوق التنمية القروية، بعدما سحب البساط من تحت أقدام رئيس الحكومة آنذاك عبد الإله ابن كيران، الذي لم يستسغ كيف أصبح وزير الفلاحة يمتلك صفة الآمر بالصرف وله صلاحية التصرف المطلق في ميزانية الصندوق المقدرة بمليارات الدراهم، وهي الحادثة التي عكرت صفو العلاقة مع أخنوش الذي ظل ابن كيران يثني عليه في مناسبات عدة.

ولم تنته أزمة صندوق التنمية القروية بين الرجلين حتى عادت بشكل أكبر حدة، بعد انتخابات أكتوبر 2016، التي تصدرها حزب العدالة والتنمية، وكلف العاهل المغربي ابن كيران تشكيل الحكومة الجديدة، التي لعب أخنوش، الذي نصب رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار بعد أسابيع قليلة من الانتخابات، دورا مركزيا في إفشال مهمة ابن كيران الذي تعذر عليه تشكيل الحكومة بعد حوالي 6 أشهر من المحاولات التي انتهت بإعفائه وتعيين الدكتور سعد الدين العثماني خلفا له.

وجعلت مرحلة “البلوكاج”، التي عاشتها البلاد عقب انتخابات 2016، من أخنوش “بطلا” غير عادي، نجح في هزيمة ابن كيران وإقصائه من اللعبة، بعدما أثبت بالملموس أن 37 مقعدا التي حصل عليها حزبه أكبر من 125 مقعدا التي تصدر بها “العدالة والتنمية” نتائج الاقتراع، في تحد واضح لمنطق الحساب والرياضيات، ونجح في فرض شروطه على العثماني مسنودا بأربعة أحزاب تحلقت حوله.

محنة المقاطعة

بعد تحييد ابن كيران من ساحة المعركة، بدأ أخنوش مهمة تنفيذ مخطط الوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة بشكل علني ومبكر، ساعده في ذلك منطق العثماني المهادن الذي فسح الباب أمام تصدر أخنوش للمشهد حتى بدأ يطلق عليه البعض “الرئيس الفعلي للحكومة”.

ويستند أخنوش في معركته التي يخوضها بلا هوادة على قوته المالية الكبيرة التي بوأته صدارة قائمة أغنى أغنياء المغرب بثروة تناهز 2 مليار دولار، حسب مجلة فوربس الأميركية، حيث لا يبخل في الإنفاق وبسخاء واضح من أجل تحقيق هدفه المنشود.

غير أن اطمئنان أخنوش للوضع وسير الأمور بشكل مثالي معه في اتجاه تحقيق حلمه، خصوصا مع التصدعات التي عرفها البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية بعد مؤتمره الوطني، وجدل الولاية الثالثة لابن كيران، لم يعمر طويلا، بعدما انطلقت حملة مجهولة المصدر في وسائل التواصل الاجتماعي، تنادي بمقاطعة ثلاث علامات تجارية من بينها شركة أفريقيا لتوزيع المحروقات التي يملكها أخنوش، في أبريل 2018.

وكبدت حملة المقاطعة أخنوش خسائر مالية وسياسية فادحة، جعلته يتوارى عن الأنظار وينحني للعاصفة التي هددت طموحاته السياسية بشكل جدي، بعدما استمرت لأسابيع طويلة قبل أن تعود الأمور إلى نصابها، من دون أن يفوت الفرصة ويوجه اتهامات لجهات بالوقوف خلفها من أجل النيل منه واستهدافه سياسياً، في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية ونشطائه في مواقع التواصل الاجتماعي.

تهمة خلط المال بالسياسة

من الأمور التي تشكل عائقا أمام رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار في العمل السياسي هي “الخلط بين المال والسياسة”، والتي ظل خصومه السياسيون يحذرون من مخاطرها، بعدما كان ابن كيران سباقا للفت الانتباه إلى هذه المسألة في أول خروج سياسي في مؤتمر شبيبة حزبه بعد أشهر من إعفاءه.

هذه التهمة رد عليها أخنوش في خروج إعلامي بمجلة “جون أفريك” قبل أشهر قائلا: “أولئك الذين يرددون هذا الخطاب ويتحدثون عن تضارب المصالح كانوا يعرفون عملي كرجل أعمال بشكل جيد للغاية عندما استدعوني للانضمام إلى الحكومة عام 2011”.

وزاد أخنوش مدافعا عن نفسه: “منذ أصبحت وزيرا للمرة الأولى، قدمت استقالتي من جميع مسؤوليات التسيير بكل المؤسسات ذات الطابع التجاري، وأنا فخور بمسيرتي المهنية كرجل أعمال وبنجاحي في تحديث وتطوير شركات عائلية يبلغ عمرها 60 عاما، وأشرفت على قيادة مجموعة توظف أزيد من 10 آلاف شخص”.

قد يبدو رد أخنوش مقنعا للبعض في هذه المسألة، بينما يرفضه البعض الآخر، لكن الوزير “الحالِم” بكرسي رئاسة الحكومة يفتقد لكازيزما الزعامة كما أنه ليس خطيبا مفوها وليس فصيحا، هذه كلها عوائق تحد من نجاحه في مقارعة خصومه السياسيين الذين تمرسوا لسنوات على الخطابة في الساحات، والتحاور مع الجماهير في ميادين النضال.

في غضون ذلك، يرى النائب عبد اللطيف وهبي القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، أن أخنوش “ليست له القدرة على قيادة معركة سياسية إطلاقا، وتحركاته كثيرة لكنها ضعيفة على مستوى الكيف والمردودية”. وأضاف وهبي في لقاء إذاعي موضحا رأيه في الرجل “أعتقد أنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء، ويحاول أن يقتات من حزبنا. ولكن نحن لسنا مرفئا للنفط حتى نمد محطاته الغازية، نحن حزب سياسي وعليه أن يبتعد عنا”، معتبرا أن “من يظن أن أخنوش سيتحكم في نتائج انتخابات 2021 فهو مخطئ”.

الثغرات والمفتاح 

لكن الثغرات التي يراها وهبي، تبدو مغيبة تماما عند أتباع أخنوش وقادة حزبه، الذين أطلقوا على رئيسهم وصف “المفتاح”، الذي بإمكانه إيجاد الحلول العملية للمشاكل والتحديات التي تواجهها البلاد على مستوى الصحة والتعليم والشغل.

لكن يبقى سؤال كثيرين: لماذا الانتظار إلى ما بعد انتخابات 2021 لإيجاد الحلول لتلك المشاكل، لا سيما وأن الحزب يتولى في حكومة العثماني وزارات  وازنة ومهمة، وبالتالي بإمكانه، في إطار التضامن الحكومي، تقديم الحلول السحرية التي يخبؤها في جعبته بدل الانتظارية الانتخابية.

وعموما، لم يتبقى أمام اخنوش، الذي شرع منذ مدة في استقطاب الأوراق التي يعتقد انها رابحة في الانتخابات التشريعية المقبلة من أحزاب الأصدقاء والخصوم، سوى سنة وبضعة أشهر لاختبار قوة حزبه وجني ثمار ما أنفقه من أموال ووعود انتخابية قادرة على استمالة المغاربة وكسب ثقتهم لترجيح الكفة لصالح حزبه، بدلا من إعادة سيناريو ومعادلة (37-125) التي تبدو مناقضة للديمقراطية وروح الاقتراع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى